الصحراء الكبري هى منطقة قاحلة و شاسعة تقع في شمال قارة إفريقيا و هي أكبر صحراء حارة في العالم و ثاني أكبر صحراء بعد القارة القطبية الجنوبية بمساحة تتجاوز 9 ملايين كيلومتر مربع أى ما يقارب مساحة الولايات المتحدة و نظرا لضخامتها فهى تعبر حدود 10 دول و في حين أن الكثير من أجزائها غير مأهولة بالسكان الا أنه يوجد ما يقارب من مليوني شخص ينتشرون عبر مساحاتها باستثناء أولئك الذين يعيشون على ضفتي نهر النيل و النيجر و رغم صعوبة الحياة فيها حاليا الا أنها قديما و بعد العصر الجليدي الأخير كانت مكانًا أكثر رطوبة مما هي عليه اليوم حيث تشير ألاف النقوش الصخرية التى عثر عليها عند كهوف تاسيلي جنوب شرق الجزائر على حياة سكنت فى ذلك المكان كما تم العثور أيضًا على حفريات الديناصورات الى ان حدثت تغييرات أزالت الغطاء النباتي الموجود فيها باستثناء وادي نهر النيل و عدد قليل من الواحات .
و يحد الصحراء الكبري من الغرب المحيط الأطلسي و من الشمال جبال الأطلس و البحر الأبيض المتوسط أما من الشرق فتوجد “مصر” و البحر الأحمر و من الجنوب السودان و وادي نهر النيجر و تقسم الصحراء القارة إلى شمال أفريقيا و جنوب الصحراء التى تتميز حدودها بمجموعة من السافانا شبه القاحلة تسمى الساحل و يقع أعلى جزء فى الصحراء الكبري بقمة بركان جبل كوسي في جبال تيبستي و يبلغ ارتفاعها 3415 مترًا أما أدنى نقطة فيها فتقع بمنخفض القطارة فى مصر بمسافة 133 مترًا تحت مستوى سطح البحر .
مناطق الصحراء الكبري
و على الرغم من أن الصحراء الكبري قد نستطيع ان نقول أنها تمتد عبر القارة بأكملها و تحيط بها 10 دول و هى مصر و السودان و ليبيا و الجزائر و المغرب و موريتانيا و مالى و النيجر و تونس و تشاد إلا أنه يمكن تقسيمها إلى مناطق مميزة مثل :
- الصحراء الغربية : و هى سلسلة من الهضاب الشاسعة في المغرب تمتد حتى سفوح جبال الأطلس و لا توجد بها مياه سطحية و لكن مجاري أنهار جافة (الوديان) و التي تحتفظ بالمياه فقط أثناء هطول الأمطار النادرة و عندما تظهر الأنهار الجوفية التي تتدفق من الجبال على السطح فإنها تخلق واحات صغيرة و هى فى العموم منطقة غنية بالمعادن مثل الفوسفات و الحديد و الزنك و الذهب .
- العرق الغربي الكبير و العرق الشرقي الكبير : و هى منطقة شاسعة غير مأهولة في الجزائر تتكون في الغالب من كثبان رملية شكلتها الرياح إلى قمم و حواف و تفصل بين المنطقتين هضبة صخرية و معدل هطول الأمطار بها منخفض للغاية .
- صحراء تنزروفت : و هى صحراء صخرية في جنوب وسط الجزائر تقسمها الأخاديد العميقة و تعرف بـ “أرض الرعب” بسبب نقص المياه فيها.
- صحراء تاسيلي نجير : و هى منطقة جبلية شديدة الجفاف في جنوب الجزائر كانت ذات يوم تحتوي على بحيرات تغذيها الجداول الجبلية و فيها تقوم الرياح بتأكل العديد من التكوينات الصخرية بها كما تنمو فى مرتفعاتها أشجار السرو القديمة و أشجار الزيتون البرية و تم العثور فيها على رسومات داخل الكهوف ترجع الى العصر الحجري الحديث و يعود تاريخها من ستة إلى سبعة آلاف عام مضت و اليوم تزرع قبائل الطوارق فيها المحاصيل حول الوديان و الواحات .
