منذ أن خلقنا الله على الأرض و دائما ما نؤمن بأن العلم يسير على قواعد ثابتة و أى ظاهرة تحدث من حولنا يكون لها تفسير علمي دقيق يشرح أسبابها و لكن فى نفس الوقت يجب أن نعترف بأن العالم به العديد من الظواهر الخارقة التى لا تستند على أى قواعد علمية لذلك دائما ما يقف العلماء أمامها حائرين لأنها تشكل تحديا للمنطق المتعارف عليه و لقوانين الطبيعة التى نعيش فيها و من بين أبرز تلك الظواهر التى نعجز عن تفسيرها حتى اللحظة هى الصخور العائمة التى تسبح على الرمال فى صحراء وادي الموت فى الولايات المتحدة و التى تسير كما لو كانت مثل القارب الذي يشق طريقه فى المياه .
و تتواجد ظاهرة الصخور العائمة في منتزه أو صحراء وادي الموت الوطني الموجود معظمه في الجزء الشرقي من أواسط ولاية “كاليفورنيا” و يمتد جزء منه إلى داخل ولاية “نيفادا” و يعتبر ذلك المكان هو الأكثر سخونة و جفافًا في قارة أمريكا الشمالية حيث يحصل سطحه القاحل على معدل قليل جدا من هطول الأمطار مما يجعله مكانًا غير صالح للسكن تقريبًا و مع ذلك توجد دلائل على وجود حياة فيه تتمثل فى السلاحف و ذئاب البراري و الحيوانات الأخرى التي إستطاعت أن تتكيف مع الحرارة و الجفاف و لكن بمزيد من التدقيق فى المكان سوف يكتشف شيئا أكثر غموضاً يستطيع التنقل عبر وادي الموت و هو ليس بحيوان او بكائن حي على الإطلاق ألا و هى الصخور العائمة .
و كان أول رصد لظاهرة الصخور العائمة عام 1915 حين زار أحد المنقبين و يدعى “جوزيف كروك” ذلك المكان و صدم مما شاهده حيث وصف رؤيته للصخور التي يصل قطر بعضها إلى نصف متر أنها تتجول عبر الصحراء بمفردها و مع إنتشار قصته توافد العلماء و الجيولوجيين من جميع أنحاء البلاد إلى وادي الموت لرؤية هذه الصخور المتجولة بأنفسهم من أجل دراستها و محاولة تفسير تلك الظاهرة التى اطلقوا عليها إسم ” الصخور العائمة ” و ذلك للطريقة التي تتحرك بها عبر رمال الصحراء تاركة دربًا خلفها و نماذج محفورة في الرمال كما لاحظ العلماء أيضا أن تلك الصخور لا تتحرك بعشوائية بل تتحرك بشكل متزامن حيث تترك الأحجار ذات الأسطح الخشنة مسارات مخططة مستقيمة بينما تميل الأحجار ذات الاسطح الملساء إلى التجول فى مسارات عشوائيه كما تتباين المسارات في كل من الإتجاه و الطول حيث تسير الصخور التي تبدأ بالحركة بجانب بعضها البعض بالتوازي لفترة ثم فجأة يتم تغيير إتجاهها إلى اليسار أو اليمين أو حتى العودة إلى الإتجاه الذي جاءت منه و الأكثر إثارة للدهشة هو السرعة التي تتحرك بها تلك الاحجار المبحرة فهى تبدء بالحركة لبضع سنتيمترات في اليوم الواحد و قد تصل الى أن تتحرك بسرعات تقترب من خمسة أمتار في الدقيقة الواحدة .
و لعقود حيرت الصخور العائمة و حركتها الغامضة العلماء و الجيولجيين و كان تساؤلهم الدائم هو كيف يمكن لهذه الصخور و التى بعضها ثقيل للغاية بشكل يصعب على الإنسان تحريكها أن تنزلق بسلاسة عبر سطح تلك الصحراء دون مساعدة من البشر أو الحيوانات؟ و كانت الفرضيات المبدأية تتمحور فى الرياح كتفسير محتمل مشيرة إلى أنه إذا كانت حركة الرياح قوية بما فيه الكفاية فإنه من الممكن أن تدفع الصخور عبر الوادى و أفترض بعض الجيولوجيين الاخرين أنه يعود الى قلة غزارة الأمطار فى ذلك المكان مشيرين إلى أنه تسبب فى تكوين تربة خاصة تسمح لتلك الصخور بالحركة و أفترض فريق ثالث مزيج من ذلك الإحتمالين .
و مع حلول عام 1972 قام جيولجيان و هم ” بوب شارب و دوايت كارى ” بإقامة مشروعا بحثيا لرصد تلك الأحجار بشكل أكبر تعمقا و على مدى سبع سنوات وضع ذلك الفريق علامات على تلك الأحجار و بدء فى تسجيل تقدمها و تتبع مساراتها و كشفت أبحاثهم أن معظم حركة تلك الاحجار العائمة جاءت خلال فصل الشتاء مما دفعهم إلى الإعتقاد بأنه ربما لعبت الثلوج دورًا فى ذلك الا أنه و لسوء الحظ كان عليهم إنهاء بحثهم قبل أن يتم التوصل إلى نتيجة نهائية و في أوائل التسعينيات تم إستكمال دراسة تلك الظاهره حيث كشف بحث إضافي أجراه طلاب من كلية هامبشاير و جامعة ماساتشوستس أن الحركة كانت بالفعل ناتجة عن الثلوج الا أنهم أضافوا أن الرياح كانت أيضًا عاملاً من أجل أن تبحر تلك الصخور العائمة و بالتالى أعتمدت حركة تلك الصخور على مزيج مثالي من الإثنين .
و بحلول الفترة ما بين عام 2009 إلى 2014 و مع الدراسات المدعمة بالأجهزة المتطورة تم التوصل الى الحل النهائى لتلك الظاهره حيث أكتشف الباحثين أن الثلوج بالفعل سبب فى ذلك لكن الأحجار العائمة تتحرك بمساهمة عامل آخر لم يفكر فيه أحد من قبل الا و هو الشمس و بدأوا فى تفسير الظاهرة و هو أنه في حالات نادرة و عندما تهطل الأمطار في وادي الموت يتم إمتصاص الماء و تخزينه بسرعة في الأرض و بحلول أشهر الشتاء و مع إنخفاض درجات الحرارة تتجمد المياه الجوفية المخزنة بالأسفل و ترتفع الى السطح مكونة طبقة رقيقة من الثلج أسفل الصخور و عندما تشرق الشمس و تسخن الأرض يذوب الثلج أسفلها و تنشأ كميات من الماء تدفع الحجارة للإنزلاق عبر الرمال و تتوقف فقط عندما يجف الماء أو عندما يتجمد مرة أخرى و إذا وصل الحجر إلى منطقة جافة بشكل خاص سيتوقف الحجر عن الحركة تماما .
أقرأ أيضا : لغز التوابيت المتحركة داخل مقبرة تشيس فى باربادوس
و لكن على الرغم من الإعتقاد بالتوصل الى حل لغز الأحجار العائمة إلا أنه أمر لا يجعلها أقل إثارة للإهتمام لأن فكرة رؤية الأشياء الجامدة تتجول بلا هدف تاركة ورائها أثارا جميله شئ لا يزال مبدعا و خلابا .