ان تصبح رائدا للفضاء أمرا قد يعد حلما و مسعى للكثير من الاطفال عندما يكبرون لأنها فى نظرهم مهنة مليئة بالاثارة و المغامرات و يعتبر العمل بها بطولة فى حد ذاتها كما تصورها لنا الأفلام السينمائيه من خلال السباحة فى فراغ أسود أو الهبوط على سطح أحد الكواكب لاستكشافه أو مواجهة كائنات غريبه و رغم أنها مهنة تستحق كل ذلك التقدير من الناس إلا أن لها جانب سلبى أخر لا يعرفه معظمنا حيث يواجه رائد الفضاء خلال رحلته الكثير من المعاناة سواء كانت صحية أو نفسيه و و رغم التقدم التكنولوجى الذى تم إحرازه فى علوم الفضاء الا أن تلك المشكلات لا تزال مستمرة مع الرواد دون وجود حلول جذرية لها .
و فى خلال تلك المقاله نستعرض طبيعة تلك المشاكل و الشكاوى التى يمر بها رائد الفضاء خلال أعمالهم
برنامج تدريبى مثل الكابوس
حقيقة يجمع عليها الكثيرين و هى أنه ليس من السهل أن تكون رائدا للفضاء حيث يتقدم الكثيرين لها و لكن يتم اختيار 1% منهم بناء على اشتراطات معينه حيث يتعرضون الى تدريبات شاقه سواء بدنية أو علمية أو فنيه ليتم تصفيتهم هم أيضا و إنتقاء 1% من مجموعهم ليصبحوا هم رواد الفضاء و الذين بمجرد اختيارهم يتم اخضاعهم لتدريبات أخرى أكثر كثافة و صعوبه منها على سبيل المثال قضاء أيام كاملة مغمورا في حمام سباحة عملاق و القيام ببعض الاجرائات الفنيه أسفل المياه و هو يرتدى بدلة الفضاء كما يوجد تدريب أخر و هو ارتياده عدة مرات لاحدى المركبات و التى تسمى ” مذنب القيئ ” و التى تتحرك بسرعات خرافيه لمحاكاة انعدام الجاذبيه و لك ان تتخيل حالة رائد الفضاء عند خروجه منها حيث يكون مصابا بالدوار و بحالة كبيرة من الغثيان .
الاصابه بالدوار و القيئ
يعتبر القيئ واحدا من أهم المشكلات التى تواجه رائد الفضاء حيث يؤدى نقص الجاذبية أو انخفاضها الى حدوث اضطراب فى الأذن الداخليه يعمل إلى تدمير أى إحساس بالتوازن و بالتالى الاحساس بحالة من الدوار التى تؤدى فى النهايه الى الشعور بالقيئ و على الرغم من أن رواد الفضاء يتأقلمون بشكل عام مع ذلك الدوار و المعروف باسم “متلازمة التكيف مع الفضاء ” في غضون أيام قليلة الا انه توجد مشاكل أخرى طويلة الأمد تجعل التقيؤ يشكل تهديدًا دائمًا اليهم خلال أداء مهماتهم و ذلك بسبب شهرة كل من المكوكات والمحطات الفضائيه بانتشار الرائحة الكريهة نظرا لانها اماكن مغلقه حيث يقول رائد الفضاء “كريس هادفيلد” ان المرحاض موجود فى منتصف محطة الفضاء الدوليه و هو مكان ضيق للغايه و انت لديك ما يصل إلى سبعة أشخاص يستخدموه باستمرار فلك أن تتخيل العذاب الذى نواجهه جميعا من تلك الرائحه .
تساقط الجلد
عند سؤال رائد الفضاء ” تايم بياك ” عن أخطر شيء واجهه خلال العيش في الفضاء أجاب قائلا هو مشاهدة باطن كعب قدمك و هى تتحلل أمامك و ذلك بسبب عدم استخدام رواد الفضاء لباطن أقدامهم نظرا لانعدام الجاذبيه و بشكل يجعل ملمس كعوبها أكثر نعومه مثل الاطفال حديثى الولادة حيث من المعروف و بينما أنت على سطح الأرض و تحرك قدميك على اسطح صلبه فإن ذلك يعمل على تراكم الجلد فى الكعب بينما و أنت فى الفضاء لا يحدث ذلك الأمر مما يؤدى الى حدوث تقشر لتلك الطبقه لذلك فيتعين على رواد الفضاء أثناء خلع جواربهم الانتباه جيدا حتى لا يطلق العنان لوابل من قشور الجلد الميت و التي تنتشر فى المكان .
