حرب المحيط الهادئ هي سلسلة معارك إندلعت بين دولة تشيلي من طرف و دولتي بوليفيا و بيرو من طرف أخر خلال الفترة ما بين عامي 1879 و 1883 و أنتهت بإنتصار ضخم لصالح التشيلين الذين أكتسبوا بموجب ذلك مزيد من الأراضي التي تم إستقطاعها من بيرو و أيضا بوليفيا و قد أدي إلي تحويل تلك البلد لدولة غير ساحلية جغرافيا بالإضافة إلي حصول تشيلي علي عدة مصادر جديدة للدخل القومي من خلال إستخراج النترات و الملح الصخري و النحاس من تلك الأراضي الجديدة و حدوث إنتعاش في خزانتها الوطنية بنسبة 900 في المائة خلال العشرين عاما التالية نتيجة الضرائب القادمة من الأراضي البوليفية و البيروفية و حتي اللحظة لا تزال توابع حرب المحيط الهادئ تلقي بظلالها علي المشهد الداخلي البوليفي حيث تعد مسألة جغرافية الدولة الحبيسة حساسة لدي المواطنين الذين يعتقدون أن ذلك الأمر تسبب في كثير من مشاكل البلاد و يؤمنون أن إستعادة ساحل البحر هو أمر ضروري لحل معظمها .
و ترجع أصول حرب المحيط الهادئ إلي خلفية تاريخية و جغرافية لذلك المكان فبسبب تميز تلك المنطقة بمناخ جاف فقد سمح ذلك بتراكم كميات هائلة من رواسب النترات عالية الجودة و ذرق الطائر و الملح الصخري مع الحفاظ عليهم لآلاف السنين حيث تستخدم تلك العناصر فى عدد من الصناعات أبرزها الأسمدة و المتفجرات خلال أربعينيات القرن التاسع عشر و هو الأمر الذي جعل المنطقة ذات قيمة إستراتيجية هائلة و عليه أصبحت “بوليفيا” و “تشيلي” و “بيرو” يملكون أكبر إحتياطيات لتلك الموارد التي يحتاجها العالم للتوسع الإقتصادي و العسكري و هو ما جعل العديد من القوى العالمية تتنافس بشكل مباشر أو غير مباشر للسيطرة على موارد تلك المنطقة حيث أصدرت “الولايات المتحدة” تشريعًا عام 1856 يمكّن مواطنيها من الإستيلاء علي أي جزر غير مأهولة في تلك الأماكن و تحتوي على ذرق الطائر كما حاولت “إسبانيا” الإستيلاء على أراضي “بيرو” لكن البيروفيين و بمعاونة التشيليين تمكنوا من صدها خلال حرب جزر تشينشا كما قامت “بريطانيا” بضخ إستثمارات ضخمة في تلك المنطقة .
و خلال تلك الفترة كان هناك نزاع بين ” بوليفيا ” و “تشيلي” حول ملكية أراضي تشاركاس الساحلية حيث يدعم البوليفيين موقفهم بعدد من الوثائق التي تثبت ذلك مقابل مزاعم من قبل ” تشيلي ” أن الإستغلال الإقتصادي للمنطقة كان يجري علي قدم و ساق من قبل الشركات التشيلية و شبكة المصالح البريطانية و أستمر ذلك الجدال لعقود حتى عام 1866 حيث تفاوضت البلدين على معاهدة أصبح بموجبها خط العرض 24 هو الحد الفاصل بين الدولتين كما أعطت “بوليفيا” لدولة ” تشيلي ” الحق في مشاركة عائدات الضرائب على الصادرات المعدنية من ذلك الإقليم في الجزء الواقع بين خطي عرض 23 و 25 ثم تم توقيع معاهدة ثانية عام 1874 لتحل مكان الأولي و أعطت لـ ” بوليفيا ” الحق في تحصيل إيرادات ضريبية كاملة بين خطوط العرض 23 و 24 مقابل معدلات ضريبية ثابتة على الشركات التشيلية لمدة 25 عامًا إلا أن “بوليفيا” أصبحت بعد ذلك غير راضية عن هذا الترتيب بعد أن توسعت المصالح التشيلية المدعومة من رأس المال البريطاني بسرعة و سيطرت على صناعة التعدين و هو ما جعلها قلقة من أن تتعدي ” تشيلي ” على منطقتها الساحلية .
