تمتلئ الحرب العالمية الثانية بالعديد من العمليات العبقرية التى قامت بها أجهزة مخابرات الدول المشاركة من كلا الجانبين و نظرا لتحقيق بعض من تلك التكتيكات لأهدافها المرجوة منها فتدرس تفاصيلها حتى اللحظة فى العديد من المعاهد العسكرية و الإستخبارية حول العالم واحدة منها قامت بها أجهزة المخابرات البريطانية و أطلق عليها إسم كودى العملية بيرويج و هى عملية خداعية أستطاعوا من خلالها وضع خطة بالغة التعقيد لخلق حركات مقاومة وهمية داخل ألمانيا تهدف الى إسقاط النظام النازى و زعيمه أدولف هتلر و ذلك بغرض تشتيت أجهزة الامن المختصة و إضاعة وقتها فى مجهودات مكثفة من البحث و التحقيقات بلا طائل و كأنه كان فكر البريطانيين فى ذلك الوقت هو إذا لم تجد لك حلفاء فى الداخل الألمانى فلما لا تصنعهم .
فمع اندلاع الحرب كانت المخابرات البريطانية تدرك أنه من المستحيل عمليا إنشاء حركة مقاومة حقيقية في “المانيا” نظرًا لكفاءة أجهزة الأمن الألمانية و أساليبها الاحترافية فى المراقبة و المتابعة لذلك فقد كان ليس من السهل محاولة إنشاء تلك الحركات خاصة و أن جميع العملاء البريطانيين المنتشرين فيها قد بدأوا فى التساقط بعد إلقاء القبض عليهم و إعتقالهم لذلك و فى احد الإجتماعات التى ضمت اعضاء من جهاز الحرب السياسية البريطانى (PWE) و جهاز المخابرات السرية (SIS) تم الإتفاق على وضع خطة لابتكار حركة مقاومة وهمية داخل الأراضى الألمانية و أطلق عليها اسم ” العملية بيرويج ” و كان الهدف منها هو إشراك أجهزة الأمن الألمانية في أنشطة غير مجدية عمليًا من أجل تعقب مقاتلي تلك المقاومة المزعومه و خلق حالة من الارتباك فى أوساطها كما كان من المأمول أيضًا من تلك العملية أن يتم الحصول على أى دعم حتى و ان كان معنوى من قبل السكان الألمان تجاه تلك الأنشطة حتى و أن كانت وهمية .
و بحلول نوفمبر عام 1944 وضع مخططى ” العملية بيرويج ” ثمانية سيناريوهات مختلفة لحركة المقاومة الافتراضية حيث أفترضوا أنهم سوف يكونوا أعضاء من داخل الجيش الألمانى و الحزب النازي و البرلمان و الشرطة و الكنيسة الكاثوليكية الرومانية و عمال المصانع و التعدين و عدد من الانفصاليين و غيرهم كما كان من المقرر أن يكون مقر حركة المقاومة الرئيسى في “برلين” و وضع مدن “جدانسك” و “دريسدن” و “هامبورج ” و “نورمبرج ” و مدن مهمة أخرى في “ألمانيا” كمواقع أخرى لخلايا المقاومة و يتم توصيل جميع تلك الخلايا ببعضها البعض من خلال اتصالات شخصية و منتظمة اضافة الى انه سيكون هناك فرعا لحركة تلك المقاومة المزعومة في “لندن” و تكون على اتصال دائم بالمقر الرئيسي في “برلين” بطرق متنوعة و بعد ذلك ستكون هناك حركات مقاومة افتراضية أخرى و يتم وضع إجراءات مماثلة لها مع تكثيف الشائعات فى الجرائد الانجليزيه حول انشطة تلك الحركات التى تتم تحت رعاية الحلفاء .