ستصاب بقليل من الجنون
عندما بدأ جائحة فيروس كورونا عام 2020 و أضطرت الكثير من الدول للاغلاق و انعزال الناس فى منازلهم لأول مرة أصيب الكثير منهم بالضيق لتلك العزله و هو الامر الذى دفع الكثيرين للتساؤل اذا كان ذلك هو حالنا على الأرض فما حال رواد الفضاء الموجودين فى المحطة الدوليه و بالفعل تم توجيه ذلك السؤال اليهم حيث أجابوا أنهم يعانون كثيرا من قلة النوم الجيد و العزلة و الوحدة و الاكتئاب و القلق و التوتر و التعب و تقلب المزاج و عجز التركيز و الاعتياد على الذهاب إلى الفراش بدون أحبائك و يتكرر نفس الروتين مرارًا وتكرارًا لذلك فهم يحاولون قدر الامكان مواجهة عزلتهم بقدر هائل من العمل الشاق .
قد تصاب بالصمم
رغم ان الفضاء لا يحتوى على شئ سوى الفراغ بشكل لا ينتقل عبره الصوت و لا الهواء الا ان ذلك لا ينطبق على المحطات او المكوكات الفضائيه و التى تصدر ألاتها المكونة من أنظمة ميكانيكيه و رقمية تدور وتهتز باستمرار ضجيجا قد لا يمكن تحمله مما يؤدى الى إصابة رواد الفضاء جزئيًا بالصمم حيث أشتكى رائد الفضاء الامريكى “بيل مكارثر” ورائد الفضاء الروسي “فاليري توكاريف” من ضعف فى السمع بعد إقامتهما في محطة الفضاء الدولية عام 2006 حيث تصدر الاتها موجات صوتيه تصل الى 75 ديسيبل و هى كافيه و بحسب مركز السيطرة على الامراض CDC بالاصابة بالصمم حال التعرض اليها لفترات طويله .
اضطرابات فى النوم
بعد يوم شاق و طويل من انخراط رواد الفضاء فى العمليات الحسابية والهندسية المعقده بداخل المحطة قد تعتقد أنه من حقهم الحصول ليلة هانئة و مريحة من النوم و لكن من المؤسف أن عشرات الظواهر تتآمر لمنع حدوث ذلك فعلى سبيل المثال هناك الضوضاء الناجمة من معدات المحطة و هناك الأضواء الساطعة التي يراها رواد الفضاء حتى عندما تكون عيونهم مغمضة و التى يعتقد انها ناتجة عن مرور الأشعة الكونية عبر جفونهم ثم هناك شروق الشمس و غروبها المتقطع و المتكرر الذي تراه محطة الفضاء الدولية لحوالى 16 مرة فى اليوم الواحد ثم هناك انعدام الجاذبية الذى يجبر رواد الفضاء على ربط أنفسهم بجدار لتجنب الطفو و الاصطدام بمقصورتهم .
التعرض الى الاشعاع
من المعروف ان الإشعاع الفضائى يشكل خطورة على جسم الإنسان و لحسن حظ البشرية على الأرض أن غلافنا الجوى و مجالنا المغناطيسى يشكلان درعا لحمايتنا من الغالبية العظمى من الإشعاع الكوني المار في الفضاء و نظرا لعدم وجود ذلك الدرع فى محطة الفضاء الدوليه فيتعرض رواد الفضاء باستمرار للإشعاع الكوني مثل الناجين من القنبلة الذرية في هيروشيما وناغازاكي حيث يواجهون ما يصل إلى 2000 ملي سيفرت و هى الوحدة التي تقيس الضرر البيولوجي بسبب الإشعاع المؤين بسبب القصف المستمر بالبروتونات والأيونات عالية الطاقة و هى مستويات مماثلة لتلك التي عانى منها الناجون من القنبلة الذرية لذلك فمن جانبها تقوم “ناسا” باستمرار على إيجاد طرق للحد من طول فترة التعرض الاشعاعى لرواد الفضاء الأكثر عرضة للخطر عن طريق تقصير مدة بقائهم في محطة الفضاء الدولية .
