بحيرة تيتيكاكا هي أعلى بحيرة صالحة للملاحة تجاريًا في العالم و تقع على إرتفاع 3812 مترًا فوق مستوى سطح البحر و تعد أكبر بحيرة للمياه العذبة في أمريكا الجنوبية و تتواجد بالسهول المرتفعة في جبال الأنديز على حدود بيرو و بوليفيا حيث ينتمي الجزء الغربي من البحيرة إلي منطقة بونو في بيرو بينما ينتمي الجانب الشرقي في مقاطعة لاباز البوليفية و هي تتكون من حوضين فرعيين منفصلين تقريبًا يرتبطان بمضيق تيكوينا الذي يبلغ عرضه 800 متر عند أضيق نقطة و يبلغ متوسط عمق الحوض الفرعي الأكبر 135 مترًا و أقصى عمق 284 مترًا بينما يبلغ متوسط عمق الحوض الفرعي الأصغر 9 أمتار و الحد الأقصى للعمق 40 مترًا و هي تمثل أهمية كبيرة لدولة بوليفيا تحديدا حيث تستخدمها قواتها البحرية من إجل إجراء عدد من التدريبات للمحافظة علي وجود قوة بحرية نشطة نظرا لانها دولة حبيسة لا تطل علي بحار أو محيطات .
و أصل تسمية بحيرة تيتيكاكا غير معروف لكن تمت ترجمتها إلى “صخرة الأسد الأمريكي ” بسبب تشابهها مع شكل الأسد الأمريكي الذي يصطاد أرنبًا كما تترجم أيضا بإسم “صخرة الرصاص” و لكن أي كان التسمية فقد بدأت تستغل في أعمال الملاحة المتعارف بها الأن عام 1862 بعد تصنيع أول سفينة بخارية في ” إنجلترا ” و نقلها على شكل قطع علي ظهر بغال حتى البحيرة و اليوم تقوم السفن بعمليات عبور منتظمة من منطقة ” بونو ” على الشاطئ البيروفي إلي ميناء جواكي البوليفي الصغير المربوط بخط سكك حديدي مع العاصمة البوليفية ” لاباز ” و علي الجانب الأخر يمتد ثاني أعلى خط سكة حديد في العالم من ” بونو ” نزولاً إلى المحيط الهادئ و هو ما يخلق رابطًا مهمًا مع البحر لدولة ” بوليفيا ” غير الساحلية .
جغرافيا .. يصب في بحيرة تيتيكاكا أكثر من 25 نهرًا و تضم 41 جزيرة بعضها مكتظ بالسكان كما تتغذي أيضا من الأمطار و المياه الذائبة من الأنهار الجليدية الموجودة على الجبال المتاخمة لنهر ألتيبلانو و يصرف نهر واحد صغير و هو ديساجواديرو بعض من مياه البحيرة عند نهايته الجنوبية و هو نهر يتدفق جنوبًا عبر ” بوليفيا ” إلي بحيرة ” بوبو ” و يفرغ هذا المنفذ الوحيد خمسة بالمائة فقط من المياه الزائدة بالبحيرة بينما يضيع الباقي نتيجة التبخر تحت أشعة الشمس الحارقة و الرياح القوية لمنطقة ألتيبلانو الجافة .
و يتقلب مستوى بحيرة تيتيكاكا موسميا على مدى دورة من السنوات فخلال موسم الأمطار من ديسمبر إلي مارس يرتفع مستوى البحيرة ثم ينحسر خلال أشهر الشتاء الجافة و كان يُعتقد سابقًا أن بحيرة تيتيكاكا كانت تجف ببطء و لكن يبدو أن الدراسات الحديثة بدأت في دحض ذلك حيث توجد دورة منتظمة إلى حد ما من الإرتفاع والإنخفاض في المنسوب و هي ذات مياه شفافة و قليلة الملوحة خيث تتراوح ملوحتها من 5.2 إلي 5.5 جزء في الألف و يبلغ متوسط درجات الحرارة السطحية لها 14 درجة مئوية من خط حراري علي إرتفاع 20 مترًا ثم تنخفض إلي 11 درجة مئوية في الأسفل و تظهر تحليلات كميات قابلة للقياس من الماء إحتوائها علي كلوريد الصوديوم و كبريتات الصوديوم و كبريتات الكالسيوم و كبريتات المغنيسيوم .
