توجد فى أستراليا العديد من الحيوانات الأصلية و الفريدة أشهرها بكل تأكيد حيوان الكنغر اضافة الى نوع من الطيور النادرة و يدعى الإيمو الذى يعتبر بمثابة ثاني أكبر طائر حي على وجه الأرض و هو يشبه الى حد كبير النعامة الأفريقية و يمتاز بأنه طائر ضخم الحجم لا يستطيع الطيران يصل إرتفاعه المترين تقريبا و يغطى وجوده نطاق يغطي معظم البر الرئيسي لأستراليا و هو طائر ذات هيبة و احترام حيث يعد رمزًا ثقافيًا و وطنيًا و يظهر حتى على شعار سلاح النبالة و رغم أنه مسالم بطبعه و لا يشكل خطورة على الإنسان الا انه فى ثلاثينيات القرن الماضى خاض حربا شرسة أمام الجيش الأسترالى عرفت وقتها بإسم حرب الإيمو و الغريب فى الأمر أنه هو من أنتصر فيها و لمرتين .
تبدء قصة “حرب الإيمو” في الأيام التي أعقبت الحرب العالمية الأولى حين مُنح لعدد كبير من المحاربين القدامى مساحات من الأراضى في المناطق المفتوحة داخل المنطقة المقفرة في غرب “أستراليا” حيث سعى الكثير منهم إلى ترك ذكريات أهوال الحرب وراءهم و العيش في سلام و العمل على الزراعة و انتاج المحاصيل المتنوعه التى يكون ركيزتها الأساسية هو القمح و تم بالفعل تجهيز المنطقة بأكملها و البدء فى زراعتها الا أنها و لسوء الحظ واجهت مشكلة كبيرة حين أصبحت موطنًا اختياريًا لعشرات الآلاف من طيور الإيمو الذين أحبوا البقاء فى ذلك المكان لاحتوائه على وفرة من القمح و المياه فى الوقت الذى كان يكافح فيه المزارعين للاستفادة من تلك المناطق خاصة بعد حرمانهم من الإعانات التي وعدتهم بها الحكومة و انخفاض أسعار المحاصيل اضافة الى مرور العالم بفترة الكساد العظيم بشكل ولد ضغوطا كبيرة عليهم خاصة بعد إثارة تلك الطيور للفوضى فى المكان و تدميرهم للمزارع و أكل المحاصيل بشراهة .
نتيجة لذلك أخذت مجموعة من المزارعين العسكريين السابقين مسئولية حل ذلك الأمر على عاتقهم من أجل التخلص من تلك الطيور باستخدام البنادق لكن هذا لم يكن كافيًا لردعها لذلك اتصلوا بوزير الدفاع الأسترالى فى ذلك الوقت “جورج بيرس” و اعلموه بشأن مشكلتهم و يطلبوا منه المزيد من الدعم و الحصول على قوة أكبر من سلاح و أفراد لمواجهة ذلك التهديد و بالفعل أستجاب الوزير لهم و تم نشر القوات في المناطق المنكوبة بتلك الطيور في أكتوبر عام 1932 بتسليح مكون من شاحنات و مدافع رشاشة و 10000 طلقة من الذخيرة و تحت قيادة الرائد “جي ميريديث ” من سلاح المدفعية الملكية الأسترالية و كانت الثقة تملأ الجميع بأن المهمة ستكون بسيطة و ستنتهى فى أسرع وقت ممكن الا أن ما حدث لم يكن فى الحسبان حيث أثبتت تلك الطيور أنها أعداء أكثر صلابة مما كان يُعتقد في البداية و بالتالي بدأت ما يعرف بإسم ” حرب الإيمو ” .
فمع بدء القتال اتضح على الفور أن الطيور كان من الصعب استهدافها بسبب عادتها في الانقسام إلى مجموعات أصغر و عادة ما ظلوا خارج النطاق الفعال للاصابات ففي اليوم الأول قُتل حوالي اثني عشر طائرًا فقط من بين آلاف آخرون كانوا يتواجدون حول القوات التى وجدت أنه يصعب قتلها لأن لديها القدرة على الجري و المناورة حتى عند إصابتها و في 4 من نوفمبر نصبت القوات كمينًا لتلك لطيور باستخدام مدفعية مخفية حيث كان ما يقدر بنحو 1000 من طيور الإيمو يتجهون نحو موقعهم و لكن مع اقترابهم بما يكفي للاشتباك تم إطلاق النار على حوالي عشرة آخرين فقط قبل أن تتعطل تلك المدافع و تهرب الطيور و تنتشر فى كل الاتجاهات و يفشل الكمين و لا أحد يعرف عما اذا كانت تلك الطيور تسخر من القوات و تتلاعب بها حيث كانوا دائمين التنقل فى جميع الاتجاهات ثم تتحرك القوات فى أعقابهم و عندما يصلون اليهم يجدوهم قد أختفوا حتى أن الجنود بدأوا في الشعور بأنهم كانوا يفكرون و يخططون مثلهم و قد قال أحدهم لاحقًا عن ذلك الأمر أنه فى ” حرب الإيمو ” أثبتت تلك الطيور أنهم ليسوا أغبياء كما يُنظر إليهم عادة فلكل مجموعة منهم كان هناك قائد و هو دائمًا يكون ضخم ذو ريش أسود يقف على ارتفاع متر و نصف تقريبا و يكون دوره هو المراقبة بينما ينشغل زملاؤه بتناول القمح و عند أول علامة مشبوهة يعطي الإشارة لتخرج الطيور من المحاصيل و تبدء فى الركض و يبقى القائد دائمًا مكانه حتى يطمئن من أن أتباعه وصلوا إلى بر الأمان .
