حياة الإنسان محاطة بالنعم التى وهبها الله إليه و لكنه لا يشعر بها أو بقيمتها إلا حين يفقدها أو علي الأقل يجد أمامه مثالا قد يذكره بها و بأهميتها و الذي يتجسد في حالة طبية فريدة من نوعها أصيب بها طفل أمريكي يدعي ديفيد فيتر و الذي عاني من مرض وراثي نادر تسبب في إضعاف جهاز المناعة الخاص به بشكل كبير يجعله عرضة للعدوي من الوسط المحيط به و في حالة الإصابة بأي مسبب للمرض حتي و إن كان بسيطا للأفراد العاديين فمن الممكن أن يكون أمر قاتلا بالنسبة إليه لذلك كان من الضروري وضعه داخل نظام حماية طبي معقد لضمان حياته داخل وسط صحي و نظيف و هو ما جعل وسائل الإعلام تطلق عليه إسم طفل الفقاعة التى ظل فيها حتى وفاته عن عمر يناهز 12 عاما .
بدأت قصة ” ديفيد فيتر ” بولاية ” تكساس ” في ” الولايات المتحدة ” حين تزوج الأبوين “ديفيد جى” و “كارول أن” و رزقهم الله بإبنة سليمة البدن أطلقوا عليها إسم “كاثرين” و بعدها رزقهم الله بطفل أخر و لكن لم تدم حياته أكثر من 7 أشهر نتيجة إصابته بمرض وراثي نادر يعرف بإسم نقص المناعه المشترك SCID و هى حالة خاصة لا يستطيع الجسم فيها مقاومة أى أمراض او جراثيم مهما كانت ضعيفة و قد تتسبب فى النهاية إلى الوفاة لذلك كان الإجراء الوحيد المتبع للتعامل مع تلك الحالات هو العزل في بيئة معقمة حتى يمكن إجراء عملية زرع نخاع عظام ناجحة و بعد خضوع الزوجين لعدد من الفحوصات أخبرهم الأطباء بأن نسبة إصابة أى طفل من الذكور لديهم بهذا المرض قد تصل الى نسبة 50% و أن الأمر بين يديهم عما إذا كانوا يكتفون بإبنتهم كاثرين أو خوض تجربة جديدة و لكن غير مضمونة النتائج و العواقب و يقرر الزوجين المضى قدما فى محاولة الإنجاب مرة اخرى و رزقهم الله بالطفل “ديفيد فيتر ” في سبتمبر عام 1971 و كان للأسف مصابا بنفس المرض لذلك كان لزاما التعامل معه بشكل خاص .
و بدء الأبوين فى محاولة تهيئة حياة مناسبة لظروف إبنهم ” ديفيد فيتر ” و بمجرد ولادته و خروجه من رحم أمه تم وضعه علي الفور داخل فقاعة بلاستيكية طبية معقمة و خالية من الجراثيم و متصل بها العديد من الأجهزه الطبية الخاصة حتي أنه تم تعميده بالماء المقدس المعقم بمجرد دخوله إلي ذلك المكان فى مستشفى “تكساس” للأطفال في مدينة “هيوستن” و أصبحت تلك الفقاعة هي منزله الذى يقضى فيه أغلب أيام حياته مع محاولات من قبل الأطباء للوصول الى العلاج الأمثل و ذلك عن طريق زرع للنخاع داخل عظامه عن طريق تبرع من أخته ” كاثرين ” الا أنه و للأسف باءت المحاولات بالفشل لعدم تطابق الأنسجة .
و أصبح “ديفيد فيتر ” سجينا داخل الفقاعه لحين الوصول الى متبرع ملائم حيث كان يدخل اليه الماء و الهواء و الطعام و حتى الحفاظات بطرق معقده مثل وضع تلك العناصر في غرفة مملوءة بغاز أكسيد الإيثيلين لمدة أربع ساعات عند 60 درجة مئوية ثم يتم تهويتها لمدة تتراوح ما بين يوم إلى سبعة أيام قبل وضعها داخل الغرفة المعقمة و كان لا يتم لمس الطفل إلا عن طريق قفازات بلاستيكية خاصة متصلة بجدران الغرفة و عند وصوله إلي سن الثالثة حاول الأطباء مساعدته فى التعايش مع الحياة الطبيعية و ذلك بعد أن تم بناء فقاعة إضافية فى المنزل الذى تقيم فيه أسرته لينتقل إليها الطفل لبعض الوقت ثم يعود للمستشفى عن طريق غرفة معقمة متنقلة و عندما بلغ الرابعة من عمره كادت أن تحدث كارثه نتيجة محاولته ثقب الفقاعة عن طريق محقن تم نسيانه داخلها عن طريق الخطأ الا أنه و لحسن الحظ تم تداركه و بدء الفريق الطبي محاولات مساعدة الطفل للتعرف على طبيعة مرضه .
و مع إنتشار قصة الطفل ” ديفيد فيتر ” عبر وسائل الإعلام نالت تعاطف الكثيرين داخل “الولايات المتحدة” و قامت وكالة ناسا للعلوم و الفضاء عام 1977 بإهداءه بدلة فضاء ملائمة لحالته الطبيه و التى من شأنها ان تسمح له بالخروج من الفقاعة و المشي بها في العالم الخارجي الذي نحن نعيش فيه بشكل طبيعي من خلال ربط البدلة بفقاعته عبر أنبوب من القماش بطول 2.5 متر و على الرغم من تعقيدها إلا أنها سمحت له بالمغامرة بالخارج دون التعرض لخطر التلوث و رغم أن ” ديفيد فيتر ” لم يكن يشعر بالراحة داخلها في البداية إلي أنه مع الوقت أصبح معتادا عليها و قد قام بإستخدامها سبعة مرات و حين بدء جسده فى النمو و أصبح حجمه غير مناسب لها أنتجت ” ناسا ” بدلة أخري ذات قياس مناسب إلا أنه لم يستخدمها قط .
أقرأ أيضا : ما هى متلازمة باريس التى يصاب بها زوار تلك المدينة العريقة ؟
و مع مرور الوقت تم إنفاق ما يقارب 1.3 مليون دولار أمريكي علي رعايته و نتيجة عدم ظهور متبرع ملائم للطفل قرر الوالدين و الأطباء إجراء عملية زرع نخاع لـ “ديفيد فيتر” عن طريق تبرع أخته حتى و إن كانت الأنسجة غير متطابقة و أجريت العملية بالفعل و كانت نتائجها الأولية مشجعه و لكن بعد مرور بضعة أشهر حدثت له إنتكاسة صحية أدت إلى وفاته نتيجة إصابته بسرطان الغدد الليمفاوية فى 22 فبراير عام 1984 و كشف تشريح الجثة أن نخاع عظام “كاثرين” كان يحتوي على آثار لفيروس نائم يسمى “إبشتاين-بار” و الذي لم يكن يمكن إكتشافه في الفحص قبل عملية الزرع و هو ما تسبب فى وفاته عن عمر يناهز 12 عاما و بعد ذلك أنفصل والداه لاحقا حيث أصبح والده عمدة مدينة “شيناندواه” بولاية تكساس بينما تزوجت والدته من الصحفي “كينت ديماريت” الذي كان قد كتب عن إبنها سابقا و حاولت “ماري مورفي” التى كانت أخصائية علم النفس للطفل ” ديفيد فيتر ” بتأليف كتاب عن حالته و كان من المقرر نشره عام 1995 الا أنه تم حظره من قبل والديه و كلية بايلور للطب و لم يسمح بخروجه إلي النور الا في عام 2019 .