في أوائل ثمانينيات القرن الماضي توافد علي إحدي البلدات الصغيرة الواقعة علي سهل صحراوي بولاية أوريجون الأمريكية مجموعة من الغرباء الذين يرتدون ملابس حمراء و ينتسبون لطائفة دينية يقف علي قيادتها رجل صوفي هندي يدعي بهاجوان شري راجنيش و كانوا أثناء وجودهم في ذلك المكان يدعون إلي الحب و التسامح ثم بدأوا مع زيادة عددهم بإعادة تأسيس المكان و إعماره و بناء منازل و مباني خدمية لتكون تلك البلدة مهدا لعبادتهم و أفكارهم الغريبة الأطوار و هو ما أدي إلي دخولهم في صدامات مع سكانها الأصليين و رغم هدوء تلك البلدة و ندرة تناولها فى وسائل الإعلام حتي المحلية منها إلا أنها ما بين عشية و ضحاها أصبحت حديث الولايات المتحدة بأكلمها بعد أن كانت مسرحا لأكبر هجوم إرهابي بيولوجي تشهده البلاد عبر تاريخها من خلال أفراد تلك الطائفة الذين عرفوا بإسم جماعة راجنيش .
بدأت أحداث تلك القصة قبل عدة سنوات من إستقرار “جماعة راجنيش” في تلك البلدة حيث كان زعيمها و هو الصوفي الهندي “بهاجوان شري راجنيش” هدفًا لمحاولة إغتيال بعد إلقاء سكين عليه أثناء وعظه لأتباعه و وقتها أدرك أنه من الضروري أنه يترك “الهند” لأن أفكاره الروحية المعروفة بإسم الأشرم و التي يتبعها أكثر من 30 ألف شخص بدأت في إكتساب الكثير من الخصوم داخل البلاد نظرا لما تحمله من أفكار غريبة و متطرفة مثل التأمل و التمييز العرقي و الجنس المفتوح و لذلك لجأ إلى مستشارته الشابة و المخلصة “شيلا بيرنستيل” و المعروفة داخل “جماعة راجنيش” بإسم “ما أناند شيلا” و طلب منها أن تجد له مكانًا يمكن منه قيادة حركته بعيدًا عن الأعين و حيث يمكن لأتباعه أن يعيشوا في سلام و بناء مدينة يوتوبيا الخاصة بهم .
و بدأت “شيلا” مع زوجها “مارك سيلفرمان” في البحث عن مكان مناسب و سرعان ما عثروا عليه و كان قطعة أرض صحراوية مساحتها 64000 فدان تقع في المنطقة الشمالية الغربية للولايات المتحدة في منطقة ” أنتيلوب ” بولاية ” أوريجون ” و بعد أن وافق الزعيم الصوفي الهندي عليها جمع أتباع تلك الطائفة مواردهم المالية و قاموا بتصفية أعمالهم في بلدانهم و أنتقلوا إلي ذلك المكان الذي أطلقوا عليه إسم ” راجنيشبورام ” و ربما كان الأمر بالنسبة إليهم صعبا في البداية لأنها كانت المرة الأولى لهم في “الولايات المتحدة” كما أن نصفهم لم يعرفوا حتى أين كانت تقع تلك الولاية ناهيك عن أنه مكان منعزل جدا و صحراء جرداء لكن “شيلا” كانت متأكدة من أنه الأنسب لهم و لذلك حثتهم علي التجمع معًا و إنشاء المدينة الفاضلة التي توقعها ” راجنيش ” لانها أرادت أن تكون جاهزة عندما يصل إليهم بعد عدة أسابيع .
و بني “جماعة راجنيش” ذلك المكان من الألف إلى الياء و أدخلوا إليه الكهرباء و المياه و شيدوا بداخله شبكة طرق ثم أسسوا مركز تجاري و مطار و مطعم بيتزا و مبنى للتأمل يضم 10000 شخص حتى أنه كان لديهم رمز بريدي خاص بهم و تبع بلدتهم مزرعة مستدامة بيئيًا تعمل بالطاقة الشمسية و نجحوا فى تحويل الصحراء إلى اللون الأخضر و أعادوا الحياة البرية إلى السهول و أنشأوا بها واحة خصبة حتي أن ” شيلا ” بعد الإنتهاء من تلك الأعمال قالت بأنه ينبغي أن يقدم إليهم جائزة نوبل و بينما كانوا يستعدون لوصول زعيمهم الصوفي أصبح سكان ” أنتيلوب ” الأصليين قلقين مما يشاهدوه أمامهم حيث قال واحد منهم أنهم يغزون المكان ربما ليس بالرصاص و لكن بالمال و الجنس الغير الأخلاقي و ذلك لأن ” أنتيلوب ” كان مجتمعًا صغيرًا مكون من حوالي 40 شخصًا معظمهم من الصيادين و مربي الماشية و الذين عاشوا في تلك البلدة طوال حياتهم و كانوا معظمهم أفراد محافظين لذلك لم يكونوا معتادين علي الغرباء خاصة و أن أعدادهم وصلت إلي 7000 شخص كلهم يرتدون ملابس حمراء و يلعبون الموسيقى و يمارسون العلاقات الجنسية المفتوحة و لذلك تحول موقفهم الترحيبي و إن كان مترددًا إلى التقلب التام .
