في عالم يزداد إهتمامه بالتحديات البيئية و الأضرار التي يلحقها البشر بالطبيعة تبرز قصة كارثة مفاعل تشيرنوبيل الذي شهد موقعه عام 1986 أسوأ كارثة نووية في التاريخ الإنساني عقب تسرب إشعاعي ضخم ناجم عن أحد المفاعلات المدمرة و أجبر السلطات السوفيتية أنذاك علي إخلاء المكان من سكانه و إنشاء منطقة حظر وصلت مساحتها إلي ألاف الكيلومترات المربعة و مع مرور العقود و علي عكس المتوقع أصبحت المنطقة المحظورة ملاذًا للحياة البرية بعد أن تحول إلي مختبر طبيعي لدراسة تأثير الإشعاع علي النباتات و الحيوانات بكافة أنواعهم و الذين تكيفوا مع تلك الظروف القاسية و يكونوا بذلك رمزًا لصمود الطبيعة في وجه الكوارث .

وقعت كارثة تشيرنوبيل في ” الإتحاد السوفيتي ” السابق بمدينة بريبيات الأوكرانية في أبريل عام 1986 حين إنفجر أحد المفاعلات النووية و أطلق إشعاعات تطلبت عزل منطقة كاملة بقطر 48 كيلومتر عرفت بإسم المنطقة المحظورة و داخلها تقع الغابة الحمراء و هي منطقة تبلغ مساحتها أكثر من 10 كيلومترات مربعة تحيط بمحطة تشيرنوبيل للطاقة النووية و أطلق عليها ذلك الإسم بسبب لون أشجار الصنوبر التي ماتت بشكل جماعي بسبب مستويات الإشعاع المرتفعة و علي مدي العقود الثلاثة الماضية و علي غير المتوقع نمت هذه المنطقة و أصبحت موطنًا لعدد كبير من النباتات و الحيوانات المشعة .

و خلال الأبحاث لاحظ العلماء أن بعض الحيوانات تتكيف بشكل أفضل عن غيرها داخل المنطقة المحظورة فعلي سبيل المثال توجد الكلاب الضالة التي تنحدر أصولها من حيوانات أليفة تركها أصحابها أثناء إجلائهم و رغم التحذيرات بعد لمسها تحسبا لوجود جزيئات مشعة علي فرائها إلا أنه غالبًا ما يشارك العاملين في المكان وجباتهم مع المئات منهم التي تجوب المكان كما تحاول بعض من المجموعات المتخصصة حمايتها من مخاطر المنطقة المحظورة عبر تسهيل تبنيها بعد عملية فحص و تطهير صارمة لإيمانهم بأن قواعد البشر لا تعني شيئًا لعالم الكلاب فهي تستلقي و تحفر و تتدحرج و تشرب من البرك خاصة بعد ملاحظة أن معظمها لا تعيش لأكثر من أربع سنوات نتيجة الشتاء القاسي في ” أوكرانيا ” و ليس الإشعاع بالضرورة هو السبب الرئيسي لوفاتها المبكرة .

و بصرف النظر عن الكلاب الضالة يبدو أن هناك أنواعًا أخرى من الحيوانات قد بدأت في الإزدهار أيضا بعد أن شهد النظام البيئي بأكمله في المنطقة المحظورة إنتعاشًا كبيرًا بعد بضع سنوات فقط من الحادث و من أمثلة ذلك هي خيول برزوالسكي التي تُعرف أحيانًا بالخيول البرية المنغولية حيث قام علماء الحيوان بإدخال هذه السلالة المهددة بالإنقراض عام 1998 و من دون تدخل بشري نمت أعدادها بشكل ملحوظ كما زادت أعداد الحيوانات الكبيرة في الجانب البيلاروسي من منطقة تشيرنوبيل المحظورة أيضًا منذ الكارثة و أصبحت حيوانات مثل الموظ و الخنازير البرية و الذئاب أكثر عددًا من أي وقت مضى و تشير التقارير إلي أن كثافة الذئاب في منطقة تشيرنوبيل قد تكون أعلي من تلك الموجودة بحديقة يلوستون الوطنية في ” الولايات المتحدة ” و يرجح العلماء أنه من الوارد أن الذئاب في ذلك المكان تحصل علي بعض الحماية من الإشعاع عن طريق السفر لمسافات أبعد خارج المنطقة المحظورة لفترات أطول .

أقرأ أيضا : صور مخيفه لحضارة ابتلعتها الطبيعه فى المنطقة المحظورة لكارثة مفاعل فوكوشيما
و نتيجة تعايش أعداد كبيرة من الحيوانات داخل المنطقة المحظورة أصبح هناك سؤال ملح و هو ما الثمن الذي تدفعه صحتها ؟ و للإجابة علي ذلك التساؤل يوجد فريقين علميين متعارضين لديهما نظرياتهما الخاصة حول ذلك الموضوع فرغم إتفاقهم علي أن الإشعاع ليس وضعًا مثاليًا للحياة البرية إلا أنهما يختلفان في مقدار الضرر حيث يقول العالم الدنماركي “أندرس مولر” أن هذه الحيوانات تعيش 24 ساعة يوميًا في هذه المواقع الملوثة و بفرض أنه كانت الجرعة الفعلية لكل ساعة ليست عالية جدًا فإنها سوف تتراكم بعد أسبوع أو شهر لتصل إلي مستويات عالية و هذه التأثيرات يمكن أن تكون ذات عواقب دراماتيكية مع الوقت و في المقابل يقول عالم الأحياء الامريكي ” جيم بيزلي ” أن مستويات الإشعاع لا يمكن أن تكون ضارة جدًا لأنه حتى إذا كان هناك إشعاعات فإنها ليست كافية للقضاء علي أعداد ضخمة من الحيوانات لدرجة أنها لا تستطيع معها الإستمرار .
