يمتلئ التاريخ الرياضي بقائمة طويلة تحمل أسماء لاعبين عظماء من بينهم إمراءة نظر إليها الكثيرين بإعتبارها أعظم رياضية في القرن العشرين و هي بابي ديدريكسون التي لم تترك بصمتها في لعبة واحدة فقط بل في العديد منها حيث سيطرت على لعبة الجولف و تفوقت في عدد من ألعاب القوي و كرة السلة و التنس و البيسبول و ركوب الدراجات و السباحة و الملاكمة و حين قررت خوض غمار بطولة الألعاب الأولمبية عام 1932 نجحت في التتويج بثلاثة ميداليات أولمبية في مسابقات الحواجز و الوثب العالي و رمي الرمح و ليس هذا فحسب بل سجلت رقمين قياسيين عالميين و تصبح الرياضية الوحيدة عبر العصور التي تتوج في ثلاثة لعبات مختلفة بنفس البطولة .
ولدت ” ميلدريد إيلا ديدريكسون ” عام 1911 بـ “بورت آرثر ” بولاية تكساس في ” الولايات المتحدة ” و خلال طفولتها أظهرت كفاءة مبكرة في رياضة ” البيسبول ” خاصة بعد أن حققت النجاح في خمسة أشواط بمباراة واحدة و بلغت حد مهارتها إلي قيام زملائها بمقارنتها بأسطورة البيسبول حينها “بابي روث ” و رغم أنه كان من الصعب علي الفتيات ممارسة الرياضة في ذلك التوقيت إلا أن ” بابي ديدريكسون ” عرفت أين تكمن مهارتها و عندما بلغت 12 عامًا بدأت تحلم بأن تصبح أعظم رياضية في العالم بعد أن أنتقل شغفها من لعبة البيسبول إلي كرة السلة خيث أظهرت فيها براعة كبيرة أثارت إعجاب شركة Employers Casualty Company لدرجة أنهم عينوها كسكرتيرة بها حتى تتمكن من اللعب لفريق كرة السلة التابع لشركتهم .
و خلال مسيرتها الرياضية في لعبة كرة السلة لم تقود ” بابي ديدريكسون ” فريقها للفوز بالبطولة الوطنية لإتحاد الرياضيين الهواة عام 1931 فحسب بل بدأت أيضًا في ممارسة رياضة الجري على المضمار و من حسن حظها أن هذا قد قادها إلي إجراء الإختبارات الأولمبية عام 1932 و هو نفس العام الذي تمكنت فيه من إحراز البطولة الوطنية مجددا في لعبة كرة السلة و نجحت خلالها في إحراز 30 نقطة مع تسجيلها لأربعة أرقام قياسية عالمية و تمكنت في ذلك العام بالفوز في خمس من المسابقات الثمانية التي شاركت فيها و هو ما أعطاها ثقة كبيرة في قدراتها لدرجة أنها كانت تظهر و تقول ” بابي هنا اليوم فمن يا تري الذي سيحل في المركز الثاني ” و في نفس العام أيضا حصلت على مكان في دورة الألعاب الأولمبية عام 1932 و هو ما سمح لها بإظهار مهاراتها علي الصعيد العالمي .
و خلال مشاركة ” بابي ديدريكسون ” في الأولمبياد و رغم تأهلها لخمسة أحداث منها إلا أنه لم يكن بإمكان النساء التنافس إلا في ثلاثة فقط لذلك اختارت لعبة رمي الرمح و العدو 80 مترًا حواجز و الوثب العالي و نجحت في الهيمنة علي كل رياضة منهم حيث فازت بالميدالية الذهبية في لعبة رمي الرمح برمية قطعت مسافة 43.69 مترًا و بعد بضعة أيام فازت بالميدالية الذهبية مجددا بعد أن سجلت رقما قياسيا عالميا قدره 11.8 ثانية خلال سباق 80 مترا حواجز و كادت أن تفوز بالميدالية الذهبية في لعبتها الأخيرة أيضا و هي الوثب العالي بعد أن تعادلت مع منافستها “جان شيلي” لكن الحكام حكموا بشكل خاطئ أن أسلوب ” بابي ديدريكسون ” في القفز ينتهك القواعد و حصلت علي المركز الثاني و مع ذلك رغم حصولها علي الميدالية الفضية إلا أنها انهت الألعاب الأولمبية كنجمة متألقة حيث لم يسبق لأحد من قبل أن فاز بميداليات متعددة في مسابقات رمي الرمح و الحواجز و الوثب العالي و لا حتي من بعد .
و رغم الإشادات التي حصلت عليها ” بابي ديدريكسون ” من قبل النقاد الرياضيين و الصحافة إلا أنها تعرضت أيضا لعدد من الأراء السلبية حيث قال أحد الكتاب عنها ساخرا في صحيفة النيويورك تايمز بأنه سيكون من الأفضل بكثير لو بقيت هي و أمثالها في المنزل و القيام بتجميل أنفسهن و إنتظار رنين الهاتف و مع ذلك لم تهتم ” بابي ديدريكسون ” بمنتقديها و عندما سئلت عما إذا كانت هناك أي رياضة لم تمارسها ردت قائلة و بسخرية أيضا : “نعم هناك رياضة اللعب بالدمى ” و لكن علي أي حال بعد هيمنتها علي بطولة الألعاب الأولمبية بدأت في التطلع إلي رياضة جديدة ألا و هي لعبة الجولف .
و مع بدء ” بابي ديدريكسون ” ممارسة لعبة الجولف سرعان ما أصبحت لها الهيمنة فيها حيث فازت عام 1935 بلقب بطولة تكساس للهواة الخاصة بالسيدات و هو الأمر الذي دفع إتحاد الجولف الأمريكي لتقديم شكوي بأنه من أجل مصلحة اللعبة لا ينبغي إعتبار الرياضي الأولمبي أحد الهواة على الإطلاق و هو ما أجبرها علي اللعب في فئة المحترفين حيث تقابلت في إحدي تلك البطولات التي نظمت عام 1938 بالمصارع ” جورج زهارياس ” و بحلول نهاية العام كانت قد تزوجته و بعدها أستمرت ” بابي ديدريكسون ” في شق طريقها نحو النصر و بحلول نهاية مسيرتها المهنية في لعبة الجولف كانت قد فازت بـ 55 انتصارًا و بثلاث بطولات أمريكية مفتوحة للسيدات ثم شاركت زوجها و آخرين في تأسيس جمعية السيدات المحترفات للجولف عام 1949 .
أقرأ أيضا : قصة اللاعبة جوديت بولجار أعظم لاعبة شطرنج عبر كل العصور
و بحلول عام 1953 بدأت السحب الداكنة في الظهور بحياة ” بابي ديدريكسون ” بعد أن بدأت تعاني من مرض غير قابل للشفاء و مع ذلك فازت ببطولة الولايات المتحدة المفتوحة للسيدات في العام التالي لكنها و للأسف لم تستطع إيقاف تطور المرض و في 27 سبتمبر عام 1956 توفيت الرياضية الأولمبية و بطلة الجولف عن عمر يناهز 45 عامًا فقط تاركة ورائها عدد لا يحصي من البطولات الرياضية و التكريمات حيث حصلت علي لقب “إمرأة العام” من قبل وكالة أسوشيتد برس ست مرات و لقب “المرأة الرياضية لنصف قرن” عام 1950 و في عام 1999 أي بعد أكثر من أربعين عامًا من وفاتها أطلقت عليها وكالة أسوشيتدبرس لقب أعظم رياضية في القرن العشرين .