حرب طروادة واحدة من الحروب التى لا تزال حتى اللحظة تثير الجدل بين المؤرخين عما إذا كانت حقيقية و حدثت بالفعل أم هى أسطورية من خيال الشعراء و المؤلفين مثل هيرودوت و هوميروس و التى يروى أن أحداثها دارت فى العصر البرونزي بصراع بين مملكتي طروادة و اليونان الميسينية لفترة أمتدت الى عقد من الزمن بعد أن استولي الأمير باريس إبن حاكم طروادة على الملكة هيلين زوجة مينيلوس ملك اسبرطة و لكن مؤخرا بعد اكتشاف موقع مدينة طروادة في القرن التاسع عشر في منطقة غرب تركيا عثر علماء الآثار تباعا على أدلة متزايدة على مملكة عظيمة كانت تتواجد فى ذلك المكان و من الواضح أنها دمرت عام 1180 قبل الميلاد و عليه فبدء البعض يشير الى أنه ربما كانت الأحداث حقيقية بالفعل و قام هوميروس بأقتباسها و أضاف عليها بعض من القصص و الحكايات فى ملحمتيه الشهيرتين الإلياذة و الأوديسا .
تفاصيل حرب طروادة
بدأت حرب طروادة وفقًا للتقاليد اليونانية كطريقة للاله “زيوس” لتقليل التزايد المستمر في عدد سكان كوكب الأرض و التى تجسدت فى حملة عسكرية لإستعادة الملكة ” هيلين ” زوجة “مينيلوس” ملك ” اسبرطة ” و شقيق “أجاممنون” ملك ” ميسينا ” و التى تم اختطافها من قبل أمير طروادة “باريس” الذى حصل على جائزة من الألهة ” أفروديت ” تجسدت فى حب الملكة له بعد اختياره “أفروديت” كأجمل إلهة في منافسة مع “أثينا و هيرا” و يقال فى بعض الروايات أنها فرت معه و على أى حال اى كانت احدى الروايتين هى الأصح فقد أراد “مينيلوس” و اليونانيين استعادتها و الانتقام من وقاحة طروادة .
و تألف جيش اليونانيين إستعدادا لحرب طروادة بتحالف ضخم تحت قيادة الملك “أجاممنون” مع المدن اليونانية و المناطق المحيطة و كان من غير الواضح معرفة تعداد ذلك الجيش و لكن يزعم “هوميروس” إنه كان مكون بعشرات الألاف من الجنود من بينهم أشهر المقاتلين اليونانيين الذين يظهرون شجاعة كبيرة فى ميادين القتال أبرزهم “أخيل” و “أوديسيوس ” و ” أياكس ” كما حصل الإغريق على المساعدة من قبل العديد من الآلهة اليونانية حيث قدمت لهم كل من “أثينا و بوسيدون و هيرا و هيفايستوس و هيرميس و ثيتيس” مساعدات مباشرة و غير مباشرة من خلال حمايتهم بتشتيت الرماح عنهم و حتى إبعادهم و وضعهم في مكان آمن بعيدًا عن الخطر اما بالنسبة لجيش طروادة و الذى كان مكلف بالدفاع عن المدينة التى يحكمها الملك ” بريام ” فقد حصل هو الأخر على تحالف من المناطق المجاورة و كان لهم هم أيضا أبطالهم مثل الأمير هيكتور (ابن بريام) و أينيس و ساربيدون و غيرهم و كانوا يحصلون هم أيضا على مساعدة من الآلهة حيث تلقوا المساعدة أثناء المعركة من “أبولو و أفروديت و آريس و ليتو ” .
و كانت معظم حرب طروادة في الواقع حصارًا طويل الأمد حيث كانت المدينة قادرة على مقاومة الغزاة لفترة طويلة و يرجع ذلك أساسًا إلى أن تحصيناتها كانت رائعة جدًا حيث قيل أن جدران طروادة قد شيدها “بوسيدون و أبولو” الذين عاقبهم “زيوس ” بعد ارتكابهم معصية على خدمة ملك طروادة فى ذلك الوقت ” لاوميدون ” لمدة عام واحد و رغم ذلك الا انه كانت هناك معارك خارج أسوار المدينة حيث قاتلت الجيوش بعضها بواسطة مقاتلين يستخدمون الرماح و السيوف و تحت حماية الدروع و الخوذات و احيانا كان يتم القتال بإستخدام المركبات و كانت المعارك على مر السنيين ذهابًا و إيابًا عبر سهول طروادة و لكن يبدو أن المعارك المثيرة حقًا قد تم حجزها للسنة الأخيرة من الحصار .
