حلف شمال الأطلسي أو كما يطلق عليه النيتو هو تحالف عسكري أنشأته معاهدة شمال الأطلسي في 4 من أبريل عام 1949 التي سعت إلى خلق ثقل موازن للجيوش السوفيتية المتمركزة في وسط و شرق أوروبا فى أعقاب الحرب العالمية الثانية حيث أتفق الأعضاء المنضمين الى تلك المنظمة بأن الهجوم المسلح ضد واحد أو أكثر منهم في أوروبا أو أمريكا الشمالية يعتبر هجومًا ضدهم جميعًا و بالتالي يوافقون على أنه في حالة حدوث مثل هذا الإعتداء فإن لكل منهم الحق في الدفاع الفردي أو الجماعي عن النفس و المعترف به في المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة و هو ما سيساعد الطرف أو الأطراف التي تعرضت لهجوم فى اتخاذ أى إجراءات قد يروها ضرورية سواء كانت منفردة أو بالتنسيق مع الأطراف الأخرى بما في ذلك استخدام القوة المسلحة لاستعادة الأمن في منطقة شمال الأطلسي و ظل الحلف نشيطا طوال تلك المدة و عندما إنتهت الحرب الباردة بإنهيار الإتحاد السوفيتى ( روسيا حاليا ) ظل حلف شمال الأطلسي قائما و أعيد النظر إليه على أنه منظمة تعاونية أمنية .
تاريخ حلف شمال الأطلسي
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945 كانت أوروبا الغربية منهكة اقتصاديًا و ضعيفة عسكريًا (كان الحلفاء الغربيون قد خفضوا جيوشهم بسرعة وبشكل كبير في نهاية الحرب) و بدأت أحزاب شيوعية قوية بالظهور في فرنسا و إيطاليا و على النقيض من ذلك خرج الاتحاد السوفيتي من الحرب و هو قوي و سيطرت جيوشه على جميع دول أوروبا الوسطى و الشرقية و بحلول عام 1948 عزز الشيوعيين تحت رعاية “موسكو” سيطرتهم على حكومات تلك الدول و قمعوا كل الأنشطة السياسية غير الشيوعية فيما أصبح يعرف باسم الستار الحديدي و هو مصطلح شاعه “وينستون تشرشل ” على وسط و شرق أوروبا و خاصة و ان التعاون في زمن الحرب بين الحلفاء الغربيين و السوفييت قد انهار تمامًا و أصبح كل جانب ينظم قطاعه الخاص من ألمانيا المحتلة بحيث تظهر دولتان ألمانيتان واحدة ديمقراطية في الغرب و أخرى شيوعية في الشرق و في عام 1948 أطلقت الولايات المتحدة “خطة مارشال” التي ضخت كميات هائلة من المساعدات الاقتصادية لدول غرب و جنوب أوروبا بشرط أن تتعاون مع بعضها البعض و تنخرط في تخطيط مشترك لتسريع تعافيها المتبادل أما بالنسبة للتعافي العسكري فبموجب معاهدة “بروكسل” لعام 1948 فقد أبرمت المملكة المتحدة و فرنسا و البلدان المنخفضة “بلجيكا و هولندا و لوكسمبورج ” اتفاقية دفاع جماعي تسمى الاتحاد الأوروبي الغربي و مع ذلك سرعان ما تم الاعتراف بضرورة وجود تحالف أكثر قوة لتوفير ثقل عسكري موازن و مناسب للسوفييت .
و بحلول ذلك الوقت كانت بريطانيا و كندا و الولايات المتحدة قد انخرطت بالفعل في محادثات استكشافية سرية حول الترتيبات الأمنية التي من شأنها أن تكون بمثابة بديل للأمم المتحدة التي أصبحت مشلولة بسبب الحرب الباردة الناشئة بسرعة و في مارس عام 1948 عقب الانقلاب الشيوعي الفعلي في تشيكوسلوفاكيا في فبراير بدأت الحكومات الثلاث مناقشات حول خطة دفاع جماعي متعددة الأطراف من شأنها تعزيز الأمن الغربي و تعزيز القيم الديمقراطية و انضمت فرنسا و الدول المنخفضة و النرويج إلى هذه المناقشات و في أبريل 1949 أسفرت عن معاهدة شمال الأطلسي و كان أعضاؤها الأصليون هم ” بلجيكا” و “كندا” و “الدانمارك” و “فرنسا” و “أيسلندا” و “إيطاليا” و “لوكسمبورج” و “هولندا” و “النرويج” و “البرتغال” و “المملكة المتحدة” و “الولايات المتحدة” ثم انضمت “اليونان” و “تركيا” عام 1952 و لحقتها “ألمانيا الغربية” عام 1955 (أصبحت بإسم ألمانيا بعد توحيدها ) ثم “إسبانيا” عام 1982 و “جمهورية التشيك” و “المجر” و “بولندا” عام 1999 ثم “بلغاريا” و “إستونيا” و “لاتفيا” و “ليتوانيا” و “رومانيا” و “سلوفاكيا” و “سلوفينيا” عام 2004 ثم “ألبانيا” و “كرواتيا” عام 2009 و الجبل الأسود عام 2017 و أخيرا “مقدونيا” عام 2020 و مؤخرا تمت دعوة “فنلندا” و “السويد” و هما دولتان محايدتان منذ فترة طويلة للانضمام إلى “النيتو” في عام 2022 .