و تتكون أسماك بحيرة تيتيكاكا بشكل أساسي من نوعين و هم أسماك كيليفيش و هي سمكة صغيرة عادة ما تكون مخططة أو مخططة باللون الأسود وسمك السلور و في عام 1939 و ما بعده تم إدخال أسماك التراوت كما يعيش فيها الضفدع الكبير ” تيلماتوبيوس ” الذي قد يصل طوله إلى 30 سنتيمترا تقريبا في المناطق الضحلة من البحيرة .
جيولوجيا .. تعتبر منطقة ألتيبلانو التي تعني بالإسبانية السهل المرتفع هي المنطقة الأكثر إتساعا وسط جبال الأنديز كما أنها هي المنطقة الأكثر إتساعًا علي وجه الأرض خارج التبت و في نهاية عصر البليستوسين كان كامل منطقة ألتيبلانو مغطاة ببحيرة شاسعة و هي ” باليفيان ” و البقايا الحالية منها هي بحيرتي تيتيكاكا و بوبو و الأخيرة بحيرة مالحة تمتد جنوب أورورو في ” بوليفيا ” و التي تكونت من مسطحان ملحيان كبيران و هم سالار دي أويوني و سالار دي كويباسا الذان تشكلا بعد جفاف بحيرات ألتيبلانو القديمة .
مناخيا .. مناخ منطقة ألتيبلانو بارد و يتراوح ما بين شبه جاف إلى جاف مع متوسط درجات حرارة سنوية تتراوح بين 3 درجات مئوية بالقرب من سلسلة الجبال الغربية إلى 12 درجة مئوية بالقرب من بحيرة تيتيكاكا و يبلغ إجمالي هطول الأمطار السنوي أكثر من 800 ملم بالقرب من بحيرة تيتيكاكا و فوقها .
و تشتهر بحيرة تيتيكاكا بعدد سكانها الذين يعيشون في مجموعة من الجزر أبرزها ” أوروس ” و هي مجموعة من حوالي 43 جزيرة إصطناعية مصنوعة من القصب العائم و كان الغرض من بنائها بالأساس دفاعيًا حيث كانوا ينتقلون من واحدة إلي أخري حال وجود أي تهديد لهم لذلك أصبحت تلك الجزر حاليا منطقة جذب سياحي رئيسية حيث تستقطب رحلات إستكشافية من مدينة ” بونو ” الواقعة على ضفاف البحيرة و يرجع تسمية تلك الجزر إلي شعب ” أوروس ” الذي تواجد قبل حضارة الإنكا و لا يزال هناك حوالي 3000 من أحفادهم على قيد الحياة اليوم على الرغم من أن بضع مئات فقط هم من مازلوا يعيشون في الجزر و يحافظون عليها أما الباقين فقد أنتقل معظمهم إلى البر الرئيسي و تؤوي الجزر الأكبر حجمًا حوالي عشر عائلات في حين أن الجزر الأصغر حجمًا التي يبلغ عرضها حوالي 30 مترًا فقط عائلتين أو ثلاث عائلات و هناك حوالي طفلين أو ثلاثة أطفال في كل عائلة و يتم التعليم المبكر في عدة جزر بما في ذلك مدرسة تقليدية و مدرسة تديرها كنيسة مسيحية أما الأطفال الأكبر سنًا و طلاب الجامعات فيذهبون إلى المدارس في البر الرئيسي و غالبًا ما يكون ذلك في مدينة بونو القريبة .