و عبثا حاولت القوات خلال ” حرب الإيمو ” مواكبة تحركات تلك الطيور السريعة للغاية من خلال تركيب بنادقهم على شاحنات لكن هذا جعل من الصعب استهدافهم بدقة و بحلول اليوم السادس من الحملة كانت القوات قد أستهلكت حوالي 2500 طلقة من الذخيرة لقتل 200 طائر و نظرًا لأن هذا لم يكن وضعًا ناجحًا أو مجديًا اقتصاديًا فقد تم إلغاء العملية بأكملها في الثامن من نوفمبر و تنتهى المعركة بانتصار الطيور بتلك الجولة على حساب الجيش الأسترالى حيث قال “ميريديث” معقبا على تعليق تلك العمليات أن القوات الأسترالية على الأقل لم تتكبد أي خسائر فيها مضيفا أنه لا يستطيع أن يخفى اعجابة بتلك الطيور و قدرتها على المناورة و الصمود حتى قال فيما بعد انه اذا كان الجيش الأسترالى يمتلك فرقة عسكرية ذات قدرة تحمل مثل تلك الطيور فإنه يستطيع مواجهة أى جيش في العالم لأنها تقوم بمواجهة المدافع الرشاشة بمناعة الدبابات و لا يستطيع أحد مهما كان إيقافهم .
أقرأ أيضا : الصبى جونز .. المراهق الذى أستطاع سرقة الملابس الداخلية للملكة فيكتوريا
و نشرت وسائل الإعلام أخبار و تفاصيل ” حرب الإيمو ” مع أنباء انسحاب القوات الأسترالية من المعركة و هو ما دعى السياسيين الأستراليين يدلون بتصريحات ساخرة حول الكيفية التي ينبغي أن يحصل بها طيور الإيمو على الميداليات لانتصارهم حيث نُظر إلى كل هذا على أنه إهدار للموارد و استخفاف كبير بـ “العدو” و هو أمر دفع القوات الأسترالية الى المحاولة مجددا حيث شن الرائد “ميريديث” حملة جديدة ضد خصومه و هذه المرة كانت أكثر نجاحًا حيث قُتل ما يقرب من 1000 طائر و لكن كان لا يزال بعيدًا عن الرقم المستهدف كما أن تلك الخسائر فى الطيور لم تحدث أي تأثير فعال على السكان و محاصليهم اضافة الى استهلاك كبير فى الزخيرة حيث وجد أن الأمر يتطلب عشرة رصاصات لكل طائر و هو أمر مكلف للغاية لذلك انسحبت القوات مرة أخرى لتنتهى تلك الجولة أيضا بفوز طيور الإيمو بنقطتين للا شئ للقوات الأسترالية .
و نتيجة عدم حل تلك المشكلة حاول المزارعين مجددا طلب الدعم العسكرى من الحكومة الا أنها كانت لديها ما يكفيها من مشاكل و رفضت طلبهم و ظلت طيور الإيمو فى مكانها تفعل ما يحلو لها بعد عجز الجيش عن مواجهتها لذلك كان الحل الوحيد المتاح هو أن تقوم الحكومة بتوفير مكافأت لمن يستطيع اصطيادها و هو أمر كان له بعض من الفعالية عن فكرة استخدام القوة العسكرية و بحلول ديسمبر عام 1932 انتشرت أخبار ” حرب الإيمو ” فى المملكة المتحدة ليحتج بعض من دعاة الحفاظ على البيئة هناك على عمليات الإعدام تلك باعتبارها إبادة لتلك الطيور النادرة ليتحول الامر الى صنع سياج قوى حول المزارع ليكون هو الحل الوحيد لإبعاد تلك الطيور عن المحاصيل .