التنظيم
يتكون مجلس حلف شمال الأطلسي ” النيتو ” و الذي تأسس فور دخول المعاهدة حيز التنفيذ من ممثلين وزاريين للدول الأعضاء الذين يجتمعون مرتين على الأقل في العام الواحد و في أوقات أخرى يظل المجلس الذي يرأسه الأمين العام للنيتو في حالة انعقاد دائم على مستوى السفراء و دائما ما يكون منصب السكرتير العام للحلف من قبل دولة أوروبية و يشتمل التنظيم العسكري للحلف على نظام كامل من الأوامر للاستخدام المحتمل في زمن الحرب حيث تتألف اللجنة العسكرية فى حلف شمال الأطلسي من ممثلين عن القادة العسكريين لأركان الدول الأعضاء و تشتمل على أمرين استراتيجيين أولهم مركز عمليات قيادة الحلفاء (ACO) و يتم رئاستها من قبل القيادة العامة للحلفاء فى أوروبا و يقع مقرها الرئيسى فى مدينة ” كاستو ” ببلجيكا و ثانيهم مركز تحويل القيادة المتحالفة (ACT) و يقع مقرها الرئيسي في “نورفولك” فى ولاية “فيرجينيا” بالولايات المتحدة و خلال السنوات العشرين الأولى من عمر التحالف تم التخطيط و التمويل و البناء بشكل مشترك و انفاق ما يزيد عن 3 مليارات دولار من “البنية التحتية” لقوات الحلف المتمثلة فى القواعد و المطارات و خطوط الأنابيب و شبكات الاتصالات و المخازن و كان حوالي ثلث التمويل قادما من “الولايات المتحدة ” و لا يتم استخدام تمويل حلف شمال الأطلسي عمومًا لشراء المعدات العسكرية حيث توفرها الدول الأعضاء على الرغم من أن قوة الإنذار المبكر المحمولة جواً التابعة للحلف وهو أسطول من الطائرات الحاملة للرادارات و المصممة للحماية من هجوم مفاجئ بالطيران المنخفض قد تم تمويله بشكل مشترك .
دور ألمانيا و فرنسا
كانت إحدى القضايا الخطيرة التي واجهت حلف شمال الأطلسي ” النيتو ” في أوائل و منتصف الخمسينيات من القرن الماضي هي التفاوض بشأن مشاركة ألمانيا الغربية في الحلف حيث قوبلت الأنباء التى تتحدث عن احتمالية إعادة تسليح ألمانيا بقلق و تردد واسع النطاق في أوروبا الغربية و لكن تم الاعتراف بحقيقة أن قوة ألمانيا ضرورية لحماية أوروبا الغربية من أى غزو سوفييتي محتمل و بناءً على ذلك تم وضع ترتيبات للمشاركة “الآمنة” لألمانيا الغربية في ظل ذلك التحالف كجزء من اتفاقيات “باريس” في أكتوبر 1954 التي أنهت احتلال الحلفاء الغربيين لأراضي ألمانيا الغربية ونصّت على الحد من تسليح “ألمانيا الغربية” و انضمام الدولة إلى معاهدة “بروكسل” في مايو عام 1955 ثم انضمت “ألمانيا الغربية” إلى حلف شمال الأطلسي مما دفع “الاتحاد السوفيتي” إلى تشكيل “حلف وارسو” في وسط و شرق أوروبا في نفس العام و بحلول الوقت الذي انتهت فيه الحرب الباردة كان حوالي 900 ألف جندي نصفهم تقريبًا من ست دول (الولايات المتحدة و المملكة المتحدة و فرنسا و بلجيكا و كندا و هولندا) يتمركزون في ألمانيا الغربية .
