كثير هى الحكايات المشؤومة التى تتحدث عن سفن الأشباح مثل الهولندي الطائر و ماري سيليست و الذين تم تناقل رواياتهم عبر السنوات من جيل الى أخر و لكن بقدر ما هو غريب و مرعب عن مثل هذه السفن المسكونة التى أختفى أفرادها من دون أى تفسير لذلك الا أن بعض السفن الأخرى أرتبطت بها روايات أشد رعبا و المتعلقة بالعثور على جثث أفرادها الذين لقوا حتفهم في ظروف غامضة مثل ما حدث مع طاقم سفينة أورانج ميدان و ذلك وفقا لتقارير أنتشرت على نطاق واسع منتصف القرن العشرين و التى تحدثت عن التقاط مجموعة من السفن المبحرة فى جنوب شرق أسيا على إشارات استغاثة مرعبة صادرة من تلك السفينة تقول نصا أن كل الظباط بما فيهم القبطان قد ماتوا و من المحتمل أن يكون الطاقم بأكمله قد مات ثم أعقب هذا الاتصال موجة من شفرة مورس غير القابلة للفهم ثم رسالة أخيرة تقول أنا أموت و أعقب هذا الإعلان الخفي صمت يشبه القبور .
بدأت أسطورة السفينة “أورانج ميدان” المخيفة فى مايو عام 1947 أو فبراير 1948 بحسب روايات أخرى حين تم التقاط نداء الاستغاثة المرعب من مضيق ملقا الذى يقع بين شواطئ “سومطرة” الإندونيسية و “ماليزيا” من قبل سفينتين أمريكيتين بالإضافة إلى مراكز استماع بريطانية و هولندية و تم تحديد مصدر البث و الذى كان سفينة شحن هولندية تعرف باسم ” أس أس أورانج ميدان ” و تتواجد فى ذلك الموقع لذلك قام قبطان سفينة ” سيلفر ستار ” و بحارته الذين كانوا بالقرب من تلك الاحداثيات بسرعة التوجه إليها في محاولة لتقديم يد المساعدة و في غضون ساعات من الابحار اليها ظهرت لهم السفينة المشئومة و مع اقتراب ” سيلفر ستار ” منها لاحظ الطاقم أنه لا توجد أي علامة على وجود حياة على سطحها و عبثا حاول البحارة ارسال اى اشارات لها عن وجودهم دون جدوى لذلك قرر قبطان السفينة ايفاد مجموعة من البحارة للتوجه و الصعود على متنها و الذين لم يكونوا على دراية بأنهم سيدخلون و يشاهدون واحدة من أشد كوابيسهم الحية .
و مع صعود المجموعة على سطح ” أورانج ميدان ” أدرك الرجال بسرعة أن نداءات الاستغاثة لم تكن مبالغة حيث امتلأت أسطح السفينة بجثث الطاقم الذين كانت عيونهم متسعة و أذرعهم مفرودة كما و لو أنها تمسك بمهاجمين غير مرئيين اما وجوههم فكانت تبدو على ملامحهم مزيج من الألم و الرعب حتى كلب السفينة قد مات كما تم العثور على جثمان القبطان بينما كانت جثث ضباطه متناثرة حول غرفة القيادة و كان ضابط الاتصالات لا يزال في مكانه لكنه ميتًا مثل البقية و أطراف أصابعه مستلقية على التلغراف و كانت جميع الجثث وفقًا للتقارير تحمل نفس التعبيرات المرعبة و الواسعة حتى أن أفراد مجموعة الإنقاذ زعموا أنهم شعروا ببرودة شديدة في مخزن السفينة على الرغم من أن درجة الحرارة في الخارج كانت مرتفعة للغاية , و رغم تمكن فريق البحث من رصد أدلة واضحة على أن طاقم ” أورانج ميدان ” عانى بشدة في لحظات وفاتهم الا أنهم لم يتمكنوا من العثور على أي دليل صريح على وجود أى اصابات بهم كما لم يتمكنوا أيضا من مشاهدة أى ضرر لحق بالسفينة نفسها و فى النهاية قرر قبطان سفينة ” سيلفر ستار ” أنهم سيربطون أنفسهم بتلك السفينة و يعيدونها إلى الميناء و لكن بمجرد أن ربط الطاقم خط السحب بالسفينة لاحظوا انبعاث دخان من الطوابق السفلية ثم أنفجرت السفينة بقوة هائلة لدرجة أنها رفعت نفسها من الماء و غرقت بسرعة ليشاهدها الطاقم و هى تهبط الى قاع المياه ثم تختفى و هم يحمدون الله ان حبل الشد لم يجرهم هم ايضا الى أسفل و بعدها أصبحت السفينة ” أورانج ميدان ” واحدة من أكثر الألغاز البحرية ديمومة و إثارة للاهتمام في العصر الحديث .
