إذا قررنا أن نحكي قصة عن عالم الجريمة فبكل تأكيد سيكون المتلقي متأهبا لسماع قضايا تتحدث عن جرائم قتل أو سرقة أو إختطاف و لكن إذا قلنا أنها قصة رومانسية فلن يصدق البعض نظرا لأن ذلك العالم القاسي و الشرير من الصعب أن يمتلك أفراده تلك المشاعر النبيلة و لكن فى حقيقة الأمر نستطيع القول أن الحب هو فطرة إنسانية خلقها الله داخل البشر جميعا حتى و إن كانوا من المجرمين لذلك ليس بالغريب أن نرصد قصة حب داخل عالم الجريمة و التى جمعت بين عاشقين من الخارجين عن القانون و هما بوني و كلايد الذان تخصصا فى أنشطة السطو المسلح على البنوك و المتاجر فى العديد من المدن الأمريكية خلال ثلاثينيات القرن الماضي و كانا مصدر إزعاج مستمر لدى السلطات فى الولايات المتحدة .
و إذا بدأنا بأول العاشقين و هى “بوني باركر” فقد ولدت فى ولاية “تكساس” عام 1910 لأسرة فقيرة حيث كان يعمل والدها فى مجال البناء و توفى و هى فى الرابعة من عمرها ثم عاشت مع أمها فى مدينة “دالاس” و كانت مشهورة بأنها طفلة ذكية و تهوى كتابة الشعر و بعد وصولها الى سن السادسة عشرة تركت المدرسة و تزوجت من زميل لها الا أن ذلك الزواج لم يستمر طويلا و أنفصلت عنه من دون طلاق و عادت إلى منزل والدتها فى “دالاس ” حيث عملت نادلة و كانت طوال الوقت تشعر بالوحدة و ناقمة من الحياة .
أما ثاني العاشقين و هو “كلايد بارو” فقد ولد هو الاخر فى “تكساس” عام 1909 من أسرة زراعية فقيرة و التى أنتقلت من قريتها لتعيش فى مدينة “دالاس” هى الأخري و بدأت مواهبه فى السطو و السرقة خلال فترة مراهقته إلى أن ألقي القبض عليه و هو بعمر السابعة عشرة و رغم ذلك لم يرتدع و أستمر فى سرقة الخزائن و السطو على المتاجر حتي دخل إلي السجن و هو بعمر 21 عاما فى أبريل عام 1930 و نجح فى الهرب منه الا أنه عاد إليه مجددا و بداخله يرتكب أول جريمة قتل له و كانت لأحد الأشخاص الذى كان مداوما على تعذيبه و لحسن حظه أفلت من عقوبة القتل بعد أن أعلن أحد أصدقائه المحكوم عليه بالسجن مدى الحياة بمسئوليته عن تلك الجريمة و لمحاولة الهروب من تنفيذ حكم الأشغال الشاقة تعمد إصابة أحد قدميه حتى أصبح يعرج و ظلت تلك الإصابة ملازمة له حتى وفاته إلا أنه بسببها أفرج عنه لأسباب صحية و بعد خروجه تحول الى شخص أخر وصل إلى حد أن قالت أخته ” من المؤكد أنه حدث له شئ مرعب داخل السجن لأنه لم يكن هو نفسه عندما خرج” حيث أستمر “كلايد” فى سرقاته و سطوه على البنوك و المتاجر و لكن هذه المرة ليس بغرض إكتساب شهرة أو ثروة بل السعي للإنتقام من نظام السجون في “تكساس” بسبب الإنتهاكات التي تعرض لها أثناء قضائه مدة عقوبته .
و تتعدد الروايات حول أول لقاء جمع بين بوني و كلايد الا أن الأكثر ترجيحا أنه حدث في 5 يناير عام 1930 و كانت “بونى” تبلغ من العمر وقتها 19 عاما و كلايد 20 عاما و كانت “بوني” فى ذلك الوقت بدون عمل و تقيم فى منزل إحدى صديقاتها لمساعدتها نتيجة مرضها و أثناء وجودها تقابلت مع “كلايد” الذى كان صديقا لصديقتها و أتى لزيارتها و الإطمئنان عليه و حينها تلاقت النظرات و وقع الإثنان فى غرام بعضهم البعض حيث أصبحت رفيقته المخلصة التى تشاركه فى الجرائم متخذة عهدا انها لن تفارقه حتى الموت .
