ثورة العبيد في هايتي هي واحدة من أبرز الثورات في التاريخ الحديث بعد أن أصبحت أول حركة ناجحة يقوم بها العبيد من أجل الحصول علي حقوقهم المشروعة حيث يرجع إليها الفضل في تمهيد الطريق نحو إنهاء العبودية و إقامة أول جمهورية سوداء مستقلة و كانت قد بدأت كرد فعل علي الظلم و القسوة التي تعرض لها العبيد في جزيرة سانت دومينج (هايتي حاليًا) التي كانت بمثابة أغني مستعمرة فرنسية في منطقة الكاريبي و خلالها تحدي العبيد و السكان الأصليين السلطات الإستعمارية الفرنسية و نجحوا لصمودهم في فرض إرادتهم عليها و تحقيق الإستقلال عن فرنسا لتصبح بذلك نقطة تحول لجميع الحركات المناهضة للعبودية حول العالم و مصدر إلهام للشعوب المستضعفة للوصول إلي حريتها .
ترجع ثورة العبيد في هايتي إلي خلفية تاريخية بدأت بمعاناة سكان الجزيرة بعد وصول ” كريستوفر كولومبوس ” إليها في ديسمبر عام 1492 و أعقبها وصول الإستعمار الإسباني الذي قام بإستعبادهم و مع نهاية القرن السادس عشر بدأ السكان الأصليين في الإنقراض نتيجة إصابتهم بالأمراض التي أتت من أوروبا و عملهم في ظل ظروف عمل قاسية و بدء يحل محلهم آلاف العبيد الذين تم إستيرادهم من جزر الكاريبي الأخرى و بعد إستنفاد مناجم الذهب تولت ” فرنسا ” زمام الأمور في المكان و بدأت في تأسيس مستوطناتها الخاصة مثل ميناء “بورت-دي-باس” في عام 1665 و أصبحت جزيرة سانت دومينيج (هايتي حاليًا) تشهد إرتفاعًا في أعداد العبيد الأفارقة حيث وصل عددهم إلي 500,000 شخص أواخر القرن الثامن عشر .
و خلال تلك الفترة كان المجتمع الهايتي منقسماً علي أساس لون البشرة و الطبقة و الجنس و مع ذلك كان هناك عدد من الأفراد يطلقون علي أنفسهم إسم السود الأحرار أو “الأفرانشي” يتوقون لمستويات معيشة إجتماعية و إقتصادية تضاهي نظيرتها بين الأوروبيين إلا أنهم كانوا يواجهون تمييزاً كبيراً من الأوروبيين البيض الذين كانوا يسيطرون علي كافة مناحي الحياة في المستعمرة و في ظل تلك التوترات و التمييز بدأت تظهر أولى شرارات ثورة العبيد في هايتي حيث كانوا و خصوصًا الأفارقة منهم يعانون من ظروف عمل قاسية بالإضافة إلي إنتشار الجوع و الأمراض بينهم لذلك قام عدد منهم بالفرار إلي الجبال ليكوّنوا مجموعات مستقلة تُعرف بإسم “المارون” و يقاتلون الميلشيات الإستعمارية بأسلوب حروب العصابات.
و بحلول أوائل التسعينيات في القرن الثامن عشر إندلعت ثورة العبيد في هايتي نتيجة تزايد شعور الأفرانشي بالسخط تجاه مجتمعهم العنصري إلي جانب تدهور الأوضاع بعد الثورة الفرنسية إضافة إلي الوحشية التي عاني منها العبيد لذلك قاد “فنسنت أوجيه” و هو أحد الأفرانشي إنتفاضة أواخر عام 1790 للمطالبة بإصلاحات إستعمارية إلا أنه أعتقل و تعرض للتعذيب ثم أعدم و في مايو عام 1791 أقرّت الحكومة الثورية الفرنسية منح حقوق المواطنة للأفرانشي الأغنياء غير أن المستعمرين الأوروبيين تجاهلوا تنفيذ هذا القرار و هو ما أدي إلي تصاعد وتيرة الصراع بين الأوروبيين و الأفرانشي و في أغسطس من العام ذاته إنتفض آلاف العبيد و سعى الأوروبيين لمحاولة إستمالة الأفرانشي لتهدئة الأمور لذلك منحت الجمعية الفرنسية حقوق المواطنة لجميع الأفرانشي عام 1792 إلا أن ذلك لما يؤدي إلي حدوث التهدئة المرجوة حيث كانت البلاد مشتعلة بالفصائل المتحاربة المدعومين من المستعمرين الإسبان في ” سانتو دومينجو ” (الجزء الشرقي من الجزيرة ) و البريطانيين من ” جامايكا ” و في عام 1793 أصدر المفوض الفرنسي “ليجير فيليسيتيه سانثونكس” وعداً بتحرير العبيد الذين ينضمون إلي جيشه ثم صدر بعد ذلك قرار إلغاء العبودية بشكل كامل و الذي صادقت عليه الحكومة الفرنسية لاحقًا .
