جهاز المخابرات السرية البريطاني MI6 هو جهاز الإستخبارات الخارجية في المملكة المتحدة و المكلف بشكل أساسي بجمع و تحليل المعلومات السرية الواردة من الخارج لدعم الأمن القومي لبريطانيا بالإضافة إلي مكافحة الإرهاب و الأنشطة الإجرامية و توفير المعلومات لدعم الأمن السيبراني و يطلق علي رئيسه رمز كودي C و هو مسؤول بشكل مباشر أمام وزير الخارجية و يعتبر جهاز المخابرات السرية البريطاني MI6 أحد الأجهزة التي لها باع طويل و خبرات ضخمة في ذلك المجال حيث أنشأ عام 1909 و نما بشكل كبير خلال الحرب العالمية الأولي و أطلق عليه إسمه الرسمي SIS عام 1920 ثم تطور إلي إسم MI6 كلقب شائع خلال الحرب العالمية الثانية و من ثم أصبح هو إسمه المتعارف عليه و هو على عكس الوكالات الأمنية البريطانية الأخري مثل جهاز الأمن الداخلي MI5 و ومقر الاتصالات الحكومية GCHQ فينحصر نشاطه خارج حدود القطر و التي تتركز في جمع المعلومات الاستخبارية الأجنبية .
تاريخ جهاز المخابرات السرية البريطاني MI6
تأسست المخابرات السرية البريطاني MI6 في 1 أكتوبر عام 1909 بمبادرة مشتركة بين الأميرالية و مكتب الحرب للسيطرة على عمليات الاستخبارات السرية داخل “المملكة المتحدة” و خارجها مع التركيز بشكل خاص على أنشطة الحكومة الإمبراطورية الألمانية و تم تقسيم الجهاز إلى أقسام بحرية و برية تخصصت مع مرور الوقت في أنشطة التجسس الأجنبي خارجيا و مكافحته في الداخل و كانت تلك التخصصات مطلوبة للغاية لأن الأميرالية أرادت معرفة مقدار القوة التي وصلت إليها البحرية الإمبراطورية الألمانية و خلال الحرب العالمية الأولي خضع القسمان لتغييرات إدارية و كان أول مدير لها هو الكابتن السير “مانسفيلد جورج سميث كومينج” الذي عادة ما كان يوقع المراسلات مع حرف C الخاص به بالحبر الأخضر إلي أن أصبح ذلك الحرف يستخدم كرمز رسمي لمدير الجهاز و تم الإلتزام به من قبل جميع مديري MI6 اللاحقين أثناء توقيعهم المستندات و ذلك للإحتفاظ بعدم الكشف عن هويتهم .
و خلال الحرب العالمية الأولي كان أداء جهاز المخابرات السرية البريطاني MI6 مضطربا لأنه لم يكن قادر على إنشاء شبكة في “ألمانيا” نفسها و جاءت معظم معلوماته الإستخبارية من خلال شبكات موجودة في دول محايدة و مناطق محتلة و من داخل “روسيا” و أثناء الحرب كان مكتب MI6 الرئيسي الموجود في أوروبا بمدينة “روتردام” الهولندية حيث نسق عمليات التجسس في “ألمانيا” و “بلجيكا” و بعد الحرب تم تخفيض الموارد بشكل كبير و فى عام 1919 أنشأ “كومينج” قسمًا جديدًا لمراقبة الجوازات يعمل على توفير غطاء دبلوماسيًا للعملاء في الخارج بحيث يكون معهم الحصانة اللازمة لحمايتهم و تمكن من جعله تحت سيطرة وزارة الخارجية و كان يطلق علي الجهاز في ذلك الوقت العديد من الألقاب أبرزها جهاز المخابرات الأجنبية و الخدمة السرية و MI1 (c) و جهاز المخابرات الخاصة و منظمة C لكن بحلول عام 1920 بدأ يشار إليه بإسم جهاز المخابرات السرية (SIS) و الذي أصبح الإسم الرسمي المقترن به حتى يومنا هذا و تم تكريسه في قانون خدمات المخابرات عام 1994 إلا أنه خلال الحرب العالمية الثانية تم استخدام إسم MI6 كإسم شهرة مناسب و الذي تداول بشكل كبير في الثقافة الشعبية بين الناس منذ ذلك الحين .