و بدأ الثنائي بوني و كلايد جرائم السطو المسلح و القتل و ذاعت شهرتهم فى الإعلام الامريكي و تصدرت صورهم عناوين الصحف خصوصا بعد إنتشار صورة لبوني و هى تحمل مسدسا و تشرب السيجار فى صورة اعطتها إنطباعا نمطيا بأنها الفتاة المتمردة التى تستطيع فعل المستحيل على الرغم من أن زملائها في التشكيل العصابي قد قالوا أنها لم تقتل أحد فى الواقع و تنوعت أنشطتهم ما بين السطو على البنوك و المتاجر و محطات الوقود و أيضا إرتكاب جرائم قتل كان من بينهم ظباط شرطة و نتيجة فشل الشرطة فى الوصول إليهم سرعان ما أصبحوا أكثر جرأة بإغارتهم علي سجن ” إيستهام ” الذى كان ” كلايد ” أحد نزلائه و قاموا بالمساهمة فى هروب بعض سجناءه و هو أمر أثار غضب السلطات الأمريكية التى رصدت مكافأة مالية كبيرة لمن يستطيع القبض عليهم أحياء كانوا او أموات .
و لأن لكل شئ نهاية فكانت نهاية بوني و كلايد حتمية ففى مايو عام 1934 و أثناء مرور سيارة كانت تقل العاشقين فى أحد الشوارع بالقرب من “لويزيانا” تم نصب كمين لهم من قبل 6 من ظباط الشرطة و بمجرد إقترابهم أطلق عليهم النار بكثافة حتى لقوا مصرعهم و يقول البعض أن “بونى” قبل مقتلها كانت تصرخ لوعة بعد رؤيتها مقتل “كلايد” الذى لقي مصرعه على الفور بعد تلقيه رصاصة مباشرة فى رأسه قبل أن تلحق به و صرح الطبيب الشرعي أن “بوني” أصيبت بالرصاص 26 مرة و أن “كلايد” أصيب 17 مرة و مع ذلك فقد أدعى بعض الباحثين أنه تم إطلاق النار عليهم أكثر من 50 مرة لكل منهم لدرجة أن متعهد دفن الموتى ذكر أنه واجه صعوبة في تجهيز الجثث لمراسم الدفن بسبب كثرة ثقوب الرصاص و في أعقاب ذلك واجهت الشرطة بعض الإنتقادات لعدم توجيه تحذير لهم قبل فتح النار على الثنائي لكن وفقًا للضباط فقد عقدوا العزم على عدم منح بوني و كلايد أى فرصة للهروب أو حتى التفكير بمحاولة الرد بإطلاق النار عليهم خاصة أنه و بعد تفتيش السيارة عقب مقتلهم تم العثور علي مسدسات و بنادق و ذخيرة مكونة من 3000 رصاصة .
أقرأ أيضا : مايكل مالوي … الرجل صاحب المناعة المذهلة من القتل
و رغم وصية الإثنين بأن يدفنا سويا و أن يكونا بجوار بعضهم فى الموت كما كانوا فى الحياة الا أن عائلة “بوني” رفضت ذلك و قررت دفنها بعيدا عن “كلايد” فى جنازة مهيبة حضرها أكثر من 20 ألف شخص و جائتها الزهور من كل مكان حتى أن رابطة بائعي الصحف فى “دالاس” أرسلت أكبر إكليل من الزهور إليها كنوع من أنواع الشكر و الثناء بعد أن باعت الصحف أكثر من نصف مليون نسخة بعد ورود أنباء عن مقتلهم أما جنازة “كلايد” فكانت هادئة و دفن مع شقيقه و أصبحت السيارة التى قتلا فيها و المليئة بثقوب الرصاص و بقع الدم منطقة جذب سياحي شهيرة حيث كانت تعرض في المعارض و المتنزهات و أسواق السلع المستعملة لما يقرب من 40 عامًا قبل أن تستقر في نهاية المطاف في فندق بولاية “نيفادا” و أصبحت قصة العاشقين “بونى و كلايد” واحدة من اشهر قصص الحب فى التاريخ الأمريكي حتى و إن كانت أنشطتهم منخرطة فى عالم الجريمة .