تعتبر من أبرز الغرائز الموجودة لدي الإنسان هى غريزة البقاء التى من الممكن أن تدفعه للقيام بأفعال من المستحيل القيام بها فى الظروف العادية للنجاة و الحفاظ على حياته و من واقعنا الإنساني توجد العديد من المواقف و القصص التى تم توثيقها و تروي عجائب البشر حول ذلك السياق أبرزها قصة كانت لفتاة مراهقة تدعي جوليان كوبكي التى تعرضت لحادث تحطم طائرة كانت تقلها و سقطت بها من إرتفاع بلغ أكثر من 3 كيلومترات فوق غابات الأمازون و لحسن حظها كانت هى الوحيدة التى كتبت لها النجاة لتنتقل بعدها إلي مرحلة أخرى لا تقل خطورة عن سابقتها و هى كيفية التعايش وسط تلك الظروف الصعبة لفترة أستمرت 11 يوما حتى وصلت إلي الحضارة و بر الأمان .
تبدء القصة بـ ” جوليان كوبكي ” و هى فتاة ولدت فى “بيرو” عام 1954 لأبويين ألمانيين يعملان علماء للأحياء و الذان تركا موطنهما ليستقرا فى أمريكا الجنوبية لدراسة الحياة البرية بها حيث تأثرت بهم الفتاة و قررت هى الأخري أن تكون حياتها المستقبلية على نفس الدرب و فى عشية عيد الميلاد عام 1971 حين كانت تبلغ من العمر 17 عاما أستقلت إحدى الطائرات برفقة والدتها لتتجه من العاصمة “ليما ” إلى مدينة “بوكالبا الشرقية” لزيارة والدها الذي كان متواجدا بعمله فى غابات الأمازون المطيرة و كان مقدرا أن تستغرق الرحلة قرابة الساعة و سارت فى بدايتها بشكل سلس سرعان ما بدء تكاثر الغيوم و تدخل الطائرة فى وسط عاصفة رعدية شديدة أدت إلي تكون صاعقة ضربت محرك الطائرة التى أصيبت بعطل و بدأت مرحلة سقوطها حيث تصف “جوليان كوبكي ” تلك اللحظة بأن كانت محاطة بصرخات الناس حولها ثم سمعت فجأة أصوات الرياح تخترق أذنها أثناء سقوط الطائرة سقوطا حرا من إرتفاع أكثر من 3 كيلومترات و بينما كانت لا تزال مربوطة على مقعدها فقدت وعيها و أظلم كل شئ حولها .
و أستيقظت ” جوليان كوبكي ” فى اليوم التالى لتجد نفسها مصابة بكسر في الترقوة و إرتجاج فى المخ و جروح فى ساقها الا أنها لم تكن خطيرة و نتيجة الصدمة و الإرتجاج كان ذهنها مشوشا و بالكاد كان يفكر فى ذلك الموقف و كيفية النجاة منه ثم فقدت الوعى مجددا و تكمل غيبوبتها لنصف يوم كامل لتستفيق بعدها بذهن صافى و بدأت بالتفكير فى محاولة إنقاذ نفسها و الصمود فى ذلك المكان الموحش و محاولة الخروج منه و بدأت على الفور بالتحرك و محاولة البحث عن والدتها و نتيجة كثرة محاولاتها الفاشلة بدأت تشعر باليأس الى أن عثرت على أحد جداول الأنهار لتتذكر قول والدها بأنه إذا رأيتى الماء فأتبعيه في إتجاه مجرى النهر لأن هذا هو المكان الذي توجد فيه الحضارة حيث سيبدء بمجرى صغير ثم إلى مجرى أكبر ثم مجرى أكبر و في النهاية ستجدين المساعدة و هكذا بدأت رحلتها عبر النهر حيث كانت تمشي تارة و تسبح تارة أخرى و في اليوم الرابع من رحلتها صادفت جثامين ثلاثة ركاب كانوا على متن نفس الطائرة و لا يزالون مربوطين في مقاعدهم كانت إحداهم لإمرأة ظنت ” جوليان كوبكي ” فى البداية أنها قد تكون والدتها لكنها لم تكن كذلك و وجدت معهم كيسا للحلوي الذى أصبح بمثابة مصدر الغذاء الوحيد لها لبقية أيامها في الغابة .
