حين يتطرق الحديث عن أسكتلندا سيأتي في أذهاننا علي الفور التنورات التي يرتديها الرجال و مزامير القرب و المناظر الطبيعية الخلابة التي تتمتع بها تلك البلد و لكن ما لا يعرفه الكثيرين أن الأراضي الأسكتلندية تتميز أيضا بإستضافتها لحدث رياضي مميز لا يقل أهمية عن دورة الألعاب الأولمبية و هي بطولة ألعاب المرتفعات التي يتنافس فيها عدد كبير من الرياضيين وسط حضور جماهيري ضخم في مجموعة من المسابقات التي يأتي علي رأسها لعبة رمي الكابينة و هي رياضة رغم غرابتها إلا أنها شيقة للغاية يقوم فيها اللاعبين برمي أعمدة خشبية كبيرة و مدببة يطلق عليها إسم الكابينة و المصنوعة من شجرة الصنوبر و يتراوح طولها بين 5 إلي 6 أمتار و تزن ما بين 40 إلي 70 كيلوجرامًا إلي أقصي مسافة ممكنة .
و عادة ما يبدأ موسم ألعاب المرتفعات في شهر مايو و يستمر حتى نهاية سبتمبر و تتنافس فيه العشائر الأسكتلندية في مجالات الرياضة و إلقاء الشعر و يرجح أن أول بطولة موثقة تمت إقامتها ما بين الفترة من عام 1031و حتي 1093 عندما حاول الملك “مالكولم الثالث” إختيار رسول ملكي و كان يشترط أن يكون أسرع شخص في ” أسكتلندا ” بأكملها و لهذا السبب كان لتلك المنافسة صدى كبير أما بالنسبة إلي لعبة رمي الكابينة فتوجد الكثير من الشائعات حول متى تم إبتكارها إلا أن الأرجح هو أن أول حدث موثق لها كأحد الرياضات في تلك البطولة كان في القرن السادس عشر و تحديدًا عام 1574 و هي لعبة لا تتعلق بالقوة بفحسب و لكن بالدقة أيضا و هو الجانب الأكثر أهمية لدي اللاعبين و لا تزال تمارس ألعاب المرتفعات حتي يومنا هذا و يشترط علي المشاركين في فعالياتها إرتداء التنورة الأسكتلندية الشهيرة .
و حتى اللحظة لا يوجد دليل بنسبة 100% على من أخترع لعبة رمي الكابينة و لكن بعض الأراء تقول أنها تنتمي إلي الحطابين الذين كانوا يقضون أوقات فراغهم في إظهار من هو أقوى عامل و لكن العديد يرفضون ذلك الترجيح بدعوي أن هناك فارق كبير بين الشجرة المنشورة الضخمة و التي يتم حملها أثناء اللعب فعلى سبيل المثال وزن عمود الكابينة الرسمي خلال المنافسات من الممكن أن يصل إلي 70 كيلوجراما و بإرتفاع 6 أمتار و رغم ذلك الثقل إلا أنه يمكن حملها من قبل شخص واحد بعكس الأشجار المنشورة التي تتطلب عدد من الرجال لحمل الواحدة منها لذلك فالأراء التي تنسبها إلي الحطابين قد تكون غير منطقية أو دقيقة .
و بعيدا عن الحطابين تتداول نظرية أخرى تقول أن لعبة رمي الكابينة أخترعت من قبل الجنود الذين كانوا يحاولون رميها على الجدران أو لتدمير البوابات أو لوضعها علي الخنادق من أجل العبور عليها و لكن يرفض البعض تلك النظرية أيضا بدعوي أن الرماة على الجدران لن يسمحوا ببساطة لأي شخص بالتقدم و رمي الأعمدة الكبيرة عليهم كما أن الخنادق كانت شائعة قبل القرن السادس عشر بكثير و من الطبيعي أن تشهد الإستراتيجيات الدفاعية الخاصة بها تطورات كبيرة كما أنه لا توجد أدلة تاريخية موثقة على إستخدام تقنية رمي الكابينة أثناء الحصار و لهذا السبب من المحتمل جدًا أن تكون تلك الرياضة مجرد طريقة بسيطة لإظهار القوة المطلقة للشخص و قد تطورت في النهاية إلى مستوى تنافسي .