و كان من الملاحظ أن أعمال الجهاز طوال معظم عشرينيات القرن الماضي تركزت علي مكافحة الأيديولجية الشيوعية النامية في ” روسيا ” من خلال أبرز عملائهم “سيدني رايلي” و السير “روبرت بروس لوكهارت” و خلال تلك الفترة توفي مديرها “سميث كومينج” بشكل مفاجئ عام 1923 قبل فترة وجيزة من تقاعده و يحل محله الأدميرال السير “هيو سنكلير” و الذي أنشأ أقسام جديدة و هم “القسم الخامس” لمكافحة التجسس الأجنبي و المسئول عن التنسيق مع دائرة الأمن لجمع تقارير مكافحة التجسس من المحطات الخارجية و “القسم السابع” المعني بالإستخبارات الاقتصادية للتعامل مع التجارة و الصناعة و “القسم الثامن” و هي منظمة الإتصالات اللاسلكية السرية بغرض التواصل مع النشطاء و الوكلاء في الخارج و “القسم ن” لإستغلال محتويات الحقائب الدبلوماسية الأجنبية و “القسم د” لإجراء العمليات السياسية السرية و العمليات شبه العسكرية في وقت الحرب و تنظيم خطط الدفاع عن الوطن في “المملكة المتحدة” .
و مع ظهور “ألمانيا” كتهديد بعد صعود النازيين إهتم جهاز المخابرات السرية البريطاني MI6 بمتابعتها أوائل الثلاثينيات علي الرغم من حصولهم علي العديد من المساعدات لاإستخبارية من الشرطة السرية النازية ” الجستابو ” حول الشيوعية أواخر أكتوبر عام 1937 و مع إندلاع الحرب العالمية الثانية حدثت هيكلة إدارية جديدة داخل الجهاز حيث تمت إضافة أقسام جديدة أبرزها قسم مسؤول عن إعتراض و فك تشفير الإتصالات الأجنبية و قسم أخر يطلق عليه “التقاطع المزدوج” و يدار من قبل MI5 لتغذية الإستخبارات الألمانية بمعلومات مضللة و قسم أنشطة إستخبارات الصور و التي تجريها وحدة إستطلاع التصوير التابعة لسلاح الجو الملكي و أصبحت MI6 فرعًا مهمًا من الحكومة حيث كانت الإتصالات التى تم إعتراضها من “ألمانيا” قد أعطت البريطانيين معلومات هامة حول إستراتيجية “أدولف هتلر” و سياساته كما وقعت الإستخبارات البريطانية إتفاقية تبادل معلومات مع الإستخبارات البولندية عام 1940 و التى كانت ذات أهمية كبيرة حيث تشير الدراسات إلي أن 48% من جميع التقارير التي تلقتها المخابرات البريطانية من قارة أوروبا خلال فترة الحرب جاءت من مصادر بولندية خاصة و أن ” بولندا ” كانت محتلة من النازيين و كان لدي البولنديين شبكات في مجتمعات المهاجرين منهم الموجودين في “ألمانيا” و “فرنسا” كما أستخدموهم الألمان كعمال قسريين في كل أنحاء أوروبا تقريبا مما جعلهم في وضع فريد للتجسس عليهم و كانت أبرز المعلومات التي أرسلوها إلي “بريطانيا” هي التنبيه علي أن حكومة ” فيشي ” تستعد لقتال الحلفاء و التحذير المسبق للعملية “بربروسا” كما قاموا بنقل صاروخ V-2 كانت المقاومة البولندية قد أستولت عليه إلي “بريطانيا” كما قام العميل السري البولندي “يان كارسكي” بتسليم البريطانيين أول معلومات إستخباراتية للحلفاء بشأن الهولوكوست.
و في مايو عام 1940 أنشأت جهاز المخابرات السرية البريطاني MI6 هيئة التنسيق الأمني بناءً على تفويض من رئيس الوزراء “ونستون تشرشل” و التي كانت منظمة سرية مقرها مدينة “نيويورك” و تهدف إلى منع التخريب ضد المصالح البريطانية في الأمريكتين و تعبئة الرأي المؤيد لبريطانيا كما أسست معسكر X في “كندا” و في أوائل عام 1944 أعيد تأسيس القسم التاسع المختص بمناهضة الشيوعية قبل الحرب و أتخذ الجاسوس السوفيتي ” كيم فيلبي” موقعها فيه و الذي كان أكبر إختراق قام به جهاز المخابرات السوفيتي KGB داخل الإستخبارات البريطانية حيث كان ” كيم فيلبي ” يرسل إشعارات منتظمة إلي الإستخبارات السوفيتية حول أنشطة ذلك المكتب .
