يعتبر كثير من المؤرخين ان إسقاط القنبلة الذرية على هيروشيما و ناجازاكي هى من أبرز الكوراث التى كانت من صنع الإنسان رغم دورها الكبير فى إنهاء الحرب العالمية الثانية رسميا و إجبارها اليابان على توقيع وثيقة إستسلامها و ذلك بعد تسببها فى إلحاق دمار كبير للبنية التحتية لكلا المدينتين و حدوث مأساة إنسانية حقيقية تمثلت فى ألاف القتلي و الجرحي و إنتشار الملوثات الإشعاعية فى تلك الأماكن و رغم ما ذكر عن أهوالها بدقة فى كتب التاريخ الا أنه كان هناك شخص سيئ الحظ يدعي تسوتومو ياماجوتشي قادته الظروف أن يشهد بنفسه لحظات إنفجار القنبلة الذرية الأولي على هيروشيما و بعد ان كتبت له النجاة منها بأعجوبه قرر أن يعود الى مسقط رأسه فى مدينة ناجازاكي و يشهد إنفجار القنبلة الذرية الثانية و تكتب له النجاة أيضا ليترك كلا التفجيرين بداخله أثرا نفسيا سيئا على مدار حياته المديدة .
بدأت قصة “تسوتومو ياماجوتشي” الذى كان يبلغ من العمر وقتها 29 عاما يوم 6 أغسطس عام 1945 حين كان منتدبا للعمل فى مدينة ” هيروشيما ” لفترة أمتدت لثلاثة أشهر بشركة ميتسوبيشي للصناعات الثقيلة حيث كان ذلك اليوم هو الأخير فى ذلك الإنتداب و بعد إنتهائه من عمله توجه هو و إثنين من زملاءه الى محطة القطار إستعدادا لعودته الى موطنه بمدينة ” ناجازاكي ” و أثناء وجوده فى المحطة تذكر أنه نسي وثيقة هامة فى مكان عمله ليتركهم و يعود ليحصل عليها و خلال توجهه لاستعادتها و فى تمام الساعة 8:15 صباحا و أثناء سيره فى الشارع شاهد قاذفة القنابل الأمريكية ” إينولا جاي ” تسقط القنبلة الذرية الأولي التى عرفت بإسم ” الولد الصغير ” و التى هبطت على مظلتين ببطء شديد و عند إرتفاع محدد إنفجرت فى الهواء مسببة وميض ضخم و صفه لصحيفة التايمز قائلا :
“كان مثل وميض من المغنيسيوم … وميض رائع في السماء … وقد اندهشت … و عندما فتحت عيني كان كل شيء مظلمًا … ظننت أنني ربما أموت و لكن في النهاية اختفى الظلام و أدركت أنني على قيد الحياة … و عندما خمدت الضوضاء و الانفجار رأيت عمودًا ضخمًا من النار على شكل عيش الغراب يتصاعد عاليا في السماء … كان مثل الإعصار على الرغم من أنه لم يتحرك لكنه ارتفع و انتشر أفقيًا في الأعلى .
و رغم أن مركز الإنفجار كان على مسافة لا بأس بها من “تسوتومو ياماجوتشي” الا أنه أصيب أيضا بحروق في الجزء العلوي من جذعه بالإضافة إلى تمزق طبلة الأذن و العمى المؤقت و نتيجة تدمير المدينة بالكامل فلم يكن لديه أى حلول سوى أن يمضى المساء فى أحد الملاجئ الموجودة لمعالجة جروحه قبل أن يعود إلى موطنه فى مدينة ” ناجازاكي ” و مع حلول يوم 8 أغسطس عاد الى منزله ثم توجه الى عمله فى اليوم التالي على الرغم من جروحه و بدء فى رواية ما حدث الى مديره و أثناء وصفه للدمار الذي حل على ” هيروشيما ” جراء تلك القنبلة و فى تمام الساعة 11:00 صباحا تقريبا كانت قاذفة القنابل الأمريكية الثانية ” بوكسكار ” فوق المدينة و تلقى بحمولتها التى كانت القنبلة الذرية الثانية التى عرفت بإسم ” الرجل السمين ” فوق مدينة ” ناجازاكي ” و حدث نفس الإنفجار الضخم بكامل مأساته على بعد 3 كيلومترات من موقعه حتى أن ” ياماجوتشي ” قال لنفسه أنه ظن أن سحابة الفطر التى تكونت فى ” هيروشيما ” قد تبعته و وصلت إليه .
و رغم شدة الإنفجار نجا “تسوتومو ياماجوتشي” بأعجوبة مع زوجته و ابنه الرضيع و خلال الأسبوع التالي عاشوا في ملجأ بالقرب من أنقاض منزلهم فى الوقت الذى أعلنت فيه اليابان الإستسلام رسميا بشكل أدى إلى إنهاء الحرب العالمية الثانية و يبدأ الاحتلال الأمريكي للبلاد و بعدها و مثل الكثير من الناجين من الأثار السريعة لتلك القنبلة عانى “تسوتومو ياماجوتشي” و عائلته في نهاية المطاف من آثار التعرض للإشعاع و توفيت زوجته و ابنه في النهاية بسبب السرطان و هو مرض كان شائع بين الناجين بينما أستطاع هو التعافى من حروقه و مرضه الإشعاعي و عمل كمدرس لفترة قبل أن يعود لاحقًا للعمل في مصنع ” ميتسوبيشي للصناعات الثقيلة ” .
و مع تقدم “تسوتومو ياماجوتشي” في السن بدأ في التحدث علنًا ضد استخدام الأسلحة النووية و كتب مذكراته و أرسل إلى الرئيس الأمريكي ” باراك أوباما ” ليحدثه حول هذا الموضوع و التقى المخرج السينمائي الكندي “جيمس كاميرون” و المؤلف “تشارلز بيليجرينو” بمستشفى في “ناجازاكي” و ناقشا معا فكرة صنع فيلم عن الأسلحة النووية كما ظهر في فيلم وثائقي تم عرضه في الأمم المتحدة عام 2006 و الذى قبل انتاجه وجد صانعيه أن هناك ما يقارب من 165 شخصا استطاعوا النجاة من كلا التفجيرين معا لكن “ياماجوتشي” كان هو الوحيد المعترف به رسميًا من قبل الحكومة اليابانية و عاش ” ياماجوتشي ” الى أن توفي عام 2010 عن عمر يناهر 93 عاما .
أقرأ أيضا : يوشى شيراتورى السجين الذى لا يستطيع أى سجن مهما بلغت استحكاماته فى الصمود امامه
و بعد وفاته عرض احد البرامج الترفيهية على شاشة BBC قصة “تسوتومو ياماجوتشي” بشكل ساخر الا انه تم حذف ذلك الجزء لانه كان غير لائق حيث لاقى الكثير الانتقادات و ظهرت ابنة ياماجوتشى ” توشيكو ” فى التلفزيون اليابانى لتقول بانها لا تستطيع ان تغفر الاستهزاء الذى صدر من ” المملكة المتحدة ” التى تمتلك اسلحة نوويه خاصه بها من تجربة القنبلة الذريه العصيبة التى مرت بها “اليابان” و تعتقد أن مثل هذا التصرف معناه أن الرعب من القنبلة الذرية ليس جيدًا بما فيه الكفاية لدى العالم و من ناحيتها تقدمت السفارة اليابانيه فى ” بريطانيا ” بتقديم احتجاج للقناة بسبب إهانة ذلك البرنامج لضحايا القنبلة الذرية المتوفين و هو الامر الذى اضطر القناة الى تقديم اعتذار رسمى عن تلك الحلقه .