فى بعض من الأحيان قد تكون للطبيعة وجه أخر يختلف عما اعتدنا عليه و المتمثل فى قوى مخيفة لا يستهان بها فمن المعروف أنها بجهد ضئيل منها قد تستطيع تدمير المبانى و المنشئات و حتى المدن و تكون احدى مصادر التهديد لحياة الإنسان , و رغم وصول البشرية الى تطور تكنولوجى غير مسبوق الا أنه حتى اللحظة لا يعد كافيا لمجابهتها أو فك رموز بعض من أسرارها التى تظل صامدة بدون أى حلول حيث تعتبر ظاهرة فتحات الكثبان الرملية الخطيرة فى جبل بالدي الموجودة بولاية إنديانا فى الولايات المتحدة واحدة منها و هى فتحات تنفتح بشكل مفاجئ و عشوائى أسفل أقدام الناس و بدون أى أسباب معروفة ثم تقوم بإبتلاعهم و تنغلق عليهم ليواجهوا خطر الموت اذا لم يوجد أحد بجوارهم ليمد لهم يد العون .
و يعتبر ” جبل بالدي ” كثيب رملي ضخم يقع في ” إنديانا ديونز ناشونال ليكتشور ” و هي حديقة وطنية تبلغ مساحتها 15 ألف فدان على طول الساحل الطويل لبحيرة ميتشيجان و هي مكان مشهور بشواطئها التي يشار إليها أحيانًا باسم الساحل الرابع لأمريكا , و تشتهر تلك الحديقة بكثبانها الرملية و لكن على وجه الخصوص “جبل بالدي” الوحشي الذي يبلغ ارتفاعه 38 متر و هو أكبر الكثبان الرملية الموجودة على الشاطئ الجنوبي لبحيرة ميتشيجان و الذى يحظى بشعبية كبيرة بين المتنزهين الذين يصعدون إلى القمة لمشاهدة المناظر الطبيعية الخلابة لتلك البحيرة فضلاً عن احتوائها على بقعة مشهورة لمحبى حمامات الشمس كما توجد حول تلك الكثبان الرملية العديد من مسارات المشي لمسافات طويلة لمراقبة الطيور و يشتهر الشاطئ القريب جدًا منها بالسباحة و يجذب الزوار من جميع أنحاء الولايات المتحدة .
و رغم الجمال الخلاب الموجود فى كثبان ” جبل بالدي ” الا أنه يطلق عليها أيضا “الكثبان المتجولة” أو “الكثبان الرملية الحية” مما يعني أنها تتجول و تتحرك بمرور الوقت و في حالة ذلك المكان فتبلغ سرعة تحرك الكثبان العادية ما بين 1.5 متر إلى مترين في السنة و لكن بسبب عوامل التعرية و فقدان الغطاء النباتي الناجم عن العدد الكبير من الزوار زادت سرعة تحركها لتصل بشكل كبير ما بين 3 إلى 6 أمتار كل عام خلال العقد الماضي و هذا يعد أمر صادم بالنسبة لذلك النوع من الكثبان الرملية خاصة مع وجودها على جبل من الرمال بهذا الحجم و الذى من الممكن أن يقوم بإبتلاع الأشجار و الصخور و السيارات و حتى المباني .
و لا يكمن غموض “جبل بالدي” في حقيقة أنه يتحرك بسرعة كبيرة فهو أمر وارد فى كثير من الأماكن بل يكمن في اللغز الجيولوجي الفريد الذي قدمه في السنوات الأخيرة و بدأ عندما ابتلعت تلك الكثبان صبيًا صغيرًا بشكل مفاجئ و غير مفهوم عام 2013 عندما كان “ناثان ويسنر” البالغ من العمر 6 سنوات يسير على طول الكثبان الرملية و فجأة اختفى دون سابق إنذار في حفرة انفتحت تحت قدمه مثل الفم الذي انفتح لإلتهام فريسته و لحسن الحظ تنبه الناس في الجوار من صرخات الصبي و ركضوا ليجدوا أنه قد غمرته الكثبان الرملية بالكامل و بحلول الوقت الذي وصل فيه رجال الإنقاذ تم دفن الصبي تحت 3.5 متر من الرواسب تلا ذلك معركة يائسة لتحريره من براثن تلك الكثبان الرملية و أخيراً بعد محنة استمرت 11 ساعة تم إخراج الصبي من سجنه الرملي حياً .
