ماذا يحدث إذا تعرضت المملكة المتحدة لهجوم نووي مباغت و لم تتوفر لديهم أي فرصة للرد خاصة عند مقتل رئيس الوزراء البريطاني و كافة مسئولي الدولة و قيادات الجيش في ذلك الهجوم ؟ مجرد سؤال دار في أذهان الكثيرين من صانعي القرار البريطانيين لذلك قرروا وضع خطة طوارئ للرد حتي و إن كانت بعد تدمير بلادهم و إختفاء مسئوليهم و التي تبدأ بمجموعة من الخطابات السرية للغاية تعرف بإسم رسائل الملاذ الأخير و المكتوبة بخط يد رئيس الوزراء شخصيا فور توليه مهام منصبه و بعد إنتهائه منها يتم وضعها داخل أسطول الغواصات النووي البريطاني الذي يقع علي عاتقه تنفيذ تلك الأعمال الإنتقامية في خزائن محمية لا تفتح سوي في حالة تعرض البلاد إلي هجمات .
بدء تفكير البريطانيين في خطط جادة للطوارئ عند إندلاع الحرب الباردة بين “الولايات المتحدة” و حلفائها من جانب و “الإتحاد السوفيتي” و حلفائه من جانب أخر و إقتراب كلا الطرفين من حافة الحرب النووية أثناء أزمة الصواريخ الكوبية أوائل ستينيات القرن الماضي لذلك أصبح من الضروري علي البريطانيين البحث عن خطة طوارئ لحماية بلادهم و إرهاب أعدائهم و أصبحت أمر واقعا بعد إمتلاكهم رادع خاص بهم متمثل في أربعة غواصات قادرة علي حمل صواريخ ترايدنت النووية و بداية من عام 1969 كانت واحدة منهم تقوم دائمًا بدوريات منتظمة و تبحر في صمت عبر محيطات العالم .
و نظرا لإعتماد “بريطانيا” علي الغواصات الأربع لتنفيذ خطة الطوارئ كان لزاما على كل رئيس وزراء أن يكتب أربع خطابات تعرف بإسم رسائل الملاذ الأخير بواقع واحدة لكل غواصة و موجهة إلى قائدها و عادة ما تكون مكتوبة بخط اليد حيث تحفظ داخل خزنة و لا تفتح إلا عند الضرورة أو في حالة تغيير رئيس الوزراء و الذي بدوره سيكتب رسائل الملاذ الأخير الجديدة و حتي اللحظة لا يعرف أحد محتوي تلك الخطابات و لكن توجد بعض من التكهنات المحصورة بين أوامر لشن هجوم إنتقامي أو الإنطلاق نحو “الولايات المتحدة” للتحالف معها أو أن الأمر متروك لقائد الغواصة لتقدير الموقف و التحرك بناء علي ذلك .
و دائما ما تمثل رسائل الملاذ الأخير ضغوطا نفسية علي أي رئيس للوزراء أثناء كتابتها نظرا للتفاصيل الموضوعة فيها و التي ربما قد تصل إلي أن تكون نهاية العالم و بحسب ما ورد فأن رئيس الوزراء البريطاني الأسبق ” توني بلير ” قد تعرض وجهه للشحوب عندما قيل له إنه يتعين عليه كتابة رسائل الملاذ الأخير حين تولي مهام منصبه .
و بحسب القواعد لا تفتح رسائل الملاذ الأخير إلا عند تيقن طاقم الغواصة من أن “المملكة المتحدة” قد تعرضت لضربة نووية من أعدائها و يكون ذلك اليقين من خلال محاولتهم الإتصال بقياداتهم أو الإستماع إلى إشارات الراديو كما يُعتقد أن أحد الإختبارات الرئيسية هو إستمرار بث البرامج الإذاعية علي راديو BBC 4 و في حال فشل الوصول إلي كل ما سبق سيذهب القائد إلى الخزنة و يفتح الرسالة ليعرف منها التعليمات الموجود من أجل تنفيذها .
و نظرا للسرية التي تحيط بمحتوي رسائل الملاذ الأخير فقد طالها العديد من الإنتقادات بدعوي الإفتقاد للشفافية إلا أن البعض قد دافع عن ذلك الأمر بإعتبار أن نظام ترايدنت يعد رادعًا لذلك فمن الضروري ألا يعرف العدو كيف سترد “المملكة المتحدة” على أي هجوم لذلك فمن الصعب علي أي رئيس للوزراء أن يتحدث عن تفاصيل تلك الرسائل علي الرغم من تصريحات بعضهم التي من الممكن أن تستشف منها نواياهم و من بينهم ” جيمس كالاهان ” الذي تولي منصب رئيس الوزراء منتصف السبعينيات و الذي صرح بأنه “إذا وصلت إلى تلك النقطة التي شعرت أنه من الضروري القيام بذلك فعندئذ سأفعلها” مضيفا بأنه لديه شكوك بأن ذلك سيحدث و لكن في حالة لو عاش بعد الضغط على هذا الزر فلن يغفر لنفسه أبدًا .