و نتيجة كثرة المعارك الغير حاسمة فى حرب طروادة عرض “مينيلوس” محاربة “باريس” في قتال فردي و بالتالي تسوية مسألة الحرب و بعد الموافقة قام المحاربان بأجراء قرعة لمعرفة من سيرمي أولاً برمحه على الأخر و انتصر “باريس” وألقاه أولاً لكن رمحه سقط في درع “مينيلوس” دون ضرر ثم ألقى الملك اليوناني سلاحه بقوة هائلة و ذهب الرمح عبر درع “باريس” و استمر في اختراق درعه و لكن لحسن حظه تحرك في اللحظة الأخيرة قبل أن يقُتل على الفور و مع ذلك لم ينته “مينيلوس” و بإستخدام سيفه وجه ضربة قوية على خوذة أمير طروادة لكن السيف تحطم و سقط في التراب ثم أمسك “مينيلوس” بباريس من خلال خوذته بيديه العاريتين و شرع في سحبه من الميدان حيث كاد أن يختنق من حزام الخوذة و لم ينقذ “باريس” إلا تدخل “أفروديت” التى كسرت حزام الخوذة و غطت الأمير بضباب كثيف و أعادته إلى الأمان في غرفة نومه المعطرة كما شهدت حرب طروادة صدام قتالى بين الامير “هيكتور” و المقاتل ” أياكس ” حيث رمى كل منهم رمحه نحو الأخر و لكن بلا جدوى ثم ألقى “هيكتور” بصخرة كبيرة على المقاتل اليوناني لكنه صدها بدرعه ثم رد عليه بصخرة أكبر و حطم درع هيكتور و سحبوا سيوفهم و بدأوا فى القتال الا أن رفاقهم أوقفوا كل منهم و طالبوا بإنهاء القتال مع اقتراب الليل و عرضوا رمز الشرف الذي اشتهروا به قديما حتى أن المحاربين قالا وداعًا بشروط ودية من خلال تبادل الهدايا حيث قدم “هيكتور” سيفًا بمقبض فضي بينما أعطاه ” أياكس ” حزامًا أرجوانيًا رائعًا و بعد ذلك و فى أحد الأيام التى دارت فيها معارك ضارية خلال حرب طروادة قاد “هيكتور” الطرواديين في هجوم على جدران معسكر اليونانيين و بعد اختراق البوابات قاموا بدفع الفارين منهم في حالة من الذعر إلى سفنهم الا أن ” بوسيدون ” قد تدخل و قام بتشجيع اليونانيين على القتال و العودة الى المعركة و نجحوا فى اجبار الطرواديين على التراجع ثم تغير الحال بعد أن حصل الطرواديين على دعم من ” أبولو ” ليعودوا مرة أخرى الى سفن اليونانيين لاشعال النار فيها .
أما الفارس “أخيل” الذي لا يقهر و الذى كان أعظم محارب في “اليونان” فقد امتنع عن القتال مما أثار إحباط اليونانيين بعد أن سرق “أجاممنون” غنيمته النسائية “بريسيس” و كان من الواضح فى البداية أن “أجاممنون” لم يكن منزعجًا من ذلك و لكن عندما بدأ الطرواديين في اكتساب اليد العليا في تلك المرحلة من حرب طروادة بدا الأمر و كأن أخيل سيكون مهما فى القتال لذلك أرسل “أجاممنون” اليائس نداءًا إلى “أخيل” مع وعد بكنز هائل إذا كان سينضم مجددًا إلى الصراع و رفض “أخيل” و لكن مع تعرض المعسكر اليوناني للهجوم ناشده صديقه “باتروكلس” الانضمام مجددًا إليهم و عندما استمر في الرفض طلب “باتروكلس” الإذن منه بارتداء درعه و قيادة فريقه المخيف بنفسه و عندما رأى ” أخيل ” إحدى السفن اليونانية مشتعلة أعطاه الإذن على مضض و حذر “باتروكلس” أنه يجب عليه صد الطرواديين فى المعسكر فقط و عدم ملاحقتهم إلى جدران طروادة و تحرك “باتروكلس” و تم اجتياح الطرواديين حتى أنه تمكن من قتل بطل طروادة العظيم “ساربيدون” و بعد نجاحه تجاهل البطل الصغير نصيحة “أخيل” و واصل القتال بتهور نحو طروادة و مع ذلك في هذه المرحلة تدخل “أبولو” لصالح الطرواديين و حطم أسلحة و دروع “باتروكلس” الذى أصبح أعزل و مكشوف ليقتل على يد ” هيكتور ” بعد توجيهه ضربة قاتلة من رمحه .