و إزداد العلاقات سوء بعد أن أصبحت ” جماعة راجنيش ” تقوم بتسيير دوريات في محيط بلدتهم بالرشاشات و العربات المدرعة مما أصبح الطرفين يتبادلون الكراهية و بشكل علني و في نهاية المطاف و نظرا لكثرة عددهم تغلبوا علي السكان الأصليين لتلك البلدة و كذلك العديد من البلدات الأخري المجاورة و أعادوا تسمية المكان من ” أنتيلوب ” إلي ” راجنيش ” ثم أنتقلوا إلي مرحلة الصدام مع الدولة عام 1984 حين أعلنت ” شيلا ” بأن لديهم خطط لبناء مدينة كاملة على سفح جبل إلا أن السلطات رفضت منح تلك التصاريح و ردا على ذلك أعلنت “شيلا” عن خطط لوضع أتباع من تلك الطائفة في المجلس التشريعي للولاية و نقل عدة آلاف من المشردين الموجودين في المناطق المجاورة للتصويت لهم من أجل تمرير تلك التصاريح و لكن فشلت خطتها لعدم سماح الدولة للمشردين بحق التصويت لكن ” شيلا ” لم ترتدع و قالت أنه إذا لم يتمكن شعبها من التصويت فستتأكد من عدم تمكن أي شخص أخر من التصويت .
و مع إقتراب موعد الإنتخابات جذبت “شيلا” مجموعة صغيرة من الأشخاص إلى دائرتها الداخلية و حولت أحد المباني في المجمع إلى مختبر بيولوجي و هناك قامت هي و فريقها بصنع سم أطلقوا عليه “الصلصة” و الذي كان موجود في بيئة سائلة ملوثة بمستويات سامة من السالمونيلا و على مدى عدة أسابيع و في عام 1984 قامت جماعة راجنيش بتلويث 10 مطاعم محلية بصلصة السالمونيلا الخاصة بهم و رشها أيضا على المقاهي و البارات و محلات الفواكه و الخضروات و حتي إلقاءها في الماء و كانت النتيجة إنتشار وباء كامل على مستوى الولاية و الذي أعتبره البعض أنه أكبر هجوم إرهابي بيولوجي شهدته “الولايات المتحدة” على الإطلاق حيث أصيب أكثر من 700 شخص بالمرض و تم نقل 45 منهم إلى المستشفى و على الرغم من عدم وفاة أحد لكن كان من الممكن أن يكون الأمر أسوأ بكثير لأنه عندما داهم المحققين المجمع لاحقًا وجدوا مكونات السالمونيلا التيفية المسئولة عن حمى التيفود و لحسن الحظ أن الموضوع لم يتصاعد بشكل أكبر و تم إيقافه عند ذلك الحد و إلا أصبح الوضع كارثي .
و ردا علي تلك الأنباء خرج آلاف الأشخاص للتصويت ضد جماعة راجنيش و هم مصممين على إعادتهم إلى حدود مجتمعهم و ربما إلي أبعد من ذلك و لدهشة الجميع أن زعيمها “راجنيش” نفسه تخلص من البلدة بعد مرور عام من تلك الأحداث حيث هرب من “الولايات المتحدة” عام 1985 بعد إعترافه بالذنب بأنه دخل البلاد بدون تأشيرة بل و وصف أتباعه بأنهم عصابة من الفاشيين و ألقى صراحة باللوم على “شيلا” في ذلك الهجوم الإرهابي و في داخل المجمع عثرت السلطات على العديد من الأسلحة البيولوجية و خطة مفصلة لإغتيال “تشارلز تورنر” المحامي الأمريكي في ولاية أوريجون و مع إفتضاح الأمر فر المئات من جماعة راجنيش و تساءل آخرون منهم عن كيفية قيام مجموعتهم المسالمة و المحبة للخير و التي أنضموا ليها بالقيام بتلك الأفعال الشريرة و نظرا لوجود العديد من الأدلة تم القبض على “ما أناند شيلا” و تقديمها إلى المحاكمة و حُكم عليها بالسجن لمدة 20 عامًا عن تلك الجرائم لكن أطلق سراحها بعد مرور 39 شهرًا فقط .
أقرأ أيضا : جزيرة نازينو الواقعة أقصى الشمال الروسي التى تحولت من معسكر للإعتقال الى معقل لأكلى لحوم البشر
و في المقابلات التي أجريت بعد سنوات من تلاشي الطائفة من دائرة الضوء كان من الواضح تمامًا أن “بهاجوان راجنيش” هو العقل المدبر الحقيقي وراء ما حدث حيث تقول ” شيلا ” التي أصبحت تعيش في “سويسرا” أنها تصرفت بناءً على طلب منه و أن كل ما فعلته كان من أجله و أنها غير نادمة على جرائمها و ثابتة في إيمانها بأنه في النهاية كان كل ما فعلته بحسن نية كما أشارت تقارير أخري إلى أن ” راجنيش ” كان مهووسًا بأرقى الأشياء في الحياة و أصبح مالكًا لأكبر مجموعة في العالم من سيارات الرولز رويس كما أنه أمتلك أيضا مجوهرات بملايين الدولارات و كان يأخذ أموالاً من أتباعه علي هيئة تبرعات و يستخدمها لنفسه أما “شيلا” فكانت امرأة متعطشة للسلطة و حاولت بناء يوتوبيا خاصة بها و رغم ترويجها لأفكار ” راجنيش ” إلا أنها كانت بالأساس تفعل ذلك من أجل إشباع رغباتها في القيادة .