تُعدُّ المحكمة الرياضية (CAS) واحدةً من أبرز الهيئات الدولية المتخصصة في فض النزاعات الرياضية من خلال التحكيم بعد تأسسها عام 1984 و يقع مقرها الرئيسي بمدينة لوزان في سويسرا و لها أفرع أيضًا بمدن نيويورك في الولايات المتحدة و سيدني في أستراليا إلي جانب محاكم مؤقتة تابعة لها تُنشأ في المدن المستضيفة لبطولة الألعاب الأولمبية و منذ تأسيسها تلعب تلك المحكمة دورًا حيويًا في ضمان العدالة الرياضية و التوفيق بين الأطراف المختلفة سواء كانوا رياضيين أو إتحادات رياضية أو منظمات دولية و حتي وقتنا الراهن أثبتت تلك المؤسسة كفاءتها في التعامل مع العديد من القضايا المتنوعة مثل المنشطات و الخلافات التعاقدية و القرارات التأديبية.
تاريخ المحكمة الرياضية
تأسست المحكمة الرياضية علي يد رئيس اللجنة الأولمبية الدولية الإسباني ” خوان أنطونيو سامارانش ” عام 1984 حيث جاء تأسيسها في ظل تزايد التداخل بين الرياضة و السياسة و الحاجة إلي هيئة مستقلة لحل النزاعات الرياضية و كانت تلك المؤسسة في البداية جزءًا من اللجنة الأولمبية الدولية إلا أن قضايا مثل جوندل التي كانت ضد الإتحاد الدولي للفروسية عام 1992 قد أثارت تساؤلات حول مدي حياد المحكمة بسبب إرتباطها الوثيق باللجنة الأولمبية و نتيجة لذلك بدء العمل علي إجراء إصلاحات جذرية أدت إلي إنشاء “المجلس الدولي للتحكيم الرياضي” (ICAS) لتولي إدارة و تمويل تلك المؤسسة بشكل عزز من إستقلاليتها التامة .
الهيكل التنظيمي للمحكمة
يدير المحكمة الرياضية المجلس الدولي للتحكيم الرياضي (ICAS) و الذي يتألف من 20 عضوًا حيث يتولي ذلك المجلس مسؤولية تمويل المحكمة و تعيين مديرها العام و يرأس المجلس و المحكمة رئيس واحد من أجل ضمان التنسيق بين الجهتين و هي تضم 422 محكمًا حول العالم من بينهم 216 محكمًا من أوروبا بالإضافة إلي 52 وسيطًا متخصصًا في القضايا الرياضية .
إختصاصات المحكمة الرياضية وآلية عملها
1. الاختصاص القضائي
يمكن تقديم النزاعات إلي تلك المؤسسة إذا تم الإتفاق بين الأطراف علي ذلك مسبقًا من خلال عقد أو إتفاقية و وفقًا للقانون 61 من الميثاق الأولمبي فتُحال جميع النزاعات المتعلقة بالألعاب الأولمبية إلي تلك المحكمة كما أن جميع الإتحادات الرياضية الدولية الأولمبية تعترف بإختصاصها في حل بعض النزاعات .
2. قضايا المنشطات
تلعب دورًا محوريًا في قضايا مكافحة المنشطات فمنذ تطبيق “المدونة العالمية لمكافحة المنشطات” عام 2009 أصبحت هي الجهة المختصة بالنظر في جميع إنتهاكات قواعد المنشطات و في عام 2016 أُنشئ ضمن المحكمة قسم خاص بالمنشطات للنظر في القضايا المتعلقة بالألعاب الأولمبية و هو ما أدى إلي شغل دور لجنة الإنضباط التابعة للجنة الأولمبية الدولية.
3. الاستئناف
تُعتبر المحكمة الفيدرالية السويسرية هي الجهة الوحيدة التي يمكن إستئناف قرارات المحكمة الرياضية أمامها و لكن نادرًا ما يتم قبول هذه الإستئنافات بسبب إقتصار أسباب الإستئناف غالبًا علي المسائل الإجرائية و مدى توافق القرار مع النظام العام .
قضايا بارزة نظرتها المحكمة الرياضية
1. قضايا المنشطات
- قضية أندريا رادوكان: تناولت المحكمة قضية لاعبة الجمباز الرومانية ” أندريا رادوكان ” التي أثبتت الفحوصات تعاطيها لعقار محظور بسبب تناولها أدوية للزكام وصفها طبيبها و كان قرارها النهائي هو سحب ميداليتها الذهبية مؤكدًة علي أهمية الإلتزام الصارم بقواعد مكافحة المنشطات.
- الرياضيون الروس: بعد صدور تقرير ماكلارين بشأن برنامج تعاطي المنشطات الممنهج في ” روسيا ” حظرت المحكمة مشاركة العديد من الرياضيين الروس في أولمبياد 2016 كما أيدت قرار اللجنة البارالمبية الدولية بحظر ” روسيا ” من المشاركة في الألعاب البارالمبية.
2. النزاعات التعاقدية
- قضية ماتوزاليم: ألغت المحكمة الفيدرالية السويسرية عام 2012 قرار المحكمة الرياضية بشأن لاعب كرة القدم البرازيلي ” ماتوزاليم ” الذي اتُهم بخرق عقده مع ناديه في سابقة نادرة لإلغاء حكم علي أساس موضوعي.
3. قضايا المساواة بين الجنسين
- قضية كاستر سيمينيا: تناولت المحكمة قضية العداءة الجنوب أفريقية ” كاستر سيمينيا ” المتعلقة بإختبارات تحديد الجنس و لاحقًا قضت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بأن الإجراءات المتبعة في القضية انتهكت حقوق سيمينيا.
أهمية المحكمة و تحدياتها المستقبلية
تلعب محكمة التحكيم الرياضية دورًا جوهريًا في حماية النزاهة الرياضية وضمان العدالة بين الأطراف المتنازعة من خلال الأحكام الصادرة عنها بعد أن تمكنت من تعزيز مكافحة المنشطات و تسوية النزاعات التعاقدية بطريقة عادلة و ضمان حماية حقوق الرياضيين علي الرغم من مواجههتها للكثير من التحديات أبرزها تزايد قضايا تعاطي المنشطات و العمل علي ضمان إستقلاليتها وسط الضغوط السياسية و الرياضية و معالجة قضايا المساواة و التنوع بشكل أكثر شمولية و لكن رغم تلك المصاعب تظل ركيزة أساسية في النظام الرياضي العالمي و في طليعة الجهات المعنية بحماية العدالة و النزاهة رغم زيادة تعقيد قضاياها .