و عندما اكتشف “أخيل” وفاة صديقه العظيم “باتروكلس” غمره الحزن و الغضب و أقسم على الانتقام الرهيب من الطرواديين و هيكتور على وجه الخصوص و بعد الحداد قرر “أخيل” أخيرًا دخول ساحة حرب طروادة مرة أخرى و قبل أن يتمكن من الدخول في القتال كان بحاجة إلى درع جديد و قد تم توفير هذا من قبل والدته الإلهة “ثيتيس” مع خوذة ذهبية رائعة و عند أول قتال استطاع هزيمة الطرواديين الذين فروا في حالة من الذعر خلف أسوار مدينتهم الآمنة و بقي “هيكتور” بمفرده واقفًا خارج الجدران و على مرأى من “أخيل” الذى كان في حالة هياج ثم ركض ” هيكتور ” من أمامه بحثًا عن الأمان و قام “أخيل” بمطاردة أمير طروادة ثلاث مرات حول أسوار المدينة و أخيرًا أمسك به وقتله بطعنة من رمحه في حلقه ثم جرده من درعه الناعم و ربط “هيكتور” من كاحليه بمركبته و سحب الجسد إلى المعسكر اليوناني على مرأى و مسمع من “بريام” الذى وقف على قمة تحصينات المدينة حيث كان هذا عملاً مشينًا بشكل صادم و ضد كل قواعد الحرب القديمة و بعد أن انتقم لوفاة “باتروكلس” رتب “أخيل” حفل جنائزي تكريما لصديقه الذي سقط و في هذه الأثناء دخل “بريام” المعسكر اليوناني متخفيًا و توسل الى “أخيل” لإعادة جثة ابنه حتى يتم دفنه بشكل لائق حيث كان ” أخيل ” في البداية مترددا و لكن تم أخيرًا الاستجابة للنداءات العاطفية للرجل العجوز حيث وافق على إعادة الجسد و هنا تنتهي ملحمة “الإلياذة” لكن الحرب لا تزال أمامها بعض التقلبات في المصير .
و أستمرت حرب طروادة على ذلك المنوال الى أن قام ” أوديسيوس ” بالتفكير فى حيلة حيث أبحر اليونانيين جميعًا تاركين معسكرهم و أمام بوابات طروادة تركوا حصان خشبي عملاق كان يخفى بداخله مجموعة من المحاربين ثم قام الطرواديين بأخذ الحصان الى داخل المدينة و قالوا أن الإغريق قد استسلموا و تركوا ورائهم هدية لطيفة و بينما كانوا يستمتعون باحتفال مخمور بانتصارهم قفز اليونانيين من الحصان و فتحوا أسوار المدينة للجيش اليوناني العائد و تم تدمير المدينة عن بكرة أبيها و ذبح السكان أو أخذهم كعبيد و أعيدت الملكة “هيلين” الى “اسبرطة” لتحكم مع “مينيلوس” حتى وفاته و تقول بعض المصادر إنها نُفيت إلى جزيرة “رودس” حيث قامت أرملة أحد قتلى تلك الحرب بشنقها كما هرب “أينيس” الذى كان أحد أبطال طروادة ليؤسس في النهاية منزلًا جديدًا في “إيطاليا” أما بالنسبة الى ” أخيل ” فقد قتل على يد ” باريس ” بعد أن أطلق عليه بسهم فى كعبه و رغم ذلك النصر و انتهاء حرب طروادة الا أنه كان له كان ثمن كبير فبسبب تدمير اليونانيين للمدينة و سكانها و نتيجة أعمال التدنيس الشنيعة مثل اغتصاب الاميرة “كاساندرا” ابنة الملك ” بريام ” و التى حذرته سابقا من دخول ذلك الحصان الى المدينة فقد عاقبتهم الآلهة بإرسال العواصف لتدمير سفنهم خلال رحلة العودة و وأولئك الذين عادوا في النهاية أجبروا على تحمل فترة طويلة من الزمن فى رحلة صعبة إلى المنزل من بينهم البطل ” أوديسيوس ” الذى قضى 10 سنوات كاملة للقيام برحلة شاقة و متقطعة للعودة الى منزله فى ” إيثيكا ” و هى القصة التي تم سردها بالتفصيل في ملحمة ” الأوديسا ” .
