يمتلئ العالم بالكثير من المناطق التى يمثل العيش فيها تحديا كبيرا للانسان و يعتبر مجرد ذهابه اليها مغامرة غير محمودة العواقب الا انه و مع الاصرار ينتصر فى النهايه و ينجح بالعيش و التكيف فيها و لعل أبسط دليل على ذلك احدى البقاع التى تتواجد فى أقصى شمال الكرة الأرضيه على بعد مئات الأميال من الدائرة القطبية الشمالية بمنطقة التندرا فى روسيا متمثلة فى بلدة صغيرة يطلق عليها إسم أويمياكون التى تعد و بدون أى مبالغه أبرد بقعة يعيش فيها الانسان على سطح الأرض بعد أن سجلت أرقاما قياسيه فى انخفاض درجات الحرارة التى تجعل الحياة فيها تكاد تكون شبه مستحيله و لا يستطيع أى أحد من بنى البشر تحملها .
و تعد ” اويمياكون ” بلدة صغيرة تقع فى منطقة ” أويمياكونسكى ” في جمهورية “سخا” الروسيه على مرتفعات ” يانا أويمياكون ” على طول نهر ” انديجيركا ” و يوجد بجانبها واديان رئيسيان يعملان على حبس الرياح بداخل القريه و هو امر يعمل على خلق مناخً أكثر برودة معظم أيام السنة و هى منطقة معروفة بتساقط الثلوج عليها بشكل متكرر في الربيع و الخريف و نادرًا في الصيف والشتاء حيث تكون درجة الحرارة فيها صيفا بمتوسط 23 درجة مئويه أما شتاء فتصل فيها درجات الحرارة الى معدلات غير مسبوقه قد تصل الى متوسط -55 درجة مئوية بشكل يجعلها أبرد مستوطنة مأهولة بشكل دائم على وجه الأرض لذلك فليس بالغريب ان يقيم بها عدد محدودا من السكان الذين وصل عددهم الى 900 نسمة مقسمين بين السكان الأصليين للمنطقه و المعروفين باسم “الياكوت” و بعض من الروس و الأوكرانيين الذين انتقلوا للعمل فيها خلال الحقبة السوفيتيه و استقروا بها حيث يعمل معظم سكانها فى تجارة الفراء و الصيد على الجليد كما تتميز تلك البلدة و نتيجة وقوعها على بعد مئات الأميال من الدائرة القطبية الشماليه باختلاف سطوع ضوء النهار فيها بشكل كبير على مدار العام حيث يصل إلى ما يقارب ثلاث ساعات في فصل الشتاء و 21 ساعة في الصيف.
و نظرا لمناخ ” اويمياكون ” القاسى فيعتبر السفر اليها بغرض السياحه امرا غير واردا الا من اعداد محدودة للغايه منهم المصور النيوزلاندى ” أموس تشابل ” الذى قام برحلة استكشافية جريئة إليها لتوثيق حياة سكان المنطقة بها بعد جاء اليها من مدينة ” ياكوتسك ” عاصمة جمهورية سخا فى رحلة استمرت ليومين عبر مجموعة من الشاحنات و المشي لمسافات طويلة و الذى عند وصوله صُدم بالصمت الموجود في المدينة و فراغ شوارعها من السكان نظرا لأنه كان يتوقع تواجدهم فيها بشكل طبيعى لاعتيادهم على تلك الحياه و لكن بدلاً من ذلك كان الناس شديدى الحذر من البرد و يجرون بسرعة الى منازلهم الدافئه حيث أمضى ساعات يتجول في شوارع القرية و كان رفاقه فى تلك الجوله هم كلاب الشوارع أو السكارى الا انه تفهم تلك النقطة لاحقا بعد أن أدرك مدى و أبعاد خطورة البرد القارص لأنه إذا خرج انسان من دون ملابس فى احد الأيام العادية فى البلده فسوف يستغرق الأمر ما يقرب من دقيقة واحدة حتى يموت متجمدا كما أنه عانى كثيرا من أجل التقاط مجموعة من الصور لانخفاض حرارة الكاميرا التى كان يصحبها معه لتوثيق رحلته حتى التجمد لذلك كان مضطرا الى وضعها داخل ملابسه و لا يخرجها الا عند التصوير مع التأكد من حبس انفاسه حتى لا يخرج البخار من فمه و يفسد الصورة الملتقطة و فى احدى المرات حين حاول خلع قفازه سريعا و هو بالخارج تجمد أصبع ابهامه و بدء فى التقشر كما و لو انه مصاب بحروق فى الجلد .