و رغم انتشار الشائعات حول الاكتشاف المروع الذى وجدته سفينة ” سيلفر ستار ” على نطاق واسع على طول الطرق التجارية لجزر الهند الشرقية الا انه لم تتناول الوثائق ذلك الحادث بشكل رسمى حتى مايو عام 1952 على هيئة “وقائع مجلس البحرية التجارية” و الذى تم نشره من قبل خفر سواحل “الولايات المتحدة” و وصفت الشهادة الواردة فيها الحالة المزعجة التى ظهر فيها ضحايا ” أورانج ميدان ” حتى أنها ذهبت إلى حد القول :
“كانت وجوههم المجمدة مقلوبة إلى الشمس و محدقة كما لو كانت في خوف اما الأفواه فمفتوحة و العينان تحدقان بلا هدف “
و يبقى السؤال حول حقيقة ما حدث للسفينة ” أورانج ميدان ” و بتحرى البعض حول تلك القصة وجدوا أنه لا توجد أي سجلات رسمية قامت بتوثيق ذلك الحادث و رغم وجود السفينة ” سيلفر ستار ” التى حاولت الإنقاذ بالفعل لكن لا توجد أى مستندات تؤدى إلى ” أورانج ميدان ” و التى قد تكهن بعض الباحثين أنه إذا كانت تلك السفينة حقيقية فمن المحتمل أنها تنحدر من جزيرة “سومطرة” التابعة لدولة ” إندونيسيا ” فكلمة ” أورانج ” تعنى بالاندونيسية ” الرجل ” أما “ميدان” فهي أكبر مدينة في جزيرة سومطرة و لكن في حين أن أصل الاسم قد يعطي بعض الأدلة عن أصلها الا انه لا توجد سجلات للسفينة مما دفع بعض من المؤرخين للتحرى عنها بالذهاب أولاً إلى المصادر المعتادة لكنهم لم يتمكنوا من العثور على أي ذكر للسفينة في سجلات كوراث السفن في البحر او حتى فى الدولة التابعة لها مما جعل الطريق نحو الوصول لحقيقة سفينة الموت مسدودا .
و مع التدقيق فى البحث بشكل اكبر تم العثور على كتيب مكون من 32 صفحة تم طباعته فى ” ألمانيا ” للكاتب ” أوتو ميلكى ” عام 1954 يحمل عنوان ” سفينة الموت فى البحر الجنوبى ” و فيه يذكر الكاتب تفاصيل ” أورانج ميدان ” و البضائع التى تحملها و قوة محركها و حتى كما يُزعم اسم القبطان و هو ما يدفع المرء إلى التساؤل عما إذا كان كاتب ذلك الكتيب قد اتصل بأحد أفراد فريق ” سيلفر ستار ” الذى كان ضمن فريق الانقاذ و هو من روى كل شئ عن تلك السفينة المشئومة حيث ذكر ذلك الكتيب انها غرقت فى يونيو عام 1947 و كان الجزء المثير للفضول فيه هو وجود أدلة محتملة أن أن المخزن رقم 4 الموجود فى السفينة ربما كان مليئًا بمواد مميتة و غير قانونية مثل سيانيد البوتاسيوم و غاز الأعصاب و النيتروجلسرين و هو ما جعل البعض يقوم بإخفاء سجلات تلك السفينة لاخفاء طبيعة الشحنة اضافة الى انها تعطى تفسيرا منطقيا لوفاة كافة أفرادها و انفجارها فى النهاية حيث يرجح ان تلك المكونات كانت أسلحة صنعتها مجموعة علماء من ” اليابان ” الذين قاموا خلال الحرب العالمية الثانية بإجراء تجارب شنيعة لدرجة أن العديد من الفظائع التي ارتكبها النازيين باسم العلم كانت لاشئ بالمقارنة بها حيث عرف هؤلاء العلماء بإسم الوحدة 731 و الذين يعتقد ان الأمريكيين بعد الحرب قد أعطوهم حصانة من الملاحقات القضائية