رغم مرور ما يقرب من 90 عاما تقريبا علي وفاة أسطورة السينما الصينية الصامتة روان لينجيو و فقدان أو عدم إكتمال عدد من أفلامها إلا أن حضورها الطاغي في أعمالها الدرامية التي بلغت 29 فيلما لا تزال محفورة في وجدان الصينيين و ذلك لأن أغلب أحداثها دارت خلال العصر الذهبي لفترة ما قبل الحرب في الصين و قدمت خلال أفلامها صورة جديدة من النساء الصينيات المتحررات من حكم الأسرة الحاكمة و اللائي يكافحن من أجل العثور على مكان لهن في العصر الجمهوري الجديد و لكن رغم نجوميتها و شعبيتها الطاغية إلا أن الرأي العام الصيني صدم بخبر وفاتها عن عمر ناهز 24 عاما عقب إنتحارها في ظروف غامضة و تفقد بذلك السينما الصينية واحدة من أهم أيقوناتها .
ولدت ” روان فينجين ” في مدينة شنغهاي عام 1910 لعائلة من الطبقة العاملة و عانت الممثلة من المآسي منذ صغرها حيث كانت ” الصين ” في تلك الفترة مضطربة سياسيا بعد أن ضعفت أسرة تشينج التي حكمت البلاد لأكثر من 250 عامًا قضتها في صد الغزوات الأجنبية و التمردات الداخلية حيث تمت الإطاحة بالسلالة الحاكمة بعد عام واحد من ولادة ” روان لينجيو ” في ثورة عام 1911 بقيادة ” صن يات صن ” و تأسست جمهورية الصين على مبادئ الشعب المستمدة من فلسفة ” صن ” التي تهدف إلى قيادة ” الصين ” لعصر جديد حر و متحرر مليئ بالحداثة و أن تكون مزدهرة تحت تأثير الديمقراطية الغربية .
و خلال كل تلك الظروف المحيطة و التحول الدراماتيكي من القديم إلي الجديد نشأت ” روان لينجيو ” و حين بلغت السادسة من عمرها فقدت والدها الذي كان عاملاً في شركة آسياتيك بتروليوم المملوكة لبريطانيا و عاشت مع والدتها التي عملت خادمة في منزل عائلة ” تشانج ” الغنية لإعالة نفسها و بينما كانت تشهد معاناة والدتها في العمل عاشت ” روان لينجيو ” طفولة وحيدة و في عزلة عن محيطها و نظرا لأن مدينة شنغهاي كانت في تلك الأثناء تنمو لتصبح مدينة كبرى كان يُنظر إلى التعليم على أنه نجاة للفرد و وسيلة للحصول علي الفرص في ذلك المجتمع الجديد لذلك أرسلتها والدتها إلى المدرسة و حذرت إبنتها من الكشف عن خلفيتها لأي شخص خوفًا من تعرضها للتنمر لأن العمل كخادمة كانت وظيفة يُنظر إليها بازدراء من قبل المجتمع .
و نظرا للتنشئة القاسية بجانب التعليم الحديث الذي تلقته ” روان لينجيو ” فقد كان لهما بالغ الأثر في صقل موهبتها التمثيلية المستقبلية لذلك ففي محاولة يائسة منها لكسب لقمة العيش إستجابت لأحد الإعلانات و تقدمت بطلب إلي شركة Mingxing Film Company لتصبح ممثلة و هي بعمر 15 عاما و بعد مرور عام من قبولها قدمت فيلمها الأول بعنوان ” زوجان بالإسم فقط ” (1927) A Married Couple in Name Only و أتخذت إسم ” روان لينجيو ” كإسم فني لها و خلال تمثيلها أعجب مخرج الفيلم ” بو وانكانج ” بأناقتها و موهبتها الطبيعية في نقل المشاعر المعقدة على الشاشة حيث كان موهبة كشف المشاعر العميقة بالسينما الصامتة في تلك الفترة دون حوار مهارة قليل من إمتلكها و بعد ثلاث سنوات تعاقدت ” روان ” مع شركة Lianhua Film Company و بينما كانت الأفلام الصوتية تجتاح السينما الغربية أوائل ثلاثينيات القرن العشرين لم تكن تلك التكنولوجيا قد وصلت إلي ” الصين ” بعد لذلك كان الفيلم الصامت لا يزال هو الشكل الفني الوحيد في البلاد و هو ما سهل لها الوصول إلي النجومية لتميزها في اللقطات القريبة و التعبير بالإيماءات الدقيقة كما كانت تفعل ” جريتا جاربو ” في هوليوود .