و مع حلول عام 1878 أصدرت الحكومة البوليفية برئاسة “هيلاريون دازا” مرسومًا بزيادة ضريبية لعام 1874 بأثر رجعي على الشركات التشيلية و عندما رفضت إحدي تلك الشركات الإمتثال لذلك المرسوم قامت ” بوليفيا ” بمصادرتها و طرحها في المزاد عام 1879 و أعتبرت الحكومة التشيلية أن مثل ذلك الإجراء من شأنه أن يجعل معاهدة الحدود باطلة و في يوم المزاد وصل 2000 جندي تشيلي و قاموا بالإستيلاء على مدينة “أنتوفاجاستا” الساحلية دون قتال و هو ما تسبب في حدوث أزمة ديبلوماسية دفعت ” بوليفيا ” إلي إعلان الحرب بعد أسبوع و و كانت معتمدة في قرارها علي تحالف مع ” بيرو ” حيث كان قد وقع كلا الجانبين علي معاهدة دفاعية عام 1873 و كانت الحكومة البيروفية مصممة على إحترام تحالفها مع “بوليفيا” لاحتواء ما أعتبروه طموحات “تشيلي” التوسعية في المنطقة إلا أنها فى نفس الوقت كانت قلقة من أن قواتهم لم تكن في وضع يمكنهم من مواجهة الجيش التشيلي لذلك كانوا يفضلون أن يكون الحل سلميا و حاولت التوسط من خلال إرسال دبلوماسي كبير للتفاوض مع الحكومة التشيلية التي طلبت منها الحياد إلا أن ” بيرو ” رفضت و عليه ردت “تشيلي” بقطع الاتصال الدبلوماسي معها و إعلان الحرب رسميًا علي كلا البلدين في 5 أبريل عام 1879 و هكذا وجدت “بيرو” نفسها منغمسة في حرب المحيط الهادئ على الرغم من أنها ليست طرفًا في النزاع الأصلي كما أنه خلال تلك الأزمة أيضا تمت دعوة “الأرجنتين” للإنضمام إلى التحالف البيروفي-البوليفي نظرا لأنه كان لديها نزاع إقليمي هي الأخري مع “تشيلي” بشأن منطقة “باتاجونيا” إلا أن الأرجنتينيين فضلوا أن يتم حل الأزمة بينهم و بين “تشيلي” بشكل سلمي .
و خلال حرب المحيط الهادئ كان من الواضح أن ” بوليفيا ” غير مستعدة لمواجهة الجيش التشيلي بمفردها و أن حرب الصحراء كانت صعبة لذلك كان كلا الجانبين موقنين أن السيطرة على البحر سيكون هو العامل الحاسم في إنهائها و نظرا لأن البوليفيين لم يكن لديهم قوة بحرية إضافة إلي مرورهم بإنهيار إقتصادي فقد أثر ذلك بالتبعية علي قدرات الجيش الذي كان بلا تدريب أو ميزانية مناسبة حيث كانت معظم سفنهم الحربية قديمة و غير قادرة على المواجهة و في المقابل كانت “تشيلي” أفضل إستعدادًا رغم أنها كانت في منتصف أزمتها الاقتصادية هي الأخري حيث أعتمدت على أسطولها البحري الحديث المدعوم بجيش جيد التدريب و التجهيز و كانت “معركة توباتر” التي وقعت في 23 مارس عام 1879 هي أول معركة في حرب المحيط الهادئ و أنتهت بإنسحاب معظم القوات البوليفية بإستثناء مجموعة صغيرة من المدنيين الذين قاتلوا حتى النهاية و بعد ذلك لم تحدث المزيد من المعارك البرية بعد أن أتجه كلا الفريقين إلي البحر .
و خلال معارك حرب المحيط الهادئ بدأت البحرية التشيلية و بوارجها القوية بالعمل على الساحل البوليفي و البيروفي و تم حصار ميناء إكيكي مع قصف موانئ أخري حيث كان يأمل الأدميرال ” خوان ويليامز” في تعطيل تجارتهم و خاصة صادرات الملح الصخري أو واردات الأسلحة القادمة إليهم مما سيضطر البحرية البيروفية و التى كانت تحت قيادة الأدميرال ” ميجيل جراو ” إلى الدخول في مواجهة حاسمة معهم و الذي قام هو الأخر بشن سلسلة من عمليات الحصار و الغارات في عمق المياه التشيلية بغرض تعطيلهم مع تجنب بأي ثمن القتال ضد القوات المتفوقة و هو أمر سينتج عنه حدوث تأخر في الغزو التشيلي بشكل يسمح لهم بإعطاء بعض من الحرية في إمداد و تعزيز قواتهم على طول الساحل و وقعت معركة “شيبانا” التي كانت أول معركة بحرية في 12 أبريل عام 1879 ثم تلتها معركة إكيكي البحرية في 21 مايو و تمكنت من خلالها السفن البيروفية من فك الحصار المفروض على مدينة إيكيكي و نجحت ” بيرو ” علي مدار ستة أشهر من قطع خطوط الإمداد التشيلية و تمكن “جراو” من صد بحريتها و في المقابل رد التشيلين بشراسة في معركة أنجاموس البحرية في 8 أكتوبر عام 1879 و التي كان من بين قتلاها الأدميرال “جراو” نفسه و أنتهت تلك الحملة البحرية بإستثناء بعض من المناوشات الصغيرة بسيطرة “تشيلي” على البحر طوال مدة الحرب .