و أثناء تنقل ” جوليان كوبكي ” داخل الغابة رأت طائرات الإنقاذ و المروحيات فوقها إلا أن محاولاتها للفت إنتباههم باءت بالفشل على الرغم من أن تحطم تلك الطائرة أدت الى أكبر عملية بحث في تاريخ “بيرو” و لكن نظرًا لكثافة الغابات لم تتمكن فرق الإنقاذ من إكتشاف حطام الحادث و بالتالى كان من الصعب جدا العثور على أى شخص و تيقنت ” جوليان” من تلك الحقيقة و أتخذت قرارا أن تعتمد على نفسها للحصول على المساعدة إلى أن أتي اليوم التاسع في الغابة حيث صادفت كوخًا خاليا و قررت أن تستريح فيه و فى اليوم التالي سمعت أصوات بشرية تقترب منها حيث تقول “جوليان كوبكي ” أن صوتهم كان بالنسبة إليها فى تلك اللحظة مثل صوت الملائكة عكس الرجال الذين وجدوها حيث كانوا خائفين قليلاً منها و أعتقدوا في البداية أنه يمكن أن تكون روح مائية يؤمنون بها تسمى “يمنجابوت” الا أنها حادثتهم بالإسبانية و شرحت لهم ما حدث ليتخذوا اللازم معها و يبدأوا فى علاجها و قاموا بإطعامها و سمحوا لها بالبقاء فى الكوخ لليلة اخرى و في اليوم التالي أخذوها الى الحضارة ليتم نقلها الى المستشفي .
و بعد أن عولجت ” جوليان كوبكي ” تم لم شملها مع والدها و ساعدت السلطات في تحديد موقع الطائرة و تمكنت معهم على مدار أيام قليلة من العثور على الجثث و التعرف عليها منها كانت واحدة لوالدتها التى نجت من السقوط هى الأخرى الا أنها توفيت متأثرة بجراحها بعد أيام و بذلك أصبحت ” جوليان ” هى الناجية الوحيدة من رحلة كان على متنها 91 شخصا و على الرغم من الشهرة التى نالتها نتيجة بطولتها الا أنها أصبح لديها خوفًا عميقًا من الطيران لسنوات عديدة مع معاناة لكوابيس متكررة.
أقرأ أيضا : الزوجين موريس و مارلين بايلي و رحلتهم المثيرة نحو المجهول فى 117 يوما بقلب المحيط
و مع مرور الوقت بدأت ” جوليان كوبكي ” فى العبور من تلك المحنة و تابعت دراسة علم الأحياء في جامعة “كيل” في “ألمانيا” عام 1980 ثم حصلت على درجة الدكتوراه و عادت إلى “بيرو” مجددا لإجراء أبحاثها في علم الثدييات و تزوجت و أصبح اسمها “جوليان ديلر” و أستلهمت قصتها فى فيلم سينمائى أنتج عام 1974 بعنوان ” المعجزات لا تزال تحدث ” و فى عام 1998 عادت “جوليان كوبكي” إلى موقع تحطم الطائرة من خلال مشاركتها فى فيلم وثائقى يتحدث عن قصتها المذهله و كان بإسم ” أجنجة الامل ” مع المخرج “فيرنر هيرزوج ” و الذى كان سوف يركب تلك الرحلة المشئومة فى ذلك التوقيت هو أيضا و لكن لحسن حظه ان خط سيره قد تغير فى اللحظة الاخيرة حيث تقول ” جوليان ” أن مشاركتها فى ذلك العمل قد يكون تجربة علاجية للخروج من تلك الذكريات الصعبة التى مرت بها و كتبتها فى كتاب حمل عنوان ” عندما سقطت من السماء ” .