رغم المأسي التي تخلفها الحروب إلا أنها علي مدار التاريخ تندلع لأسباب مختلفة بعضها لتحقيق أهداف سياسية أو من أجل السيطرة علي الثروات أو بغرض التوسعات و تكوين الإمبراطوريات و لكن توجد حروب أخري قد تندلع لأسباب واهية مثل حرب ناورو التي بدأت بسبب خلاف حاد في الرأي علي مائدة الطعام نشب علي إثره معارك دامية بين القبائل التي تسكن تلك الجزيرة و حرب أخري كادت أن تندلع بين قوتين عظمتين بحجم الولايات المتحدة و المملكة المتحدة في القرن التاسع عشر و كان السبب تلك المرة هو خنزير قرر تناول عدد من البطاطس و هو أمر كان له تداعيات دفعت كلا الجيشين للتأهب و حشد قوات كبيرة إستعدادا لمعركة محتملة أطلق عليها إسم حرب الخنزير و التي لحسن الحظ لم تحدث و تم نزع فتيل الأزمة في اللحظات الأخيرة .
بدأت قصة “حرب الخنزير” عام 1846 حين تم توقيع “معاهدة أوريجون” بين “الولايات المتحدة” و “بريطانيا” و هدفت إلى إنهاء نزاع حدودي طويل الأمد بين كلا البلدين في أمريكا الشمالية (أصبحت فيما بعد كندا) خاصة فيما يتعلق بالأرض الواقعة بين جبال روكي و ساحل المحيط الهادئ حيث نصت بنود المعاهدة على أن يتم ترسيم الحدود الأمريكية البريطانية عند خط عرض 49 و هو التقسيم الذي لا يزال قائماً حتى يومنا هذا و على الرغم من أنه يبدو أن الأمور تدار بسلاسة لكن علي أرض الواقع كان معقدا في بعض من النقاط التي تعلقت بمجموعة من الجزر الواقعة جنوب غرب فانكوفر حيث قالت الإتفاقية أن الحدود في تلك المنطقة تكون عبر منتصف القناة التي تفصل القارة عن جزيرة فانكوفر و كما يتضح من الصورة المرفقة في الخريطة فإن رسم خط عبر منتصف القناة سيكون دائمًا صعبًا بسبب الجزر الموجودة فيها .
و كان من بين تلك الجزر الموجودة في القناة جزيرة “سان خوان” التي تعد الأكبر في هذه المنطقة و كانت ذات أهمية ملحوظة نظرًا لموقعها الإستراتيجي عند مصب القناة و هو ما دفع “الولايات المتحدة” و “بريطانيا” علي إدعاء السيادة على الجزيرة و بدأ مواطنوا كلا البلدين بالإستقرار فيها و بحلول عام 1859 كان للبريطانيين وجود كبير عليها مدعومًا بوصول شركة ” خليج هدسون ” الأنجليزية التي أقامت محطة لمعالجة السلمون و مزرعة للأغنام و في تلك الأثناء أيضا وصلت مجموعة مكونة من عشرين إلى ثلاثين مستوطنًا أمريكيًا إلي أراضي تلك الجزيرة و جعلوها موطنًا لهم و إذا حكمنا من خلال تقارير ذلك الوقت فإن كلا المجموعتين كانوا متفقين علي التعايش بشكل جيد إلى حد ما لكن ذلك لم يستمر طويلا ففي الخامس عشر من يونيو عام 1859 تجول خنزير مملوك للبريطانيين عن طريق الخطأ في أرض المزارع الأمريكي “ليمان كاتلار” و عندما شاهده يأكل بعض من محصول البطاطس الخاص به استشاط غضبا و قام بإطلاق النيران عليه و قتله في الحال .