و بعد أن سيطر التشيليين علي البحر بدأ جيشهم في غزو “بيرو” و رغم محاولات “بوليفيا” الغير قادرة على إستعادة مقاطعة “ليتورال” الدفاع عن ” بيرو ” إلا أنهم تخلوا عنهم في خضم المعركة بشكل أدى إلى إضعاف الروح المعنوية لكلا الجيشين و في 24 فبراير 1880 نزل ما يقرب من 12000 جندي في خليج باكوشا و قاموا بعزل مقاطعات أريكا و تاكنا و التي علي مشارفها حدثت معركة ” إل ألتو دي لا إليانزا ” حيث أثبتت المدفعية التشيلية أنها متفوقة جدا و ذلك بعد أن قضت على معظم جيش “بيرو” المحترف .
و مع حلول أكتوبر 1880 حاولت “الولايات المتحدة” التوسط دون جدوى و في محاولة لإنهاء الحرب بالدبلوماسية أجتمع ممثلين من الدول الثلاث لمناقشة النزاعات الإقليمية و رفضت كل من “بيرو” و “بوليفيا” خسارة أراضيها لصالح “تشيلي” وتخلوا عن المؤتمر و بحلول يناير عام 1881 سار الجيش التشيلي نحو العاصمة البيروفية “ليما” و رغم محاولات ما تبقي من الجيش البيروفي النظامي و المواطنين المسلحين بشكل سيئ الدفاع عن العاصمة إلا أنها سقطت في النهاية بعد هزيمتهم في معارك سان خوان و ميرافلوريس حيث تم نهب المدينة و أُجبر كل مدني على تسليم ممتلكاته الثمينة كما صادرت “تشيلي” محتويات المكتبة الوطنية البيروفية و نقلت آلاف الكتب بما في ذلك العديد من المجلدات الأصلية التي تعود إلى قرون مضت إلى عاصمتهم ” سانتياجو ” إلى جانب الكثير من رأس المال ثم قادت حملة طموحة في جميع أنحاء “بيرو” خاصة على الساحل و وسط سييرا و مع ذلك لم تكن قادرة على إخضاع البلاد بالكامل حيث أستمرت المقاومة البيروفية لمدة ثلاث سنوات بتشجيع واضح من “الولايات المتحدة” و ألحقوا هزائم مؤلمة بالجيش التشيلي و أخيرًا في 20 أكتوبر عام 1883 وقعت “بيرو” و “تشيلي” علي معاهدة معاهدة أنكون التي بموجبها تم التنازل عن مقاطعة “تاراباكا” إلى المنتصر كما أضطرت “بوليفيا” للتنازل عن “أنتوفاجاستا” .
و بموجب شروط معاهدة أنكون كان على “تشيلي” أن تحتل مقاطعتي تاكنا و أريكا لمدة 10 سنوات و بعد ذلك يتم إجراء إستفتاء لتحديد تبعيتها و لكن فشلت الأطراف المعنية لعقود في الإتفاق على شروط ذلك الإستفتاء و أخيرًا في عام 1929 و من خلال وساطة “الولايات المتحدة” تم التوصل إلى إتفاق احتفظت “تشيلي” بموجبه بأريكا و أستعادت بيرو منطقة ” تكانا ” و حصلت على 6 ملايين دولار كتعويض و إمتيازات أخرى و في عام 1884 وقعت “بوليفيا” هدنة منحت السيطرة لتشيلي على الساحل البوليفي بأكمله الغني بالنترات و النحاس و غيرها من الرواسب المعدنية و جعلت معاهدة عام 1904 هذا الترتيب دائمًا و في المقابل وافقت “تشيلي” على بناء خط سكة حديد يربط العاصمة البوليفية “لاباز” بميناء أريكا و ضمان حرية المرور العابر للتجارة البوليفية عبر الموانئ و الأراضي التشيلية .