أما بالنسبة الى ” فرنسا ” فقد توترت علاقتها مع حلف شمال الأطلسي بعد عام 1958 حيث انتقد الرئيس الفرنسى “شارل ديجول” بشكل متزايد هيمنة المنظمة من قبل الولايات المتحدة و التدخل فى السيادة الفرنسية من قبل العديد من موظفي و أنشطة الناتو الدولية و قال إن هذا الاندماج قد يخضع “فرنسا” لحرب تلقائية بقرار من الأجانب و عليه في يوليو عام 1966 انسحبت “فرنسا” رسميًا من هيكل القيادة العسكرية للحلف و طالبت قوات ” النيتو ” بمغادرة الأراضي الفرنسية و مع ذلك أعلن “ديجول” استمرار التزام “فرنسا” بإتفاقيات حلف شمال الأطلسي في حالة العدوان غير المبرر و بعد أن نقل “النيتو” مقره من “باريس” إلى “بروكسل” حافظت “فرنسا” على علاقة اتصال مع الطاقم العسكري و واصلت الجلوس في المجلس و استمرت في الحفاظ على القوات البرية و نشرها في “ألمانيا الغربية” على الرغم من أنها فعلت ذلك بموجب اتفاقيات ثنائية جديدة مع الاتحاد الأوروبي و الألمان الغربيين و ليس تحت سلطة ” النيتو ” و في عام 2009 عادت مجددا إلى هيكل القيادة العسكرية للحلف .
حلف شمال الأطلسي و الحرب الباردة
منذ تأسيس حلف شمال الأطلسي كان الهدف الأساسي منه هو توحيد و تقوية الرد العسكري للحلفاء الغربيين لغزو محتمل لأوروبا الغربية من قبل الاتحاد السوفيتي و حلفائه في حلف وارسو و في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي اعتمد ” النيتو ” جزئياً على التهديد بالانتقام النووي من قبل “الولايات المتحدة” لمواجهة القوات البرية الأكبر حجماً في “حلف وارسو” و ابتداءً من عام 1957 تم استكمال هذه السياسة بنشر أسلحة نووية أمريكية في قواعد أوروبا الغربية و تبنى الحلف لاحقًا استراتيجية “الرد المرن” و التي فسرتها “الولايات المتحدة” على أنها تعني أن الحرب في أوروبا لا يجب أن تتصاعد إلى تبادل نووي شامل و بموجب هذه الإستراتيجية تم تجهيز العديد من قوات الحلفاء بأسلحة نووية في ساحة المعركة و لكن بنظام تحكم مزدوج بشكل يسمح لكل من الدولة المضيفة للأسلحة و “الولايات المتحدة” باستخدام حق النقض ضد استخدامه حيث لا يمكن اطلاقه الا بموافقة الطرفين و احتفظت “بريطانيا” بالسيطرة على ترسانتها النووية الاستراتيجية و لكنها أدخلتها ضمن هياكل التخطيط لحلف شمال الأطلسي فى الوقت الذى ظلت فيه القوات النووية الفرنسية مستقلة تمامًا .
و استمر الجمود التقليدي و النووي بين الجانبين من خلال بناء جدار برلين في أوائل الستينيات و حدثت انفراجة خلال السبعينيات و لكن فى مطلع الثمانينيات عادت التوترات مجددا بعد غزو الاتحاد السوفيتي لأفغانستان عام 1979 و انتخاب الرئيس الأمريكى “رونالد ريجان ” عام 1980 و لكن تغير كل ذلك بشكل جذرى بعد عام 1985 حين أدخلت إصلاحات اقتصادية و سياسية بعيدة المدى من قبل الزعيم السوفيتي “ميخائيل جورباتشوف” و في يوليو 1989 أعلن أن “موسكو” لن تدعم الحكومات الشيوعية في أوروبا الوسطى و الشرقية و بالتالي قبوله الضمني لاستبدالها بإدارات منتخبة و غير شيوعية حيث أدى تخلي “موسكو” عن السيطرة على أوروبا الوسطى و الشرقية إلى تبديد قدر كبير من التهديد العسكري الذي شكله “حلف وارسو” سابقًا على أوروبا الغربية و هي حقيقة أدت بالبعض إلى التساؤل عن الحاجة إلى الاحتفاظ بحلف ” النيتو ” كمنظمة عسكرية خاصة بعد حل “حلف وارسو” و توحيد “ألمانيا” في أكتوبر 1990 و هو ما دفع الى خلق حاجة لتحويل حلف شمال الأطلسي إلى تحالف سياسي للحفاظ على الاستقرار الدولي في أوروبا.