- صحراء الهوجار : و هى منطقة جبلية غير مأهولة إلى حد كبير فى الجزائر و تتميز بالتكوينات الصخرية البركانية و تحتوي تلك الجبال على كهوف ذات لوحات قديمة تصور الماشية و وحيد القرن و الأفيال و الزرافات و ابن آوى .
- الصحراء الليبية : و هى هضاب صخرية و سهول رملية تمتد من شرق ليبيا إلى شمال غرب السودان و بها مجموعة من الواحات يتم فيها زراعة الحبوب و الزيتون و العنب و التمور.
- صحراء فزان : و هى مساحة شاسعة من الحجر الرملي و الحجر الجيري تشكل الكهوف و الأقواس الطبيعية في جنوب غرب ليبيا و تشتهر هذه المنطقة بالحفريات من العصر الحجري الحديث و الرسومات الصخرية للحيوانات .
- الصحراء الغربية و الشرقية : تغطي الصحراء الغربية ثلثي مساحة مصر و تندمج في الصحراء الليبية و توجد منخفضات أقل من مستوى سطح البحر بالاضافة الى عدة واحات كبيرة أكبرها سيوة التي تحيط بها مزارع الزيتون اما الصحراء الشرقية فتنتشر بين قناة السويس و البحر الأحمر و يعيش فيها البدو الذين يربون قطعان الغنم و الجمال و الماعز .
- جبال تيبستي : و هى جبال تشكلت خلال فترة الثورات البركانية منذ حوالي سبعين مليون سنة و تتواجد في تشاد و بها العديد من المنحوتات الصخرية التي تعود إلى عصور ما قبل التاريخ و فيها تم اكتشاف فصيلة أسترالوبيثكس البشرية المعروفة باسم “هابيل”.
- صحراء تينيري : آخر فرع جنوبي من الصحراء و هي منطقة في النيجر مليئة بالكثبان المتموجة و أشهرها عرق بيلما و على الرغم من خلوها الآن من الغطاء النباتي باستثناء عدد قليل من الواحات التي شكلت في السابق العمود الفقري لمسار القوافل إلا أن الصحراء بها رسومات صخرية لحيوانات و جذوع أشجار متحجرة تشير إلى أوقات أكثر رطوبة في الماضي القديم .
- آير ماسيف : و هى كتلة صخرية من الجرانيت في وسط النيجر حُفرت جوانبها بواسطة الأخاديد التي تشكلت منذ فترة طويلة عن طريق تيارات متدفقة جافة معظم العام و فيها تتم الزراعة حول الواحات الأكبر و بها توجد “أغاديز” على المنحدرات الجنوبية للجبل و التى تعد هي أكبر تجمع سكاني لها في المنطقة .
مناخ الصحراء الكبري
شهد مناخ الصحراء الكبري تباينًا هائلاً بين الرطب و الجاف على مدى مئات الآلاف من السنين الماضية فخلال العصر الجليدي الأخير كانت الصحراء أكبر مما هي عليه اليوم و امتدت جنوبًا إلى ما وراء حدودها الحالية و جلبت نهاية العصر الجليدي أوقاتًا رطبة إلى الصحراء منذ حوالي 8000 قبل الميلاد و حتى 6000 قبل الميلاد ربما بسبب مناطق الضغط المنخفض فوق الصفائح الجليدية المنهارة في الشمال و التى بمجرد اختفائها جف الجزء الشمالي و بحلول 2500 قبل الميلاد بدأت تلك المناطق فى التصحر و أصبحت جافة حاليًا كما كانت منذ حوالي 13000 عام حيث تتمتع الصحراء الكبري فى الوقت الراهن بواحد من أقسى المناخات في العالم مع رياح قوية تهب من الشمال الشرقي و في بعض الأحيان على المناطق الحدودية من الشمال و الجنوب و تتلقى الصحراء الكبري حوالي 25 سم من الأمطار سنويًا و عادة ما يكون هطول الأمطار غزيرًا بعد فترات جفاف طويلة و التي يمكن أن تستمر لسنوات و يمكن أن تصل درجات الحرارة بها في النهار إلى 58 درجة مئوية و يمكن أن تنخفض ليلا إلى -6 درجة مئوية .