و بعد إنتهاء الحرب العالمية الثانية و دخول العالم لمرحلة الحرب الباردة بدأ جهاز المخابرات السرية البريطاني MI6 في مكافحة الشيوعية بالتعاون مع وكالة المخابرات المركزية الأمريكية CIA علي الرغم من إختراق السوفييت لكلا الجهازين من خلال عدد من الجواسيس أبرزهم ” كيم فيلبي ” و ” جورج بليك ” الذان كانا يمدان الإتحاد السوفيتي بكثير من المعلومات التي تفسد الكثير من عمليات البريطانيين و الأمريكيين الا أن المخابرات البريطانية تمكنت من تجاوز تلك الإختراقات و بدأت هي الأخري بفعل المثل و قاموا بتجنيد ثلاثة عملاء داخل الإستخبارات البولندية التابعة للشيوعيين كما قاموا مع الأمريكيين بتجنيد العقيد ” أوليج بينكوفسكي ” و الذي قدم عدة آلاف من الوثائق المصورة بما في ذلك كتيبات الجيش الأحمر حول الصواريخ التي سمحت لمحللي المركز الوطني الأمريكي للترجمة الفوتوغرافية بالتعرف على نمط إنتشار الصواريخ السوفيتية في “كوبا” خلال أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962 و أستمرت عمليات المخابرات البريطانية ضد “الاتحاد السوفيتي” في الإزدياد خلال الفترة المتبقية من الحرب الباردة و التي يمكن القول إنها بلغت ذروتها مع تجنيد “أوليج جورديفسكي” في سبعينيات القرن الماضي و الذي ترأس المخابرات السوفيتية لجزء كبير من الوقت و تم تهريبه بنجاح من “الإتحاد السوفيتي” عبر الحدود الفنلندية عام 1985.
و عقب إنتهاء الحرب الباردة أدي ذلك إلى تغير في أولويات جهاز المخابرات السرية البريطاني MI6 حيث توقفت مكافحة الأنشطة الشيوعية عن إبتلاع نصيب الأسد من الأولويات التشغيلية و بدلاً من ذلك بدء الإهتمام بمكافحة الإرهاب و المخدرات و الجرائم الخطيرة و خلال تلك الفترة الإنتقالية تبني الجهاز سياسة انفتاح جديدة و إن كانت محدودة تجاه الصحافة و الجمهور و تم وضع عمليات الإستخبارات البريطانية على أساس قانوني من خلال قانون خدمات المخابرات عام 1994 و خلال منتصف التسعينيات خضعت أجهزة المخابرات البريطانية لمراجعة شاملة لتقدير التكاليف من قبل الحكومة و كجزء من التخفيضات الدفاعية الواسعة النطاق قام جهاز المخابرات السرية البريطاني MI6 بتخفيض موارده بنسبة 25٪ في جميع المجالات و تم تقليص و دمج المراقبين في الشرق الأوسط و أفريقيا و هو ما أضعف من تقديرات لجنة الإستخبارات المشتركة و ساهم في سوء تقييم “المملكة المتحدة” لـملف “أسلحة الدمار الشامل” العراقية قبل غزوها عام 2003 .
المبني
منذ عام 1995 كان مقر جهاز المخابرات السرية البريطاني MI6 في Vauxhall على الضفة الجنوبية لنهر التايمز في مدينة “لندن” و تم تصميم المبنى الجديد من قبل السير “تيري فاريل” و قام ببنائه “جون لينج” حيث تمت مراجعة تصميم المبنى لدمج الحماية اللازمة للجهاز و التي أحتوت علي زيادة الأمن و أجنحة الكمبيوتر و المجالات التقنية و الحماية من إنفجار القنابل و أنظمة النسخ الاحتياطي في حالات الطوارئ و الحماية من التنصت الإلكتروني و رغم أن أغلب تفاصيل المبني و تكاليفه لا تزال سرية إلا أن التقديرات تشير أن التكلفة النهائية بلغت 135 مليون جنيه إسترليني لشراء الموقع و المبنى الأساسي أو 152.6 مليون جنيه إسترليني بما في ذلك المتطلبات الخاصة للحماية و يقال أن للمبني نفق سري أسفل نهر التايمز يتجه إلى وايتهول .
و ظهر مقر جهاز المخابرات السرية البريطاني في أفلام “جيمس بوند” GoldenEye و The World Is Not Enough و Die Another Day و Skyfall و Specter كما تم السماح بالتصوير داخل المبني نفسه في فيلم The World is Not Enough حيث تم تفجير قنبلة مخبأة في حقيبة مليئة بالمال داخله مما أدى إلى تفجير جدار خارجي و قيل أن الحكومة البريطانية عارضت التصوير بداخله لكن المتحدث باسم وزارة الخارجية نفى ذلك أما علي أرض الواقع فقد حدث هجوم فعلي علي المبني في سبتمبر عام 2000 حين تعرض للقصف بواسطة قاذفة صواريخ روسية الصنع من طراز RPG-22 مضادة للدبابات حيث ضرب الصاروخ الطابق الثامن و تسبب فقط في أضرار سطحية قالت التحقيقات أنه من الوارد أن من قام بذلك أفراد ينتمون إلي الجيش الجمهوري الإيرلندي الحقيقي .