حلف شمال الأطلسي و ما بعد الحرب الباردة
بعد الحرب الباردة أعيد النظر إلى حلف شمال الأطلسي باعتباره منظمة تعاونية أمنية كان تفويضها يشمل هدفين رئيسيين أولهم تعزيز الحوار و التعاون مع الخصوم السابقين في “حلف وارسو” و ثانيهم إدارة النزاعات في المناطق الواقعة على الأطراف الأوروبية مثل البلقان و تماشياً مع الهدف الأول أنشأ الحلف مجلس تعاون شمال الأطلسي (تم استبداله لاحقًا بمجلس الشراكة الأوروبية الأطلسية) لتوفير منتدى لتبادل الآراء حول القضايا السياسية و الأمنية فضلاً عن الشراكة من أجل السلام لتعزيز الأمن و الاستقرار الأوروبيين من خلال التدريبات العسكرية المشتركة مع دول “النيتو” و الدول غير الأعضاء بما في ذلك جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق و حلفائه كما أقيمت روابط تعاونية خاصة مع دولتين من دول الشراكة من أجل السلام و هم روسيا و أوكرانيا اما بالنسبة للهدف الثاني و هو استخدام الناتو للقوة العسكرية و كان لأول مرة من خلال الحرب في البوسنة والهرسك عام 1995 عندما قام بشن غارات جوية ضد مواقع صرب البوسنة حول العاصمة “سراييفو” و بموجب اتفاقيات “دايتون” اللاحقة و التي وقعها بالأحرف الأولى ممثلو “البوسنة والهرسك” و “كرواتيا” و “يوغوسلافيا الاتحادية” فقد ألزمت كل دولة باحترام سيادة الدول الأخرى و تسوية النزاعات سلمياً كما أرسى الأساس لنشر قوات حفظ سلام تابعة للناتو في المنطقة و تم نشر قوة تنفيذ قوامها 60 ألف فرد في البداية و في مارس عام 1999 شن حلف شمال الأطلسي ضربات جوية مكثفة على “صربيا” في محاولة لإجبار حكومة “سلوبودان ميلوسيفيتش” اليوغوسلافية على الانضمام إلى الأحكام الدبلوماسية المصممة لحماية السكان الألبان الذين يغلب عليهم المسلمين في “إقليم كوسوفو” و بموجب شروط تسوية تفاوضية للقتال نشر الحلف قوة حفظ سلام تسمى قوة كوسوفو .
و أعطت الأزمة المتعلقة بكوسوفو و الحرب التي تلت ذلك زخماً متجدداً للجهود التي يبذلها الاتحاد الأوروبي لبناء قوة جديدة للتدخل في الأزمات و هو الأمر الذي من شأنه أن يجعل الاتحاد الأوروبي أقل اعتماداً على حلف شمال الأطلسي و الموارد العسكرية الأمريكية لإدارة الصراع حيث أثارت هذه الجهود مناقشات مهمة حول ما إذا كان تعزيز القدرات الدفاعية للاتحاد الأوروبي من شأنه أن يقوي أو يضعف ” النيتو ” و في الوقت نفسه كان هناك الكثير من النقاش حول مستقبل الحلف في حقبة ما بعد الحرب الباردة و جادل بعض المراقبين بضرورة حل التحالف مشيرين إلى أنه تم إنشاؤه لمواجهة عدو لم يعد موجودًا و دعا آخرون إلى توسيع واسع لعضوية الناتو لتشمل روسيا و اقترح معظمهم أدوارًا بديله بما في ذلك حفظ السلام و بحلول بداية العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين بدا من المحتمل أن الاتحاد الأوروبي لن يطور قدرات تنافسية مع قدرات ” النيتو ” أو حتى يسعى إلى القيام بذلك و عليه تبددت المخاوف السابقة المرتبطة بشبح التنافس بين المنظمتين اللتين يقع مقرهما في “بروكسل” .
و خلال فترة الرئيس الامريكى “بيل كلينتون” (1993-2001) قادت “الولايات المتحدة” مبادرة لتوسيع عضوية حلف شمال الأطلسي تدريجياً لتشمل بعض حلفاء الاتحاد السوفيتي السابق و هو أمر أحدث حالة كبيرة من الجدل حيث قال المؤيدين بأن عضوية ” النيتو ” لتلك الدول هي أفضل طريقة لبدء العملية الطويلة لدمجها في المؤسسات السياسية و الاقتصادية الإقليمية مثل الاتحاد الأوروبي اضافة الى الخشية من العدوان الروسي في المستقبل و اقترحوا أن عضوية الحلف لتلك الدول ستضمن الحرية و الأمن للأنظمة الديمقراطية الحديثة اما المعارضين فقد أشاروا إلى التكلفة الباهظة لتحديث القوات العسكرية للأعضاء الجدد و جادلوا بأن التوسيع الذي تعتبره “روسيا” استفزازًا سيعيق الديمقراطية في ذلك البلد و يعزز نفوذ المتشددين فيها و على الرغم من هذه الخلافات انضمت “جمهورية التشيك و المجر و بولندا” عام 1999 و تم قبول “بلغاريا و إستونيا و لاتفيا و ليتوانيا و رومانيا و سلوفاكيا و سلوفينيا” في عام 2004 و انضمت “ألبانيا وكرواتيا” عام 2009.