و مع اقتراب تنفيذ ” العملية بيرويج ” بشكل عملى في يناير عام 1945 أثيرت بعض من المخاوف حولها من قبل جهاز المخابرات السرية حيث كانت تخشى أن يحدث بعض من التضارب بين المجموعات الوهمية داخل تلك العملية و المجموعات الحقيقة المناهضة للنازية و الموجودة بالفعل على الأرض في “المانيا” و لكن مع تبديد تلك المخاوف و في منتصف فبراير تم اعطاء الضوء الأخضر لتنفيذها و التي بدأت برسائل لاسلكية يتم توصيلها إلى “المانيا” و تقديم معلومات مضللة عن قصد إلى عملاء مزدوجين معروفين و اعتبارًا من 21 من فبراير تم إسقاط الحاويات الأولى التي تحتوي على أسلحة و إمدادات و مواد إعلامية مزورة لخلايا المقاومة المزعومة بالطائرات فى مناطق محددة فى الداخل الألمانى الا أنه تم تعليق هذه العمليات اعتبارًا من منتصف مارس لخشية القيادة العليا لقوات الاستطلاعات المتحالفة أن تسئ أجهزة الأمن الألمانية فهم مضمون تلك الحاويات و تظن انها بغرض استخدامها من قبل أسرى حرب الحلفاء الموجودين فى معسكرات بالقرب من مناطق الإسقاط تلك و بالتالى سيمثل ذلك الأمر خطورة على حياتهم لأن الألمان سوف يقومون بتصفيتهم كإجراء احترازى .
و خلال الفترة ما بين أوائل إلى منتصف أبريل عام 1945 أستؤنفت ” العملية بيرويج ” مجددا و أسقط عدد من أسرى الحرب الألمان الجديرين بالثقة و تم تجنيدهم كعملاء على الأراضي الألمانية بغرض أداء بعض من الأنشطة التآمرية المختلفة لخلايا تلك المقاومة المزعومة حيث لم يكونوا على علم بعدم وجود تلك الحركة على أرض الواقع و أن الأمر مجرد خدعه و لمزيد من الدعم الى ” العملية بيرويج ” تولى جهاز الحرب السياسية بعض المهام المتعلقة بطباعة المواد الدعائية خاصة بعد إنشاء خلية مقاومة جديدة تسمى “الحصان الأحمر” حيث قام الجهاز بطباعة و توزيع المواد المطبوعة لتلك المقاومة المزعومة التى كان الهدف المعلن لها هو إعدام كبار الموظفين النازيين و من أجل جذب المزيد من الانتباه إليها بين السكان الألمان تم تكليف العملاء البريطانيين بوضع رمز الحصان الاحمر على العديد من المباني بينما تم إرسال بطاقات بريدية تحمل نفس الشعار إلى الألمان البارزين و التي تحتوي على نصوص تهديد و دعوة الى الانتحار حيث يطلب من المتلقين ذلك لأنه سيكون أكثر شرفا له من أن يتم تصفيته على أيديهم .
و لم تكتفى ” العملية بيرويج ” بذلك الأسلوب الخداعى فقط بل كان لها إجراء نهائي تمثل فى خطة استثنائية لاستخدام الحمام الزاجل كمساعدين للتجسس من خلال جمع أكبر قدر منهم و وضع فى ساق كل واحدة كبسولة صغيرة تحتوى على استبيان و قلم رصاص و تعليمات لضمان عودة الحمام بأمان الى ” المملكة المتحدة ” ثم يتم تعبئة الحمام في حاويات ملحقة بالمظلات و إسقاطها فوق أراضي العدو بهدف أن يهبط الحمام في المدن الألمانية بشكل يجعل المواطنين الألمان من السهل العثور عليهم و الإجابة على الأسئلة الموجودة فى الاستبيان لتعود بعدها إلى موطنها بالمعلومات المكتوبة مثل وجود قوات ألمانية بالقرب من مكان الاسقاط و فى يوم 4 من أبريل عام 1945 تم التنفيذ و كان من إجمالي 330 حمامة تم استخدامها عاد تسعة فقط إلى “إنجلترا ” و سافر اثنان إلى “فرنسا” و من بين الحمام الذي تم إرجاعه احتوت خمسة كبسولات على رسائل عودة كانت منها واحدة فقط مفيدة .
أقرأ أيضا : العملية مينسميت .. الرجل الذى ساهمت وفاته فى خداع الألمان و تغيير مسار الحرب العالمية الثانية
و بشكل عام و على الرغم من إرهاق تلك الخطة لأجهزة الأمن الألمانية الا أنه يعتبر المراقبين “العملية بيرويج ” فاشلة نظرا الى أن الإجراءات التى تم اتخاذها بخصوصها خلال الحرب كانت متأخرة جدًا حيث يروا أنه اذا كان هناك تخطيط مبكر لها مع اعطاء الحرية الكاملة للقائمين عليها فى الاجرائات بجانب الحصول على الدعم الكافى من المؤسسات الاستخباراتية الأخرى كان من الممكن أن يكون لها إسهام كبير في الإطاحة بالنظام النازي .