حرب الفوكلاند كانت حربًا قصيرة و غير معلنة استمرت لمدة عشرة أسابيع بين الأرجنتين و المملكة المتحدة عام 1982 بسبب نزاع على إقليمين تابعين لبريطانيا يقعان في جنوب المحيط الأطلسي و هم جزر فوكلاند و تبعيتها الإقليمية جورجيا الجنوبية و جزر ساندويتش الجنوبية حيث بدأ الصراع عندما غزت الأرجنتين جزر فوكلاند فى يوم 2 أبريل تلاها فى اليوم التالي غزو جورجيا الجنوبية و بعد ثلاثة أيام أرسلت الحكومة البريطانية فرقة عمل بحرية للاشتباك مع البحرية الأرجنتينية و القوات الجوية قبل شن هجوم برمائي على الجزر و استمر الصراع 74 يومًا و انتهى باستسلام الأرجنتين و إعادة الجزر إلى السيطرة البريطانية و قتل فى ذلك الصراع 649 عسكريًا أرجنتينيًا و 255 عسكريًا بريطانيًا و ثلاثة من سكان جزر فوكلاند خلال الأعمال القتالية ثم أعيدت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين بعد اجتماع مدريد فى إسبانيا عام 1989 .
اندلاع حرب الفوكلاند
بدأت ” حرب الفوكلاند ” حين كانت “الأرجنتين” تدعي السيادة على جزر فوكلاند التي تقع على بعد 480 كم شرق ساحلها منذ أوائل القرن التاسع عشر لكن “بريطانيا” كانت قد استولت على الجزر منذ عام 1833 و قامت بطرد عدد قليل من الأرجنتينيين المتبقين فيها و منذ ذلك الحين رفضت بإصرار مزاعم “الأرجنتين” حول ملكيتها و في أوائل عام 1982 و بعد أن حكم البلاد المجلس العسكري الأرجنتيني بقيادة الجنرال “ليوبولدو جاليتيري” تم التخلي عن المفاوضات الطويلة مع “بريطانيا” و بدلاً من ذلك شنت وحدات من الجيش الأرجنتيني غزوًا للجزر حيث كان قرار الغزو سياسيًا بشكل أساسي نتيجة الانتقادات التى وجهت الى المجلس العسكري بسبب سوء إدارته الإقتصادية و انتهاكات حقوق الإنسان و رأى أن استعادة الجزر من شأنه أن يوحد الأرجنتينيين وراء الحكومة و الهاب حماسهم و وطنيتهم لذلك تدربت قوات النخبة التى خصصت لغزو الجزر في سرية تامة و تم ضغط تدريبهم فى وقت زمنى قصير بسبب نشوب نزاع في جزيرة “جورجيا الجنوبية” الخاضعة للسيطرة البريطانية حيث رفع عمال أرجنتينيين العلم الأرجنتيني على الجزيرة التى تقع على بعد 1300 كيلومتر شرق “جزر فوكلاند” لذلك تم حشد القوات البحرية بسرعة .
و بدأت ” حرب الفوكلاند ” رسميا عندما غزت القوات الأرجنتينية “جزر فوكلاند” في 2 أبريل و تغلبت بسرعة على الحامية الصغيرة لمشاة البحرية البريطانية المتمركزة في العاصمة “ستانلي” و صدرت أوامر صارمة من القيادة الأرجنتينية بعدم إلحاق أي خسائر بريطانية على الرغم من الخسائر التي لحقت بوحداتهم و في اليوم التالي استولى مشاة البحرية الأرجنتينيين على جزيرة “جورجيا الجنوبية” و بحلول أواخر أبريل كانت “الأرجنتين” قد نشرت أكثر من 10000 جندي في “جزر فوكلاند” على الرغم من أن الغالبية العظمى منهم كانوا مجندين غير مدربين تدريباً جيداً و لم يتم تزويدهم بالطعام المناسب و لا الملابس و لا مأوى مع اقتراب فصل الشتاء .
و مثل ما توقعت السلطة كان رد فعل الشعب الأرجنتيني إيجابيًا حيث تجمعت حشود كبيرة في “بلازا دي مايو” (أمام القصر الرئاسي) لإظهار الدعم للمبادرة العسكرية و رداً على الغزو أعلنت الحكومة البريطانية بقيادة رئيسة الوزراء “مارجريت تاتشر” محيط ” جزر فوكلاند ” على نطاق 320 كم منطقة حرب و قامت بتجميع فرقة عمل بحرية للتوجه الى تلك المنطقة و أعربت معظم القوى الأوروبية عن دعمها لبريطانيا العظمى و تم سحب المستشارين العسكريين الأوروبيين من القواعد الأرجنتينية و تعاطفت معظم حكومات أمريكا اللاتينية مع “الأرجنتين” و كان الاستثناء الملحوظ هو لدولة “شيلي” التي حافظت على حالة تأهب ضد جارتها بسبب نزاع على جزر في قناة بيجل حيث دفع التهديد المتصور من “شيلي” الدولة الأرجنتينية إلى إبقاء معظم قوات النخبة في البر الرئيسي بعيدًا عن مسرح “حرب الفوكلاند” كما كان المخططين العسكريين الأرجنتينيين واثقين من أن “الولايات المتحدة” ستظل محايدة في النزاع و لكن تلك الثقة قد تبددت حين حاولت التقدم بوساطات و فشلت مما جعلها تقدم دعمها الكامل لبريطانيا العظمى بشكل سمح لحليفها في حلف الناتو باستخدام صواريخها جو – جو و معدات الاتصالات و وقود الطائرات و المخزونات العسكرية الأخرى في جزيرة أسنسيون التي تسيطر عليها “بريطانيا” بالإضافة إلى التعاون مع المخابرات العسكرية .
مسار الصراع
في 25 أبريل و بينما كانت مجموعة العمل البريطانية تبحر مسافة 13000 كم إلى منطقة الحرب عبر جزيرة “أسنسيون” قامت قوة بريطانية صغيرة من إستعادة جزيرة “جورجيا الجنوبية” و تم الاستيلاء على إحدى الغواصات الأرجنتينية القديمة التي تعمل بالديزل و الكهرباء و في 2 مايو أغرقت غواصة بريطانية تعمل بالطاقة النووية الطراد الأرجنتيني القديم الجنرال بيلجرانو (الذي تم شراؤه من الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية) خارج منطقة الحرب و بعد هذا الحدث المثير للجدل تم الاحتفاظ بمعظم السفن الأرجنتينية الأخرى في موانئها للحفاظ عليها و اقتصرت مساهمة البحرية الأرجنتينية على سلاحها الجوي البحري و واحدة من أحدث غواصاتها الألمانية الصنع التي تعمل بالديزل و الكهرباء و التى شكلت تهديدًا على الأسطول البريطاني أكثر مما كان متوقعًا حيث شنت هجمات بالطوربيدات و فشلت بصعوبة اما بالنسبة للبريطانيين خلال ” حرب الفوكلاند ” فقد كانت المشكلة تكمن في اعتمادهم على حاملتي طائرات فقط لأن فقدان واحدة منهم كان من شبه المؤكد أن يجبرهم على الانسحاب كما اقتصر الغطاء الجوي على ما يقارب 20 طائرة بحرية قصيرة المدى من طراز سي هارير المسلحة بصواريخ جو – جو للتعويض عن عدم وجود غطاء جوي بعيد المدى و تمركزت المدمرات و الفرقاطات أمام الأسطول لتكون بمثابة رادارات لرصد أى طيران معادي و مع ذلك لم يكن جميعهم مسلحين بأنظمة كاملة مضادة للطائرات أو أسلحة قريبة لإسقاط الصواريخ القادمة مما ترك هذا السفن البريطانية عرضة للهجوم و في 4 مايو أغرق الأرجنتينيين المدمرة ” شيفلد ” بصاروخ ” اكسوسيت ” و فى المقابل كانت الأرجنتين قد خسرت حوالي 20-30٪ من طائراتهم .