و في غضون ذلك و بحلول بداية القرن الحادي والعشرين شكلت “روسيا” و حلف شمال الأطلسي علاقات إستراتيجية و لم تعد تعتبر العدو الرئيسي بل عززت روابط تعاونية جديدة مع “النيتو” في عام 2001 لمعالجة مخاوف مشتركة مثل الإرهاب الدولي و عدم انتشار الأسلحة النووية و السيطرة على الأسلحة لكن هذه الرابطة تآكلت لاحقًا بعد غزو “روسيا” لجورجيا عام 2008 بعد أن عزز الحلف علاقاته مع الدولة الأخيرة و أنشأ لجنة ” النيتو و جورجيا ” لمساعدتها على تحقيق هدفها المتمثل في العضوية بالحلف و في عام 2014 فر الرئيس الأوكراني الموالي لروسيا ” فيكتور يانوكوفيتش ” من “أوكرانيا” بعد شهور من الاحتجاجات الشعبية و ردت “روسيا” بغزو جمهورية القرم الأوكرانية المتمتعة بالحكم الذاتي و ضمها الى سيادتها و أثارت انتفاضات في منطقة دونباس الأوكرانية في محاولة لإعادة تأكيد سيطرتها على جارتها و أعاد حلف شمال الأطلسي تأكيد دعمه للحكومة الأوكرانية المنتخبة ديمقراطيًا و حدودها المعترف بها دوليًا.
و فى اعقاب أحداث هجمات 11 سبتمبر عام 2001 تشكلت ديناميكية جديدة داخل الحلف حيث قامت بمهمات عسكرية ضد قوات طالبان في “أفغانستان” بدءًا من صيف عام 2003 و بعد ذلك القيام بعمليات جوية ضد نظام “معمر القذافي” في ليبيا أوائل عام 2011 و نتيجة للوتيرة المتزايدة للعمليات العسكرية التي يقوم بها التحالف أعيد إحياء قضية تقاسم الأعباء و ان تكون تكاليف عمليات حلف شمال الأطلسي أكثر إنصافًا و لكن اعتبر معظم المراقبين أن هذا السيناريو غير مرجح حتى أثيرت مرة أخرى من قبل رئيس الولايات المتحدة “دونالد ترامب” الذي انتقد مرارًا أعضاء آخرين في ” النيتو ” لفشلهم في تخصيص جزء كافٍ من ميزانياتهم للإنفاق الدفاعي و شكك في أهمية الحلف و ناقش انسحاب “الولايات المتحدة” منه و هو أمر أثار مخاوف حلفائه الغربيين و كان بمثابة هدية للرئيس الروسي ” بوتين ” و لكن تحرك فريق الأمن القومي التابع لترامب لطمأنة الحلفاء بأن “الولايات المتحدة” لا تزال ملتزمة بالحلف و بحلول نهاية ولاية “ترامب” في عام 2021 لم يتغير وجود القوات الأمريكية في أوروبا تقريبًا و مع نهاية العام كانت “روسيا” قد بدأت حشدًا عسكريًا هائلًا على طول الحدود الأوكرانية تحت ستار مناورات مشتركة مع الجيش البيلاروسي و في فبراير 2022 كان هناك ما يصل إلى 190 ألف جندي روسي على طول الحدود الروسية الأوكرانية و في “بيلاروسيا” و شبه جزيرة القرم و في 24 من فبراير أعلن “بوتين” بدء عملية عسكرية خاصة و شن غزوًا واسع النطاق لأوكرانيا و على الرغم من أن الروس حققوا بعض المكاسب المبكرة إلا أن تقدمهم سرعان ما توقف أمام الدفاعات الأوكرانية التى تم تعزيزها من خلال مساعدات عسكرية من الدول الأعضاء فى الحلف حيث أدت سرعة و وحدة رد فعل حلف شمال الأطلسي على الحرب الأوكرانية إلى تبديد أي شكوك حول أهمية استمراره خاصة بعد إعلان “السويد و فنلندا” وهما دولتان تتمتعان بتاريخ طويل من الحياد عزمهما الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي .