دائما ما تمثل المناطق الحدودية صداع مزمن للحكومات نظرا لأنها تكون محل نزاع مع الدول المجاورة و كم من حروب نشبت من أجل الإستحواذ علي تلك الأراضي و السيطرة علي مقدراتها و لكن قد يكون الوضع مختلف تماما مع جزيرة فيزانت و هي قطعة أرض صغيرة لا تتجاوز مساحتها فدانين و تقع علي المناطق الحدودية بين مدينة هينداي الفرنسية و إيرون الإسبانية و تطل علي نهر بيداسوا الذي يتدفق إلي خليج بسكاي و رغم ضألة مساحة تلك الجزيرة إلا أنها شهدت تنافس تاريخي تقليدي بين البلدين إلي أن توصلا إلي إتفاق يعتبر هو الأغرب من نوعه و هو أن تتولي إسبانيا حكمها لمدة ستة أشهر ثم ينتقل الحكم إلي فرنسا لستة أشهر أخري ثم يستمر تداول الحكم بينها علي نفس تلك الوتيرة .
و يرجع تاريخ إتفاق جزيرة فيزانت إلي القرن السابع عشر حيث كان ذلك المكان هو الذي إنتهت فيه أخيرًا حرب الثلاثين عامًا بين ” إسبانيا ” و ” فرنسا ” و شهدت التوقيع على معاهدة جبال البرانس حيث أرسل البلدان إثنين من أهم الشخصيات البارزة إلي تلك الجزيرة للتفاوض و هم ” لويس منديز دي هارو ” أحد النبلاء الإسبان و الكاردينال ” مازارين ” رئيس الوزراء الفرنسي وسط تجمع جيوشهما علي جانبي نهر بيداسوا تحسبا لأي فشل لتلك المفاوضات و بعد 11 عامًا و 24 قمة تم التوصل إلي إتفاق فريد من نوعه و هو أن تصبح جزيرة فيزانت تحت السيادة المشتركة لكلا الدولتين .
و عندما قررت ” فرنسا ” و ” إسبانيا ” إنهاء حربهما الطويلة معا بذلك الإتفاق الغريب أصبحت جزيرة فيزانت رمزًا للسلام الدائم حيث فيها تقابل الملك الفرنسي ” لويس الرابع عشر ” لأول مرة مع زوجته المستقبلية ” ماريا تيريزا ” إبنة الملك الإسباني ” فيليب الرابع ” و فيها ودعت الملكة ” ماريا ” والدها و الكثير من أفراد البلاط الإسباني قبل العبور إلي لتكون بجوار زوجها كما أقيم في وسط جزيرة فيزانت نصب تذكاري لإحياء ذكري تلك الإتفاقية التاريخية و الأهم من ذلك أنه تقرر منذ لحظة توقيع الإتفاقية أن تكون لكلا البلدين سلطة مشتركة لمدة ستة أشهر من السنة بالتناوب بينهما .
أقرأ أيضا : باساج دو جوا الطريق الذى يختفى مرتين يوميا عن الأنظار
و منذ عام 1660م حين تم التوصل إلي تلك الإتفاقية التاريخية تصبح جزيرة فيزانت تابعة لإسبانيا في الفترة من 1 فبراير و حتي 31 يوليو من كل عام ثم تنتقل إلي فرنسا في النصف الآخر من العام و لا يُسمح للزوار بدخول الجزيرة إلا في مناسبات نادرة مثل حفل التسليم النصف سنوي أو في جولات تراثية نادرة و بخلاف ذلك يقوم موظفي بلديتي إيرون في ” إسبانيا ” و هينداي في ” فرنسا ” بالذهاب إلي جزيرة فيزانت كل ستة أشهر للقيام بأعمال التنظيف و البستنة كما تتولى القيادات البحرية لكل من الدولتين مسؤولية مراقبة الجزيرة خلال الستة أشهر من الملكية السنوية لكل دولة حيث تهبط القوات التابعة لها علي أراضيها مرة كل خمسة أيام .