و في الوقت الحالي تتكون منافسات المرتفعات من ألعاب رياضية مثل رمي الكابينة و رمي المطرقة و وضع الحجر و رمي الأثقال و منافسات فنية موسيقية مثل العزف علي مزامير القرب و القيثارات و الكمان إضافة إلي الرقص و إلقاء الشعر و لعل ما يجعل لعبة رمي الكابينة هي الأكثر تميزا في تلك المنافسات هو تقنيتها و طبيعة المعدات المستخدمة فيها فعلي سبيل المثال في لعبة رمي المطرقة يتم التعامل مع مطرقة وزنها 10 كيلوجرامات و يتم تحريكها حول الرأس و رميها إلى أقصى حد ممكن أما لعبة وضع الحجر فيتم رمي حجر يبلغ وزنه 10 كيلوجرامات أيضا لأبعد مسافة ممكنة من موضع ثابت و بالنسبة إلي لعبة رمي الأثقال فيتم رمي وزن معدني يبلغ 19 كيلوجراما عن طريق أخذه عبر المقبض المرفق بهذا الوزن و يُسمح بأي أسلوب بما في ذلك أسلوب الدوران والفائز هو من يرمي الوزن إلى أقصى حد ممكن لذلك فهي تعتبر ألعاب تقليدية تتم ممارستها في بطولات أخري لا سيما الألعاب الأولمبية .
و لعل أكثر ما يميز لعبة رمي الكابينة عن ما سبق أنها تتطلب عدد من الإشتراطات أهمها القوة و القدرة علي التحمل و التدريب جيدا لعدم التعرض إلي أي إصابات حيث يعتقد معظم الأشخاص أن الفكرة الأساسية في لعبة رمي الكابينة هو إلقاء العمود الخشبي إلى أبعد حد ممكن فقط و لكن هذه صورة نمطية خاطئة تمامًا حيث تتطلب ممارستها بعض من الخطوات الهامة فعند رفع الكابينة و هي ليست مهمة سهلة يجب أن يتم التأكد من أن اللاعب لديه القوة الكافية لرفعها و الإحتفاظ بها و بعد الرفع يتم الإمساك بها بيدين متشابكتين في الأسفل كما يجب رفعها بشكل عمودي تمامًا و من الناحية المثالية لذلك يتطلب أن يكون لدي اللاعب شريك يساعده على جعلها تقف بشكل مستقيم ثم بعدها يتم الجري لمسافة قصيرة حتى الوصول إلى النقطة المطلوبة و هنا يتم الإعتماد كليا علي تحمل اللاعب لأنه بمجرد الوصول يجب عليه التأكد من إختيار نقطة الرمي الصحيحة و بالإستناد علي الوركين و الساقين تدفع الكابينة لأعلى ثم تطلق في الهواء في إتجاه مستقيم و بعد ذلك يتحقق الحكام من مدى دقة رمي الكابينة إضافة إلي دقة هبوطها ثم تسجل النقاط بناء علي ذلك .
و خلال منافسات رمي الكابينة يقوم الحكام بالتحقق من تقدم كل رياضي و عادةً ما يقفون في زوايا مختلفة لتكوين صورة دقيقة عن مدى جودة و دقة تنفيذ الرمية و غالبًا ما تكون هذه الزوايا خلف الرياضيين و على الجانبين منهم و في بعض الحالات يمكن أن يكون وزن الكابينة لا يطاق و إذا لم يتمكن أي من قاذفي الكابينة من رفعها فيقوم التحكيم بتغييرها أما إذا تمكن عدد قليل من الأشخاص على الأقل من رفعها و لم يتمكن الآخرين من ذلك فإن الشخص الذي يمكنه رفعها سيكون مفضلاً للغاية بين الحكام و إذا كان وزن الكابينة صغيرًا جدًا فقد يقوم الحكام ببساطة بإستبدالها بوزن أثقل .
أقرأ أيضا : مصارعة الزيت .. لعبة قتالية تركية تمارس منذ سبع قرون
و علي الرغم من أصل اللعبة أسكتلندي إلا أنها تمارس في عدد من البلدان مثل ” أستراليا ” و ” كندا “و ” نيوزيلندا ” و ” الولايات المتحدة ” التي عرفتها عقب الحرب العالمية الأولي و يعتبر الكنديين هم الأبطال المميزين فيها و أبرزهم ” جيسون بينز ” و “جيمي بيبارد ” و ” ديرك بيشوب ” و ” كيفن فاست ” و ” داني فريم ” الذي سجل رقمًا قياسيًا عالميًا جديدًا عام 2018، حين نجح في رمي الكابينة 16 مرة في 3 دقائق فقط و يرجع الفضل في ذلك إلي طاقمه المعاون الذي يساعده في وضع الكابينة بشكل مستقيم و هو ما عاونه في تقديم أداء جيد للغاية حيث يقول أن حلم طفولته كان هو أن يدخل إلي موسوعة جينيس للأرقام القياسية و قد تحقق ذلك بفضل تدريباته المنتظمة و العمل الجاد الذي قام به أما “جيسون بينز ” فقد تمكن من تقديم أداء مذهل بعد أن رمي الكابينة 161 مرة خلال ساعة واحدة .