و تصنع جزر ” أوروس ” من قصب توتورا الذي ينمو في البحيرة و هو نبات ذات جذور كثيفة يتم تثبيته بحبال متصلة بعصي مدفوعة في قاع البحيرة و نظرا لأن القصب الموجود في قاع الجزر يتعفن بسرعة كبيرة فيتم إضافة قصب جديد إلى الأعلي بإستمرار و هذا مهم بشكل خاص في موسم الأمطار حيث يتحلل القصب بشكل أسرع كما يعتمد الكثير من النظام الغذائي و الأدوية الخاصة بشعب أوروس أيضًا حول ذلك القصب فعندما يتم سحب القصبة يتم تناول قاعها الأبيض للحصول على اليود و هو ما يمنع الإصابة بتضخم الغدة الدرقية , و كما يعتمد شعب الأنديز على أوراق الكوكا للتخفيف من المناخ القاسي و الجوع فيعتمد شعب أوروس على قصب توتورا حيث يقومون بلفه حول المكان الذي يشعرون فيه بالألم و يصنعون منه أيضًا شاي زهرة القصب.
و بجانب الأسماك يصطاد سكان جزر ” أوروس ” من بحيرة تيتيكاكا الطيور مثل النوارس و البط و طيور النحام و يرعون ماشيتهم و يديرون أكشاكًا حرفية تستهدف العديد من السياح الذين يهبطون في عشر جزر كل عام و يقايضون قصب توتورا في البر الرئيسي في بونو للحصول على المنتجات التي يحتاجونها مثل الكينوا أو غيرها من الأطعمة و يتم طهي طعامهم بالنار الموضوعة على أكوام من الحجارة و لا يرفض أفراد عائلة أوروس التكنولوجيا الحديثة فبعض القوارب بها محركات و بعض المنازل بها ألواح شمسية لتشغيل الأجهزة مثل التلفزيون كما أن الجزيرة الرئيسية موطن لمحطة راديو FM يديرها شعب أوروس و التي تبث الموسيقى لعدة ساعات يوميًا .
كما توجد جزيرة أخري هامة في بحيرة تيتيكاكا و هي أمانتاني و يسكنها المتحدثين بلغة الكيشوا و يعيش فيها حوالي ثمانمائة أسرة في ست قرى على الجزيرة الدائرية التي تبلغ مساحتها 15 كيلومترًا مربعًا و يوجد فيها قمتان جبليتان تسمي الاولي باتشاتا (الأرض الأب) و باشاماما (الأرض الأم) و أطلال قديمة علي كلا القمتين بالإضافة إلي سفوح تلال ترتفع من البحيرة مزروعة بالقمح و البطاطس والخضروات و يتم عمل معظم الحقول الصغيرة يدويًا و تقسم الأسوار الحجرية الطويلة الحقول و ترعى الماشية و الأغنام علي سفوح التلال و لا توجد سيارات بتلك الجزيرة و يبيع عدد قليل من المتاجر الصغيرة السلع الأساسية كما توجد عيادة صحية و مدرسة و يتم إنتاج الكهرباء بواسطة مولد و يقتصر عمله على بضع ساعات كل يوم و نظرا لعدم وجود فنادق علي الجزيرة فتفتح بعض العائلات منازلها للسياح للمبيت و تقدم لهم وجبات الطعام المطبوخة و عادةً ما يحضر الضيوف المواد الغذائية الأساسية (زيت الطبخ و الأرز و السكر) كهدية أو لوازم مدرسية للأطفال و يقيم سكان الجزيرة عروض رقص تقليدية ليلاً للسياح و يعرضون عليهم ارتداء ملابسهم التقليدية حتى يتمكنوا من المشاركة .
و علي بحيرة تيتيكاكا تقع جزيرة ” إيسلا ديل سول ” أو ( جزيرة الشمس ) الموجودة على الجانب البوليفي منها و توجد وصلات منتظمة بالقارب من و إلي مدينة كوباكابانا البوليفية و هي واحدة من أكبر جزر البحيرة و في أساطير الإنكا ظهرت بعض المؤشرات على أن ذلك المكان هو الذي نشأوا فيه كما توجد العديد من آثار الإنكا المهمة في الجزيرة و يعتمد إقتصادها بشكل أساسي على عائدات السياحة لكن زراعة الكفاف و صيد الأسماك تمارس على نطاق واسع.