و رغم الحادث الا أن علماء الجيولوجيا قد شككوا في القصة نظرا الى أنه من الصعب أن تنفتح مثل تلك الثقوب في الكثبان الرملية بسهولة لأنها مكونة من حبيبات رملية و بالتالي لا يوجد بينها اى مجال للهواء بالإضافة إلى ذلك فلا توجد مياه متدفقة تحتها لتوقع تشكل ثقوب من هذا النوع الا أنه و رغم ذلك التشكيك فقد بدأ ظهور المزيد من تلك الفتحات في الأشهر التالية و بدأت قصص أخرى في الظهور عن زوار آخرين واجهوا تلك الظاهرة أيضا حيث قال المتنزهون الذين يمشون في “جبل بالدي” عن إنفتاح الأرض فجأة تحت أقدامهم بشكل يؤدى الى تعثرهم و لحسن الحظ لم يتجاوز عمق الثقوب في هذه الحالات أكثر من متر و نصف و لم تسفر هذه الحوادث عن وفيات و مع ذلك بدا من المؤكد أن الكثبان الرملية كانت مكانًا لخطر محتمل و أنها مسألة وقت فقط قبل أن يصاب شخص ما بجروح خطيرة أو أسوأ .
و كان الملاحظ حول تلك الفتحات أنها في الغالب بقطر واحد و يبدو أنها تظهر و تختفي دون سابق إنذار مع فتح معظمها لفترة تستمر ليوم واحد فقط قبل أن تغلق تماما كما لو أنها لم تكن هناك من قبل و هو الأمر الذى دفع وكالة حماية البيئة إلى إجراء مسح للمكان باستخدام الرادار المخترق للأرض و الذي كشف عن 66 بقعة غير مألوفة تحت الكثبان الرملية و مع ذلك نظرًا للطبيعة العابرة للثقوب فقد كان من الصعب دراستها بشكل صحيح أو حتى تكوين رابط بين تلك الحالات الغير مألوفة و الثقوب نفسها .
و على الرغم من أنه تم تحديد العديد من الثقوب الظاهرة و المختفية الا أنه لا احد يعرف مصدرها حيث حيرت هذه الظاهرة العلماء الذين درسوا الرواسب و حللوا أنماط الرياح و رسموا خريطة التضاريس في المنطقة حيث صرحت عالمة الجيولوجيا “إيرين أرجيلان” وهي واحدة من العديد من الباحثين المتفانين الساعين لحل لغز فتحات “جبل بالدي” أن تلك الثقوب تمثل ظاهرة جيولوجية جديدة و أوضحت أنها تختلف عن الثقوب التى نراها فى شاشات الأخبار و هى تبتلع المنازل و السيارات لأنها تحدث عادة عندما تتحلل أسطح الصخور بمرور الوقت بسبب تلفها الناجم من المياه .
أقرأ أيضا : باساج دو جوا الطريق الذى يختفى مرتين يوميا عن الأنظار
و في الوقت الحالي تشكل تلك الثقوب الغامضة تهديدًا لآلاف الزوار الذين يأتون لمشاهدة الكثبان الرملية كل عام لذلك و من أجل ضمان السلامة العامة و للتأكد من أن تلك الكثبان الرملية الضخمة المارقة لا تحصد المزيد من الضحايا فقد أغلقت خدمة الحديقة الوطنية طريق الوصول إلى “جبل بالدي” و منعت الدخول إلى المنطقة المجاورة مباشرة حتى يتم فهم المزيد عما يجري و تم نصب العديد من اللافتات والأسوار لإبعاد الناس و يقوم الحراس بدوريات لتطبيق تلك الإجراءات حيث من المأمول أن يتم التحكم في عوامل التعرية فى ذلك المكان عن طريق زراعة عشب المرام على تلك الكثبان و تقوم جذورها بالإلتصاق بالرمال .
و فى المستقبل القريب يخطط الباحثين مواصلة مراقبة و دراسة تلك الثقوب لكن في الوقت الحالي لا يوجد لديهم سوى الفرضيات حيث تقول إحداها أن الأشجار المدفونة التي تتحلل تحت الرمال قد تكون هى المسؤولة عن تلك الظاهرة خاصة مع زيادة معدل سرعة كثبان “جبل بالدي” بمعدل ينذر بالخطر في السنوات الأخيرة بسبب التآكل الناجم عن فقدان الغطاء النباتي على منحدراته بسبب الأنشطة البشرية فيها و التى منها التعدين الذى حدث قديما فى ذلك المكان لإستخراج الرمال من أجل صناعة الزجاج حيث يُعتقد أن كل تلك العوامل تسببت في ابتلاع الكثبان الرملية للأشجار أو غيرها من الهياكل تحت رمالها و بعد مرور من الوقت تحللت و أصبحت غير مستقرة و تسببت فى تلك الثقوب تلقائيًا و لكن يبقى السؤال الذى بلا إجابة و هو لماذا تحاول هذه الكثبان الرملية الضخمة ابتلاع الناس أحياء ؟ و إلى أن نحصل على بعض الإجابات سيظل جبل بالدي متمسكًا بأسراره بينما يواصل مسيرته البطيئة التي لا هوادة فيها عبر الأرض و يلتهم كل ما في طريقه .