احتياج الجسم الى الجاذبيه
تعتبر الجاذبية الارضيه أمرا ضروريا للانسان فعند نقصها او انعدامها يتعرض الجسم للعديد من المشكلات مثل الدوار و فقدان الجلد و اضطرابات النوم كما أسلفنا سابقا بالاضافة الى مشكلات أخرى فمن دونها يكون التجشؤ مستحيلًا مما يجعل خروج الغازات من المعده أمرا صعبا و بالتالى تصبح مثل كرة كبيرة من الحمض و من ناحية أخرى تساعد الجاذبية في تحديد ارتفاعك على الأرض عن طريق ضغط فقراتك و بدونها يصبح رواد الفضاء حرفياً بقياس أطول حيث يستطيل عمودهم الفقري نتيجة عدم الضغط عليه في أقل من بضع ساعات و بمجرد عودته إلى الأرض يعاد ضغط العمود الفقري بنفس السرعة حيث قالت رائدة الفضاء الكورية “سويون يي ” بأن كلتا التجربتين كانا مؤلمتين للغاية فقد اكتسبت شبرًا واحدًا في الفضاء خلال ثلاث ساعات و انكمشت عندما عادت في نفس الفترة الزمنية القصيرة بشكل مثل الام شديدة لها فى الظهر بشكل جنونى .
تأثيرات سلبيه على العظام و العضلات
يعد استكشاف الفضاء ذات تأثير كبير على عظام رواده فمع انعدام الجاذبيه تحدث مشكلات خطيرة تؤثر على العضلات و العظام و الدم الذى يكون تدفقه خارجا عن السيطرة و بشكل يؤدي في معظم الأحيان إلى ظهور وجوه حمراء منتفخة و أقدام ضعيفه كما قد يؤدى الى حدوث جلطات دموية في الأوردة الوداجية والتي من الممكن أن تكون قاتلة بالإضافة الى معاناة العضلات من ضعف الدورة الدموية فيها نتيجة قلة استخدامها و هو ما يضطر رواد الفضاء إلى ممارسة التمارين الرياضية باستمرار للحفاظ على عضلاتهم من الضمور و حتى في هذه الحالة يتعين عليهم الخضوع لبرامج تدريبيه و علاج طبيعى لمدة شهر إلى شهرين عند عودتهم الى الأرض وينطبق هذا أيضًا على العظام التي تعتمد على الجاذبية مثل العضلات لأن رواد الفضاء أكثر عرضة للإصابة بهشاشة العظام خلال تواجدهم في الفضاء.
أقرأ أيضا : من بينها تمزق الرئه و إنتفاخ الجلد و تبخر الدم .. ماذا يحدث لجسم الإنسان حال تعرضه للفضاء الخارجى
الذهاب الى دورة المياه
رغم كل المشكلات التى ذكرناها الا ان تلك المشكله قد يعتبرها رواد الفضاء هى الأسوء حيث تقول سجلات ناسا انهم أجمعوا بأن أقل جزء مفضل لهم في الحياة بالفضاء هو عند ذهابهم الى دورة المياه من اجل التبرز و التبول و الذى يقوم على عملية معقدة تتم بامتصاص البول من المناطق السفلية باستخدام آلة تحوله بعد ذلك إلى مياه للشرب اما التبرز فهو الاسوء على الاطلاق لأنه ينطوي على ملء فتحة فى دورة المياه بالغائط و بعدها عليك أن ترتدي قفازًا مطاطيًا للامساك به و تعبئته و لكن بالطبع و بسبب الجاذبية المنعدمه فيتسلل بعض من الغائط عبر الفتحه و تطفو حول المحطة و لا يكون هناك اى حلول امام رائد الفضاء سوى مطاردتها و محاولة اصطيادها اثناء الطفو كما ولو كانت لعبه .