الصحراء الكبري تاريخيا
وفقًا لعلماء الآثار كانت الصحراء الكبري أكثر كثافة سكانية منذ أكثر من عشرين ألف عام عندما لم يكن مناخ الصحراء جافًا كما هو اليوم حيث تم العثور على الأحافير و الفن الصخري و التحف الحجرية و الحراب العظمية و الأصداف و العديد من العناصر الأخرى في المناطق التي تعتبر اليوم حارة و جافة للغاية كما تم العثور على القطع الأثرية و بالقرب منها بقايا لحيوانات مثل الزرافة و الفيل و الجاموس و الظباء و وحيد القرن بالإضافة إلى أسماك و تماسيح و فرس النهر و حيوانات مائية أخرى مما يشير إلى انه كانت توجد بحيرات و مستنقعات في الصحراء و منذ الفترة ما بين عشرين ألفًا و اثني عشر ألف سنة عادت الظروف القاسية و أصبحت الصحراء خالية من السكان إلى حد كبير باستثناء المرتفعات حيث كانت بها ينابيع و برك سطحية تغذيها طبقات المياه الجوفية و قبل عشرة آلاف عام كان جامعو الثمار و الصيادين قد أعادوا احتلال البحيرات و الجداول و المستنقعات التي تم تجديدها و هناك بعض الآثار للزراعة المحتملة منذ ثمانية آلاف عام و المزيد من الأدلة التي يمكن التحقق منها على تربية الماشية في الجبال قبل سبعة آلاف عام ثم غادر هؤلاء السكان قبل ثلاثة إلى أربعة آلاف سنة نتيجة تدهور الأوضاع بعد أن أصبحت الصحراء حاجزًا منيعًا إلى حد كبير أمام البشر لتنشأ مستوطنات متفرقة فقط حول الواحات و كان الاستثناء الرئيسي الوحيد هو وادي النيل .
و بحلول 6000 قبل الميلاد كان المصريين فى فترة ما قبل الأسرات يعيشون في الجزء الجنوبي الغربي من “مصر” و يرعون الماشية و يبنون المباني الكبيرة و يعيشون في مستوطنات منظمة و دائمة و كانت حياتهم قائمة على زراعة الحبوب و تربية الحيوانات مثل الأبقار و الماعز و الخنازير و الأغنام ثم أنشأ الفينيقيين اتحادًا كونفدراليًا للممالك عبر الصحراء بأكملها و استقروا عمومًا على السواحل و أحيانًا في الصحراء أيضًا و كانت أولى المعابر للصحراء حوالي 1000 قبل الميلاد بواسطة الثيران و الخيول لكن هذا السفر كان نادرًا حتى القرن الثالث بعد الميلاد عندما تم إدخال الجمال المستأنسة و بحلول عام 500 قبل الميلاد وصل تأثير جديد على يد الإغريق حيث انتشر التجار اليونانيين على طول الساحل الشرقي للصحراء و أقاموا مستعمرات على طول ساحل البحر الأحمر ثم اكتشف القرطاجيين الساحل الأطلسي للصحراء و لكن نتيجة اضطراب المياه و قلة الأسواق أحاطت الدول المركزية بالصحراء من الشمال و الشرق لكن الصحراء نفسها ظلت خارج السيطرة .