و بحلول أواخر تسعينيات القرن الثامن عشر قاد ” توسون لوفرتور ” و هو عبد سابق عدداً من الإنتصارات علي القوات الإستعمارية و رغم إعلانه الولاء لفرنسا إلا أنه في يناير عام 1801 نجح في الإستيلاء علي ” سانتو دومينجو ” و عيّن نفسه حاكمًا مدى الحياة و في مايو من العام ذاته وضع المزارعين تحت نظام عسكري و هو ما دفع ” نابليون بونابرت ” إلي إرسال جيشا عام 1802 بقيادة ” شارل لوكلير ” لمحاولة إستعادة السيطرة علي الجزيرة إلا أن ” توسون ” نجح في مقاومتها لعدة أشهر حتي تم التوصل إلي هدنة بين الطرفين في مايو غير أن الفرنسيين خانوا الإتفاق و قاموا بإلقاء القبض عليه و سجنه في ” فرنسا ” حيث توفي في 7 أبريل عام 1803.
و رغم إختفاء ” توسون لوفرتور ” عن الساحه إلا أن عدد من قادته مثل ” جان جاك ديسالين ” و ” هنري كريستوف ” أستمروا في الكفاح و قيادة ثورة العبيد في هايتي خاصة بعد أن تضامن معهم القادة الملونون الذين غضبوا من إستعادة فرنسا للقيود العرقية و نتيجة إنتشار أخبار عن إعادة فرض العبودية مجددا في الجزيرة بدأ الغضب في التزايد و نتيجة إنتشار الأمراض المدارية خاصة الحمى الصفراء بين الجنود الفرنسيين فقد ساهم ذلك في إضعافه و في 18 نوفمبر عام 1803 هزم جيش “الأصليين” بقيادة ” ديسالين ” القوات الفرنسية في معركة “فرتيير” و إستسلم القائد الفرنسي ” روشامبو ” و أعلنت ” هايتي ” إستقلالها في 1 يناير عام 1804 لتصبح بذلك أول جمهورية سوداء مستقلة و هو ما أثار خشية القوي الإستعمارية الأخرى من إنتقال العدوى الثورية إلي أراضيها لذلك كانت ” هايتي ” معزولة إقتصاديًا في البداية بعد أن رفضت معظم الدول التجارة معها بإستثناء بعض الولايات الأمريكية الحرة التي رأت في ذلك فرصة تجارية لها .
و بحلول أكتوبر عام 1804 أعلن ” جان جاك ديسالين ” نفسه إمبراطورًا لهايتي لكنه اغتيل بعد عامين أثناء محاولته قمع أحد التمردات و بعدها تولي ” هنري كريستوف ” السيطرة علي الشمال بينما سيطر ” ألكسندر بيتيون ” علي الجنوب و هو ما أشعل حرباً أهلية إستمرت لسنوات إلي أن أعلن ” كريستوف ” نفسه ملكًا عام 1811 و بنى قصرًا فخمًا و حصنًا في “كاب هايتيان” قبل أن ينتحر عام 1820 بسبب تمرد أخر و من ناحيتها لم تعترف ” فرنسا ” بإستقلال ” هايتي ” إلا عام 1825 مقابل تعويض مالي ضخم قدره 100 مليون فرنك و هو دين إستمر في إرهاق الإقتصاد الهايتي لعقود طويلة .