و خلال السنوات التي قضتها مع United Photoplay Service تعاونت ” روان لينجيو ” مع بعض كبار المخرجين في ذلك الوقت و أسرت قلوب الكثيرين بجاذبيتها كما أظهرت أيضًا تنوعها حيث واجهت التحديات للعب مجموعة متنوعة من الأدوار مما جعلها واحدة من أكثر الممثلات طلبا لدي المنتجين في ذلك الوقت حيث كان فيلم Bu’s A Spray of Plum Blossoms (1931) المقتبس من مسرحية لشكسبير عرضًا نادرًا لموهبة الممثلة الكوميدية بينما كان فيلم ألعاب صغيرة Little Toys (1933) عرضا لمواهبها في الدراما المؤلمة للقلب حيث لعبت ” روان لينجيو ” فيه دور إمرأة قروية و صانعة ألعاب فقدت عائلتها بسبب قسوة الحرب و في دراما العودة إلي الوطن Homecoming (1934) جسدت إمرأة ذات كرامة بعد إكتشاف أن زوجها قد تزوج من إمرأة أخري بعد أن أعتقد أنها توفت .
و يعتبر فيلم ” الإلهة ” Goddess (1934) على نطاق واسع واحد من أفضل أعمال ” روان لينجيو ” حيث فيه أستعرضت سحرها أثناء أدئها دور معقد لأم عازبة تعين عليها العمل كعاهرة من أجل إعالة طفلها و ربما كان أداءها المذهل يرجع إلى طفولتها القاسية و تمكنها من ربط دورها بمعاناة والدتها كما يظل فيلم “نساء جديدات” (1935) New Women أحد أكثر أفلامها إثارة للجدل لأنه يشبه بشكل مخيف حياتها خارج الشاشة و كفاحها في كونها كانت هدفًا للنميمة حيث أستوحي قصته من حياة الممثلة ” آي شيا ” التي انتحرت عام 1934 و خلاله يروي قصة معلمة و مؤلفة تؤدي دورها ” روان لينجيو ” التي تنتحر في النهاية بعد وفاة إبنتها الصغيرة و معانتها من التعذيب على يد رجل ثري قاسي و قيل إنه بعد تصوير المشهد الأخير و هي على فراش الموت لشخصيتها ظلت متوترة عاطفيا لدرجة أن المخرج ” كاي تشوشينج ” ظل مرافق لها حتي هدأت .
و بعيدا عن حياتها المهنية كانت حياة ” روان لينجيو ” الواقعية ممزقة بين رجلين و هم ” تشانج دامين ” الإبن الرابع للعائلة التي عملت والدتها كخادمة لديهم في المنزل و رجل الأعمال ” تانج جيشان ” الذي كان مقامرًا و زير نساء سيئ السمعة حيث تركت الممثلة الأول من أجل الثاني و لكن قام ” تشانج ” برفع دعوي قضائية لأول مرة عام 1934 مدعيًا أن ” روان لينجيو ” هي زوجته و اتهمها بالسرقة و في العام التالي ذهب إلى المحكمة مرة أخرى متهمًا إياها بالزنا مع ” تانج ” و رغم أن ” تانج ” كان يعيش معها بالفعل إلا أنه كان قد بدأ في علاقة غرامية مع الممثلة ” ليانج سايزن ” و أصبحت حياة ” روان لينجيو ” الخاصة أكثر جاذبية للجمهور عن أفلامها و تصدرت قضاياها عناوين الأخبار و خصصت الصحف أجزاء كبيرة لمتابعة مشاكلها و في 8 مارس عام 1935 إنتحرت روان بجرعة زائدة من الحبوب المنومة بنفس الطريقة التي إنتحرت بها شخصيتها في فيلم New Women و في رسالة إنتحار كانت قد تركتها للجمهور في ذلك الوقت قالت أن “النميمة شيء مخيف”.
إقرأ أيضا : قصة الإختفاء الغامض للممثلة الأمريكية جين سبانجلر
و عقب وفاتها حضر عشرات الآلاف من معجبي الممثلة الراحلة ” روان لينجيو ” جنازتها التي وصفتها صحيفة نيويورك تايمز حينها بأنها “الجنازة الأكثر إثارة في القرن” و كتب عنها مؤرخ الأفلام ” مارك كوزينز ” أن الموكب عبر شنغهاي و كان طوله يقترب من خمسة كيلومترات و خلال المسيرة إنتحرت ثلاث نساء أخريات بعد أن تغلب عليهن الحزن علي فراق الممثلة حتي أن جنازتها تفوقت علي جنازة الممثل ” رودولف فالنتينو ” نجم السينما الصامتة في هوليوود الذي أدت وفاته عام 1926 إلى زيادة جاذبيته الرومانسية و في عام 2001 ظهرت نسختان أخريان من رسالة إنتحارها حيث ألقت في إحداها اللوم على رجل الأعمال ” تانج ” لإساءة معاملتها و كسر قلبها كما لامت ” تشانج ” علي فعلته الخبيثة في فضحها علنًا و لكن حتي اللحظة يبقي السبب الحقيقي وراء إنتحار ” روان لينجيو ” لغزا و لكن بغض النظر عن أسباب وفاتها المبكرة فقد أنجزت تلك الممثلة العظيمة الكثير في حياتها القصيرة بإعتبارها ألمع نجمة في سماء السينما الصينية المبكرة .