بعد ذلك نشأ فى قلب الصحراء الكبري حضارة الجرمنت في وادى يسمى الآن وادي العجل في “فزان” بليبيا حيث حفر الجرامنتون أنفاقا بعيدة في الجبال المحيطة بالوادي للاستفادة من المياه الأحفورية و إحضارها إلى حقولهم و نمت أعدادهم و أصبحوا أقوياء و قهروا جيرانهم و أسروا العديد من العبيد (الذين عملوا على تمديد الأنفاق) و عرفهم الإغريق و الرومان القدماء على أنهم بدوًا غير متحضرين ثم انهارت تلك الحضارة في النهاية بعد أن استنفدوا المياه المتوفرة في طبقات المياه الجوفية و لم يعد بإمكانهم الحفاظ على الجهود المبذولة لتوسيع الأنفاق .
و بعد الغزو العربي للصحراء اشتدت التجارة و نمت ممالك الساحل و خاصة إمبراطورية “غانا” و إمبراطورية “مالي” لاحقًا و اصبحت ممالك غنية و قوية في تصدير الذهب و الملح إلى شمال إفريقيا و استمرت هذه التجارة لعدة قرون و تجاهلت القوى الاستعمارية المنطقة إلى حد كبير لكن فى العصر الحديث شهد تطور عدد من المناجم و المجتمعات لاستغلال الموارد الطبيعية للصحراء التى تشمل رواسب كبيرة من النفط و الغاز الطبيعي في الجزائر و ليبيا و رواسب كبيرة من الفوسفات في المغرب و الصحراء الغربية و حاليا يعيش حوالي مليوني شخص في الصحراء الكبري و يعيشون إما حياة بدوية أو مستقرة أينما وجدوا الغذاء و الماء معظمهم في “مصر و موريتانيا و المغرب و الجزائر” و الأعراق المهيمنة في الصحراء هي مجموعات بربرية مختلفة بما في ذلك قبائل الطوارق و مجموعات أمازيغية متعربة مثل المغاربة الناطقين بالحسانية المعروفين أيضًا باسم الصحراويين اضافة الى مختلف الأعراق الأفريقية السوداء بما في ذلك التبو و النوبيين و الفولاني و الهوسا .
و تعتبر أكبر مدينة في الصحراء الكبري هي العاصمة المصرية “القاهرة” في وادي النيل و من المدن المهمة الأخرى “نواكشوط” عاصمة “موريتانيا” و “الجزائر” و “تمبكتو” فى “مالي” و غيرهم .
الحياة النباتية و الحيوانية
و رغم الظروف شديدة الجفاف الموجودة فى الصحراء الكبري الا أنها ثرية بالحيوانات التى أستطاعت التكيف مع مثل هذه الظروف الغير مضيافة حيث يوجد ضمن هذه المنطقة البيئية 70 نوعًا من الثدييات منها 20 نوعا من الثدييات الكبيرة كما هناك أيضًا 90 نوعًا من الطيور المقيمة و حوالي مائة نوع من الزواحف و تشمل الحيوانات التى تعيش فيها الظباء و الغزلان و ابن آوى و الضباع و الثعالب و القوارض و الحشرات و العقارب و النمل كما توفر الجبال موطنًا للأغنام و النمور و غزال الرمل الذى يتميز بإمتلاكه حوافر مفلطحة تجعل من السهل السفر في الرمال كما تمتلك الثعالب التى تعيش فيها آذانًا كبيرة لتبديد الحرارة اضافة الى نعال مشعرة لحماية قدميه أثناء عبور الصحراء بحثًا عن السحالي و الجراد و تحصل العديد من الحيوانات على مياهها فقط من خلال عمليات التمثيل الغذائي و قد تفقد ما بين 30 الى 60٪ من كتلة أجسامها و بجانب الحيوانات فتشير التقديرات إلى أن الصحراء الوسطى تحتوي فقط على 500 نوع من النباتات و هي نسبة منخفضة للغاية بالنظر إلى الامتداد الهائل للمنطقة الا ان تلك النباتات الموجودة مثل أشجار الأكاسيا و النخيل و العصارة و الشجيرات الشوكية و الأعشاب قد استطاعت التكيف مع الظروف القاحلة إما عن طريق تقليل فقد المياه أو تخزينه .