اقرأ أيضا : قبو يوم القيامة .. مبنى حيوى يقبع بالقرب من القطب الشمالى لضمان مستقبل البشرية و أمن الغذاء العالمى
و تحتوى قرية ” أويمياكون ” على متجر واحد فقط و يوجد أيضًا مكتب بريد و بنك و محطة وقود و حتى مطار صغير يكون خارج الخدمة فى فصل الشتاء كما أن القرية لديها مدارسها الخاصة و على عكس الأماكن الأخرى حول العالم فلا تفكر تلك المدارس في الإغلاق ما لم ينخفض الطقس إلى أقل من -55 درجة مئويه كما يحتوى كل مبنى بها على أساسات متينة تحت الأرض لمسافة كافيه و ذلك لمواجهة عدم استقرار التربة الصقيعية التي يبلغ عمقها أربعة أمتار حال ذوبانها فى اى وقت من العام و هو ما يشكل تهديدا لسلامة المبنى كما أن العيش في أبرد مكان مأهول على وجه الأرض له بعض من العيوب الأخرى تتمثل فى الحمامات التى تكون فى الغالب خارجية لأن السباكة الداخلية تمثل تحديًا كبيرا لسكانها بسبب تجمد المياه داخل المواسير كما أن السكان الذين يمتلكون سيارات عليهم بتركها تعمل بالخارج حتى لا تتجمد محركاتها و في بعض الأحيان يكون من الضروري اتخاذ تدابير أكثر تطرفا مثل اصطحاب قاذفات لهب لتكون من ضمن ادوات السيارة لاذابة الجليد الذى يتكون حول اجزائها كما ان من اكبر المشاكل التى تواجه سكان تلك البلدة هى فى حالة وفاة احد منهم حيث يكون عليهم القيام بتدفئة الأرض بالنيران لعدة أيام قبل دفن الجثمان تجنبا لتجمدها داخل التابوت .
و بالنسبة لسكان ” أويمياكون ” فهم يشربون “روسكي تشاي” و التي تعني حرفياً “الشاي الروسي” و هذا هو المصطلح الخاص بهم الذى يطلقونه على شراب “الفودكا” حيث يعتقدون أنه يساعدهم على الدفء في البرد بجانب الملابس الثقيلة و نظرا لأن مناخ البلدة بارد جدا فهو لا يسمح بزراعة المحاصيل بها من أي نوع لذا فإن النشاط الوحيد الذى يمارس هو رعى الماشية و حتى ذلك ليس أمر بالسهل نظرا الى أنه يجب على المزارعين توخي الحذر في أن تبقى حيواناتهم دافئة و أن يحصلوا لهم على مياه غير متجمدة للشرب و نتيجة لعدم وجود محاصيل زراعية فيعتمد طعامهم على اللحوم بشكل رئيسى حيث يتناولون لحوم حيوان الرنة بكثافه مع أطباق المكرونة و قطعً مجمدة من دماء الخيول بالإضافة إلى طبق ياكوتيان للأسماك المجمدة .
و نظرا لتميز بلدة ” أويمياكون ” بالبرد الشديد فيوجد نصب تذكاري حول ساحتها لإحياء ذكرى قراءة غير رسمية سجلت فيها بشهر يناير عام 1924 و التى بلغت -71.2 درجة مئوية بينما في 6 من فبراير عام 1933 تم تسجيل درجة حرارة وصلت الى -67.7 درجة مئوية في محطة الأرصاد الجوية بأويمياكون و كانت هذه تقريبًا هى أبرد درجة حرارة مسجلة رسميًا في نصف الكرة الشمالي كله .