يُعد خندق بنين المعروف أيضًا بإسم إيا بنين أو جدران بنين واحدًا من أبرز الإنجازات الهندسية التي شهدها التاريخ الإفريقي و سمي بذلك الإسم لوقوعه في مدينة بنين بولاية إيدو في نيجيريا و يرجع تاريخه إلي قرون عديدة قبل تأسيس نظام الحكم الملكي في المنطقة حيث تشير الأدلة إلي أن عمليات الحفر و البناء الأولي للخندق قد بدأت حوالي عام 800 ميلادي و إستمرت حتى عام 1460 و تميز البناء بإعتماده بالكامل علي الجهد البشري دون إستخدام أي معدات حديثة و تشير بعض المصادر إلي أن المتاريس التي كانت تتواجد في الخندق إمتدت لمسافة وصلت إلي 16000 كيلومتر و هو ما يجعله من بين أضخم الهياكل التي بناها الإنسان علي مر التاريخ و علي الرغم من أن معظم أجزاء هذه الأرضيات الدفاعية لم تعد قائمة اليوم إلا أن بعض بقاياها لا تزال موجودة كدليلًا علي عظمة هذه الحضارة .

و يرجع سبب تصميم خندق بنين ليكون خط دفاع أول ضد الغزاة حيث تميز بجدران ترابية مرتفعة و حواف شديدة الإنحدار مما يصعّب علي المهاجمين إختراقه كما كان يحتوي علي تسع بوابات رئيسية تتحكم في الدخول إلي المدينة بشكل يمنح السلطات المحلية السيطرة الكاملة علي حركة الدخول و الخروج و كان هذا النظام الدفاعي فعالًا في مواجهة أي تهديدات خارجية إذ أن المهاجمين الذين كانوا يحاولون تسلق الجدران عرضة للسقوط بسبب الإنهيارات الترابية كما أن الجنود المدافعين كانوا يهاجمونهم بالأسلحة التقليدية مثل الرماح و السهام المسمومة و هو ما صعب أي عملية للإقتحام كما أن خندق بنين لم يكن مجرد حاجز دفاعي فحسب بل كان أيضًا جزءًا من النظام الإقتصادي و الإجتماعي للمدينة حيث كان يُفرض رسوم عبور علي القادمين إليها بشكل ساهم في تمويل إدارة المملكة و تعزيز أمنها .

و يعود أصل خندق بنين إلي فترات ما قبل حكم ملوك “أوبا” حيث يُعتقد أن مجتمعات متعددة قد قامت بحفر أجزاء من الخندق لحماية قراها من التهديدات الخارجية و إستمر بناءه و توسيعه عبر العصور خاصة خلال حكم الملوك “أوبا أوجولا” و “أوبا إيواري” اللذين قاما بتعميق الخندق و إضافة المزيد من التحصينات عليه و التي تألفت من خنادق داخلية تحيط بالمناطق الهامة مثل قصر الملك و أحياء الشخصيات البارزة بينما إمتدت الجدران الخارجية لحماية القري و المستوطنات المحيطة و كانت المواد المستخدمة في البناء تُستخرج مباشرة من الأرض مما جعل هذه الهياكل تتكيف مع البيئة المحيطة بها و يقدر طول الخندق الداخلي بحوالي 10 كيلومترات بينما بلغ إجمالي المساحة التي كان يغطيها خندق بنين أكثر من 6,500 كيلومتر مربع و تشير بعض المصادر إلي أن المكونات التي أستخدمت في بنائه تعادل 100 ضعف المكونات المستخدمة في بناء هرم خوفو .

و علي الرغم من الأهمية التاريخية الكبيرة لخندق بنين إلا أن التطور الحضري و التوسع العمراني و السلوكيات الخاطئة قد ساهمت بشكل سلبي في تآكل أجزاء كبيرة منه حيث تعرّض عدد من الجدران و الخنادق إلي الدمار أثناء الحملة العقابية البريطانية عام 1897 كما أن بعض السكان المحليين قد إستخدموا التربة المأخوذة من هذه الهياكل في البناء و أغراض أخري بالإضافة إلي تحول بعض أجزاء الخندق إلي مواقع لتجميع النفايات و هو ما زاد من تدهور حالته كما شهد أجزاء من خندق بنين صراعات قانونية متكررة بين المجتمعات المحلية حول ملكية بعض المناطق التي كانت محاطة بالخندق حيث يدعي بعض السكان الجدد ملكية الأراضي التي كانت تاريخيًا جزءًا من التحصينات الدفاعية .
أقرأ أيضا : قبو الحضارة .. كنز القرن العشرين المخبأ لآلاف السنين القادمة
و نظرا لأهمية ذلك الصرح التاريخي فكان من الطبيعي أن يحصل علي إهتمام عالمي حيث أدرج في موسوعة جينيس للأرقام القياسية عام 1974 بإعتباره ثاني أطول هيكل شيده الإنسان بعد سور الصين العظيم و أحد أعظم الإنجازات الأفريقية بجانب أهرامات الجيزة كما تم ترشيحه ليكون جزءًا من مواقع التراث العالمي التابعة لليونسكو منذ عام 1995 لكنه لا يزال ينتظر الإعتراف الرسمي الكامل و حاليا توجد الكثير من الدعوات للحفاظ علي ما تبقي من ذلك الصرح من خلال ترميمه و حمايته من التعديات و التدهور البيئي .