و ترجع ملكية ذلك الخنزير في الواقع لموظف بريطاني بشركة خليج هدسون يُدعى “تشارلز جريفين” و الذي كان يمتلك عددًا لا بأس به من الخنازير و كان معروفًا جيدًا بأنه يسمح لهم بالتجول بحرية عبر أراضي الجزيرة و ربما لم تكن هي المرة الأولى التي يذهب فيها أحدهم إلي أراضي المزارع الأمريكي ” كاتلار ” الذي قام ” جريفين ” بمواجهته عقب سماعه نبأ مقتل خنزيره علي يديه حيث دافع الأمريكي عن نفسه بأن الخنزير كان يأكل من البطاطس الخاصة به لكن البريطاني لم يقتنع و قال له أنه كان من المفترض أن يبعد البطاطس الخاصة به عن الخنزير و مع ذلك و في محاولة لإنهاء الجدل بينهما عرض “كاتلار” دفع مبلغ 10 دولارات كتعويض عن الخنزير الميت و لكن تم رفض العرض و بدلاً من ذلك أبلغ “جريفين” السلطات البريطانية المحلية عن المزارع الأمريكي و التي هددت بإعتقاله مما أثار غضب المواطنين الأمريكيين المحليين الذين ناشدوا هم الأخرين الحماية العسكرية الأمريكية .
و وصلت المناشدات إلي الجنرال الأمريكي “ويليام س. هارني” قائد مقاطعة أوريجون و الذي كان معروفا عنه بأنه يكن العداء لبريطانيا لذلك و بدون أي تردد أرسل سرية مكونة من 66 رجلاً من المشاة التاسع للولايات المتحدة إلى جزيرة “سان خوان” في 27 يوليو عام 1859 و بمجرد سماع خبر تلك التعزيزات الأمريكية قرر “جيمس دوجلاس” حاكم مقاطعة “كولومبيا البريطانية” إرسال ثلاث سفن حربية إنجليزية إلى المنطقة كإستعراض للقوة و خلال الشهر التالي أصبح من الواضح حدوث مواجهة محتملة بين الطرفين بعد أن زادا و إن كان ببطء من وجودهما العسكري في المنطقة مع رفض المشاة التاسع الأمريكي الإنسحاب من مواقعهم حتى لو كان البريطانيين يفوقونهم عدد إلي حد كبير .
و لم تتغير الأمور علي الأرض حتى وصل الأميرال “روبرت ل. باينز” القائد العام للبحرية البريطانية في المحيط الهادئ إلي المنطقة حيث أمره “جيمس دوجلاس” بإنزال قواته في جزيرة “سان خوان” و الإشتباك مع القوات الأمريكية إلا أن ” باينز ” رفض تنفيذ الأمر مشيرًا إلى أنه لن يشرك دولتين عظيمتين في حرب بسبب شجار حول خنزير و بحلول هذا الوقت وصلت أخبار تلك الأزمة أخيرًا إلى العاصمتين “واشنطن” و “لندن” و صُدم المسؤولين على جانبي المحيط الأطلسي من أن نزاع على خنزير قد تحول إلى قرب مواجهة عسكرية تضم ما يصل إلى 3 سفن حربية و 84 مدفع و أكثر من 2600 رجل لذلك و منعا لحدوث أي تصعيدات لا يحمد عقباها بدأ كلا الجانبين مفاوضات سريعة أنتهت إلي أن كل من ” الولايات المتحدة ” و ” بريطانيا ” يجب أن يحافظا على وجود ما لا يزيد عن 100 رجل لكل منهما في الجزيرة حتى يمكن الوفاء بإتفاق رسمي .
أقرأ أيضا : حرب الإيمو .. الحرب التى أنتصرت فيها الطيور على الجيش الأسترالى
و بعد ذلك أقام البريطانيين معسكرًا في شمال الجزيرة بينما تمركز الأمريكيين في جنوبها و ظل الأمر علي ذلك النحو حتى عام 1872 حين قررت لجنة دولية محايدة بقيادة القيصر الألماني “فيلهلم الأول” أن الجزيرة يجب أن تخضع بالكامل للسيطرة الأمريكية و بذلك أنتهى النزاع أخيرًا و اليوم لا يزال من الممكن زيارة المعسكرات البريطانية و الأمريكية في منتزه جزيرة “سان خوان” التاريخي الوطني و من المثير للإهتمام أن هذا هو المكان الوحيد في حديقة وطنية بالولايات المتحدة يتم فيه رفع علم أجنبي بشكل منتظم حيث قدمت الحكومة البريطانية ذلك العلم و ساريته للأمريكيين كدليل على الصداقة .