هل كانت حرب أسطورية أم حقيقية ؟
تعتبر حرب طروادة من الحروب الجدلية التى يقول البعض أنها حدثت بينما يرفض الفريق الأخر تلك الفكرة حيث لا يُعرف سوى القليل عن تاريخ “هوميروس” لكن المؤرخين يرجحون أنه أنتهى من ملحمة ” الإلياذة ” عام 750 قبل الميلاد بينما “الأوديسا” عام 725 قبل الميلاد و كلاهما بدأوا شفاهية منه ثم تم نسخهما لأول مرة بعد عقود أو قرون من تأليفه لهما و في القرن الأول قبل الميلاد قام الشاعر الروماني “فيرجيل” بتأليف “العنيد” و هي ثالث ملحمة كلاسيكية مستوحاة من حرب طروادة و التى يروى فيها قصة مجموعة من الطرواديين بقيادة البطل “إينيس” الذين غادروا مدينتهم المدمرة للسفر إلى “قرطاج” ثم مدينة “روما” و لكن كل ذلك ليس كافيا بالطبع لإثبات انها وقعت بالفعل .
و يضيف الفريق المعارض لفكرة حدوث حرب طروادة أن العديد من الشخصيات الرئيسية فى تلك الملحمة هم من نسل مباشر للآلهة اليونانية فالملكة “هيلين” ولدت من قبل “زيوس” الذي تنكر في زي بجعة و اغتصب والدتها “ليدا” كما أن الكثير من الأحداث قد تم توجيهها بمعرفة الألهة اليونانية المتنافسة فعلى سبيل المثال من المفترض أن “باريس” فاز بحب “هيلين” بعد أن منح الإلهة “أفروديت” التفاحة الذهبية لجمالها حيث تروي قصته كيف طُلب منه اختيار أجمل آلهة بين “هيرا و أثينا و أفروديت ” من خلال منح الفائزة منهم تفاحة ذهبية و بكل تأكيد هى أمور من الصعب أن تكون أمرا واقعا اضافة الى انه تم تسجيل حصار مطول على مدينة طروادة في تلك الحقبة و هو أمر منافى للعقل لأن أقوى المدن كان بإمكانها الصمود لبضعة أشهر فقط و ليس 10 سنوات كاملة .
أقرأ أيضا : تعرف على انفجار وانج جونج تشانج الأعنف فى تاريخ البشريه و الذى أطاح بمدينة بيكين الصينيه
و لكن مع مرور الوقت بدأت بعض من الحقائق فى الظهور حيث كشفت الحفريات الرئيسية في موقع طروادة عام 1870 و تحت إشراف عالم الآثار الألماني “هاينريش شليمان” عن تل مكون من قلعة صغيرة و طبقات من الحطام بعمق 25 مترًا ثم وثقت الدراسات اللاحقة أكثر من 46 مرحلة بناء مجمعة في تسعة نطاقات تمثل موقع كان موجودا فى ذلك المكان منذ عام 3000 قبل الميلاد ثم تم التخلي عنه نهائيًا عام 1350 بعد الميلاد و أظهرت الحفريات الحديثة أن هناك مساحة مأهولة تبلغ عشرة أضعاف حجم القلعة مما يشير الى ان مدينة طروادة كانت مهمة فى العصر البرونزي و تشير الطبقة السابعة من الحفريات التي يعود تاريخها إلى حوالي 1180 قبل الميلاد عن حطام متفحم و هياكل عظمية متناثرة و هذا دليل على تدمير المدينة في زمن الحرب و هو الأمر الذي ربما يكون قد ألهم أجزاء من قصة حرب طروادة في أيام هوميروس بعد 400 عام من وقوعها بينما كانت تلك الأثار لا تزال مرئية .