و نتيجة الخسائر التى لحقت بالأرجنتينيين فلم يتمكنوا من منع البريطانيين من الهبوط البرمائي على الجزر و كان من الواضح أن قائد القوات البرية الأرجنتينية الموجودة عليها و التى كانت تحت قيادة الجنرال “ماريو مينينديز” يتوقع هجومًا بريطانيًا مباشرًا لذلك جعل قواته المركزية حول العاصمة “ستانلي” لحماية مهبطها الحيوي و بدلاً من ذلك قرر قائد فرقة البحرية البريطانية الأدميرال “جون وودوارد” و قائد القوة البرية الميجور جنرال “جيريمي مور” القيام بهبوطهم الأولي بالقرب من ميناء “سان كارلوس” على الساحل الشمالي لشرق فوكلاند و من ثم شن هجوم بري على “ستانلي” حيث كانت حساباتهم أن هذا من شأنه تجنب وقوع خسائر في صفوف المدنيين البريطانيين و القوات البريطانية و بالفعل هبط البريطانيين دون مقاومة في 21 مايو لكن المدافعين الأرجنتينيين البالغ عددهم حوالي 5000 جندي نظموا بسرعة مقاومة فعالة لتندلع اشتباكات عنيفة بين الطرفين و في غضون ذلك واصلت القوات الجوية الأرجنتينية هجماتها على الأسطول البريطاني حيث أغرقت فرقاطتين و مدمرة و سفينة حاويات تحمل مروحيات نقل و سفينة إنزال للقوات بالإضافة إلى إتلاف العديد من الفرقاطات و المدمرات الأخرى و فشلوا فى تدمير حاملة الطائرات أو إغراق ما يكفي من السفن لتعريض العمليات البرية البريطانية للخطر و فى المقابل خسروا جزءًا كبيرًا من طائراتهم النفاثة المتبقية بالإضافة إلى طائرات الهليكوبتر الموجودة في جزر فوكلاند و طائرات الهجوم الأرضي الخفيفة .
و من رأس الجسر في ميناء “سان كارلوس” تقدم المشاة البريطانيين بسرعة باتجاه الجنوب من خلال المسيرات الإجبارية في ظل ظروف مناخية قاسية للغاية للاستيلاء على مستوطنات “داروين” و “جوس جرين” و بعد عدة أيام من القتال العنيف ضد القوات الأرجنتينية المتمركزة على طول العديد من خطوط التلال نجح البريطانيين في الاستيلاء على الأراضي المرتفعة الواقعة غرب “ستانلي” و احتلالها و مع قيام القوات البريطانية بمحاصرة العاصمة و الميناء الرئيسي كان من الواضح أن الحامية الأرجنتينية الكبيرة أصبحت معزولة و يمكن تجويعها لذلك استسلم “مينينديز” في 14 يونيو مما أنهى الصراع فعليًا كما أزالت القوات البريطانية حامية أرجنتينية صغيرة من إحدى جزر ساندويتش الجنوبية على بعد حوالي 800 كم جنوب شرق جورجيا الجنوبية في 20 يونيو .
تكاليف و عواقب حرب الفوكلاند
أسر البريطانيين حوالي 11400 سجين أرجنتيني خلال “حرب الفوكلاند” و تم إطلاق سراحهم جميعًا بعد ذلك و أعلنت “الأرجنتين” أن حوالي 649 شخصًا قد فقدوا نصفهم كان في غرق الطراد “بلجرانو” بينما خسرت بريطانيا 255 شخص و ناقش الاستراتيجيين العسكريين الجوانب الرئيسية للصراع و أكدوا عمومًا على دور الغواصات ( التي تعمل بالطاقة النووية البريطانية و الأرجنتينية القديمة التي تعمل بالديزل والكهرباء) و الصواريخ المضادة للسفن (من نوع جو – بحر و أرض – بحر) كما أوضحت ” حرب الفوكلاند ” أهمية التفوق الجوي الذي لم يتمكن البريطانيين من ترسيخه و أهمية المراقبة المتقدمة كما كان الدعم اللوجستي حيويًا أيضًا لأن القوات المسلحة لكلا البلدين عملت بأقصى نطاقاتها.
و نتيجة خسارة ” حرب الفوكلاند ” فقدت الحكومة العسكرية الأرجنتينية مصداقيتها بشدة بسبب فشلها في إعداد و دعم قواتها العسكرية في الغزو الذي أمرت به و أعيد الحكم المدني إلى “الأرجنتين” في عام 1983 و في الوقت نفسه حولت رئيسة الوزراء البريطانية “مارجريت تاتشر” الدعم الوطني الواسع إلى نصر ساحق لحزبها المحافظ في الانتخابات البرلمانية التى أجريت عام عام 1983 و فى عام 1989 تمت استعادة العلاقات الدبلوماسية بين المملكة المتحدة و الأرجنتين بعد اجتماع في “مدريد” حيث أصدرت الحكومتان بيانًا مشتركًا لم يتم توضيح فيه أي تغيير في موقف أي من البلدين فيما يتعلق بسيادة “جزر فوكلاند” و في عام 1994 تبنت “الأرجنتين” دستورًا جديدًا و الذي أعلن بموجب القانون “جزر فوكلاند” كجزء من إحدى مقاطعاتها و مع ذلك و حتى اللحظة تواصل الجزر العمل كإقليم بريطاني لما وراء البحار يتمتع بالحكم الذاتي .