مقابل الحصول على أبحاثهم فى الأسلحة الكيميائية و البيولوجية و عندما أراد الامريكيين الحصول على تلك المواد و نظرا لصعوبة نقل أطنان منها بشكل مباشر و مكشوف بواسطة الطائرات فقد تم تحميلها على تلك السفينة القديمة و المهملة مع طاقم أجنبي منخفض الأجر كنوع من التغطية و خلال ابحار ” أورانج ميدان ” ربما دخلت مياه البحر إلى عنبر السفينة و تفاعلت مع الشحنة الخطرة و أطلقت غازات سامة تسببت في اختناق الطاقم و بعدها ربما تفاعلت المياه المالحة المتدفقة مع النتروجليسرين مما أدى إلى حدوث تأثير متفجر قيل إنه تسبب فى غرق السفينة في نهاية المطاف و نظرا لطبيعة تلك الحمولة فقد قامت ” الولايات المتحدة ” بمحو أى ادلة تشير الى ” أورانج ميدان ” للتهرب من أى مسائلة أو توجيه اتهامات لخرقها الاتفاقيات الدولية المتعلقة بتلك الأسلحة .
أقرأ أيضا : ماذا حدث فى ممر دياتلوف الذى شهد أكثر الحوادث غموضا فى العالم و أصاب حيرة المحققين و المتابعين
و رغم أن ما سبق هو أكثر التفسيرات منطقية لما حدث على متن ” أورانج ميدان ” الا انه لم يكن التفسير الوحيد حيث يعتقد البعض ممن يؤمنون بالخوارق ان سبب ما حدث يرجع الى التعرض للهجوم من قبل كائنات فضائية لأسباب غير معروفة أو أن طاقم السفينة غير المحظوظ ربما يكون قد خاض معركة مع أشباح بحرية تقيم فى ذلك المكان و دليلهم لتأكيد نظريتهم هو الافتقار الواضح للسبب الطبيعي للوفيات بالإضافة إلى التعبيرات المتحجرة المزعومة المحفورة على وجوه البحارة الميتين أضافة إلى البرد غير الطبيعي في عنبر الشحن الذى شعر به المنقذين و التأكيد على أن بعض البحارة المتوفين كانت تبدو عليهم علامات كما و لو أنهم يحاربون خصم خفى .
و بعيدا عن تلك التفسيرات الخارقة الا أنه يوجد تفسيرات أخرى و لكن تتبع الأساليب العلمية حيث يقول البعض ان سبب ما حدث للسفينة ” أورانج ميدان ” هو أن طاقمها قد تعرض للاختناق بسبب سحب من الميثان الضار التي تطايرت من شق في قاع البحر و قام بتسميم البحارة قبل أن تبتلع السفينة في نهاية المطاف و لكن يعارضه بعض لأنه لا يفسر الانفجار المدوي الذي وصفه طاقم ” سيلفر ستار ” و هو ما جعل البعض يتجه الى احتمال أخر و هو حدوث حريق فى غلاية السفينة تسبب فى تسرب غاز أول أكسيد الكربون ادى الى اختناق الطاقم و بعدها انفجار السفينة بالكامل و لكن كان ايضا فرضية غير مقنعه لأنها لا تتفق مع رواية طاقم ” سيلفر ستار ” و هو ما دفع فريق جديد الى وضع فرضية ان الموضوع ما هو الا مجرد خيال محض و لا يوجد شئ بالفعل اسمه السفينة ” أورانج ميدان ” و ان البحارة قد نسجوا تلك القصة للإبحار لساعات طويلة في البحر ليتلقفها العديد من الكتاب لنسج المزيد من الأساطير حولها و على أى حال أى كان ذلك الأمر و سواء كانت ” أورانج ميدان ” حقيقية أم من نسج الخيال الا انها تظل واحدة من أكثر الألغاز البحرية المحيرة و المخيفة على الإطلاق فى القرن العشرين .