ما هو الخط الساخن بين موسكو و واشنطن

في خضم سباق التسلح النووي و الحرب الباردة بين الدولتين العظميين ظهر ما يعرف بإسم الخط الساخن الذي يربط بين موسكو و واشنطن كوسيلة حيوية للتواصل المباشر بين قادة الولايات المتحدة و الإتحاد السوفيتي ( روسيا حاليا ) بهدف تقليل خطر سوء الفهم و التصعيد الغير مقصود في الأزمات الدولية خاصة بعد أزمة الصواريخ الكوبية التي إندلعت في أوائل ستينيات القرن الماضي و كشفت عن الحاجة الملحة لتوفير وسيلة إتصال سريعة و موثوقة بين زعماء تلك الدولتين و رغم ما يصوره الإعلام بأن تلك الوسيلة هي هاتف أحمر إلا أنه علي أرض الواقع لم يكن الخط الساخن يتم عبر الهاتف بل استُخدمت في البداية الطابعات البرقية ثم تحولت في الثمانينيات إلي الفاكس و بعدها تم إستخدام البريد الإليكتروني الآمن منذ عام 2008 .

الخط الساخن بين موسكو و واشنطن

و ترجع خلفية إنشاء الخط الساخن أثناء ذروة الحرب الباردة حين كان خطر الحرب النووية يلوح في الأفق بعد إزدياد التوترات بين ” الولايات المتحدة ” و ” الإتحاد السوفيتي ” في أكتوبر عام 1962 بسبب أزمة الصواريخ الكوبية التي كشفت عن أوجه القصور في وسائل الإتصال التقليدية بين الدولتين نظرا لأن المراسلات الدبلوماسية الرسمية كانت تستغرق ساعات طويلة للوصول بين موسكو و واشنطن و هو وقت كافٍ لأن تسوء الأوضاع بسرعة و تخرج عن السيطرة لذلك طُرحت فكرة الخط الساخن لأول مرة من قبل الأستاذ بجامعة هارفارد ” توماس شيلينج ” الذي أشار إلي أهمية وجود وسيلة إتصال سريعة بين الطرفين و دعمه في ذلك الطرح عدد من الشخصيات السياسية و الإعلامية أبرزهم ” جيس جوركين ” رئيس تحرير مجلة Parade الذي ضغط شخصيًا علي الرئيس الأمريكي ” جون كينيدي ” و الزعيم السوفيتي ” نيكيتا خروتشوف ” لتنفيذ الفكرة كما لم يقتصر النقاش حول إنشاء الخط الساخن علي الأمريكيين فقط بل شمل أيضا دوائر سياسية و عسكرية في ” الإتحاد السوفيتي ” حيث أدرك الطرفان أن إنشاء هذا الخط يمكن أن يقلل من مخاطر التصعيد النووي غير المقصود لذلك و في يونيو عام 1963 تم توقيع “مذكرة تفاهم حول إنشاء خط إتصال مباشر بين الدولتين جرى بموجبها إطلاق الخط الساخن بشكل رسمي في 30 أغسطس من نفس العام و بهذا أصبح بإمكان الرئيس الأمريكي التواصل مباشرة مع نظيره السوفيتي و هو ما خلق طبقة جديدة من الأمان في العلاقات بين القوتين العظميين.

و كانت بداية التواصل علي الخط الساخن بإستخدام طابعات البرق إذ تم تركيب أجهزة تليتايب تعمل علي مدار الساعة في كلا الجانبين و كان هناك خطان دائمان يعملان علي نقل الرسائل بين واشنطن و موسكو و رُبط هذا النظام عبر كابل أرضي يمر من واشنطن إلي موسكو عبر لندن و كوبنهاجن و ستوكهولم و هلسنكي كما تمت إضافة وصلة لاسلكية عبر طنجة كخط إحتياطي و كان الخط مصممًا لنقل النصوص فقط دون الصوت حيث اعتبر الجانبان أن النصوص أقل عرضة للتفسير الخاطئ مقارنةً بالكلام و مع تطور التكنولوجيا لاحقا تم إدخال عدة تحديثات علي الخط ففي عام 1971 أضيفت وصلات عبر الأقمار الصناعية الأمريكية و السوفيتية كجزء من جهود التحديث و هو ما جعل النظام أكثر موثوقية و سرعة و في عام 1983 تم الاتفاق علي إضافة تقنية الفاكس للخط حيث استخدمت الأجهزة الحديثة حينها لإرسال الرسائل بمزيد من الدقة والسرعة و أخيرًا و مع التقدم الرقمي تحول النظام في عام 2008 إلي نظام رسائل إلكتروني آمن عبر الحواسيب.

الخط الساخن بين موسكو و واشنطن

و يُدار الخط الساخن وفق نظام دقيق حيث تُرسل الرسائل في صيغة نصية مكتوبة باللغة الأصلية للمرسل ثم تترجم إلي اللغة المستقبلة عند الطرف الآخر و يتم الإختبار اليومي للخط لضمان جاهزيته إذ يرسل الطرفان رسائل تجريبية بشكل منتظم حيث يتم إختيار نصوص من الأدب الكلاسيكي الأمريكي و الروسي لإختبار الإتصال مثل مقتطفات من أعمال ” شكسبير ” و ” تشيخوف ” , كما إحتوت الرسائل أحيانًا علي أمثلة للعبارات المستخدمة في اللغة اليومية للتحقق من سهولة الفهم و إذا استلم أحد الجانبين رسالة تحمل معلومات حساسة تتطلب إستجابة فورية يتم الإتصال هاتفياً بالمسؤول المختص في ” البيت الأبيض ” أو ” الكرملين ” لإيصال الرسالة قبل ترجمتها الكاملة و ذلك لتجنب أي تأخير قد ينجم عن الإجراءات المعتادة.

الخط الساخن بين موسكو و واشنطن

و علي مدار تاريخ الخط الساخن فقد تم إستخدامه في عدة أحداث عالمية كبرى مما ساعد في تخفيف حدة التوترات و تجنب التصعيد و من أبرز حالات الإستخدام :

  • 1963: بعد إغتيال الرئيس جون كينيدي حيث استخدم الخط الساخن لطمأنة القيادة السوفيتية و تجنب أي سوء فهم قد يؤدي إلي ردود فعل غير محسوبة.
  • 1967: أثناء حرب الستة أيام بين إسرائيل و الدول العربية حيث تم إستخدام الخط لتهدئة المخاوف و تجنب وقوع تصعيد بين القوى العظمى.
  • 1971: خلال النزاع بين ” الهند ” و ” باكستان ” حيث ساهم الخط في تبادل المعلومات و تقليل خطر التدخلات العسكرية المباشرة.
  • 1973: في حرب أكتوبر بين الدول العربية و إسرائيل تم إستخدام الخط لمنع حدوث أي تصعيد نووي .
  • 2001: في أعقاب هجمات 11 سبتمبر تم إستخدام الخط لنقل التطمينات حول إستقرار الأوضاع النووية رغم الأزمة الطارئة.
  • 2016: إستخدم الرئيس ” باراك أوباما ” الخط لتحذير ” روسيا ” من التدخل في الإنتخابات الرئاسية الأمريكية مشددًا علي عواقب هذا التدخل .

و رغم تقليدية الإتصالات في الخط الساخن إلا أنه أصبح رمزًا شهيرًا في الثقافة الشعبية حيث يظهر عادة في الأفلام و الروايات كوسيلة درامية للتواصل في اللحظات الحرجة و رغم أنه لم يكن “هاتفًا أحمر” كما يُعتقد إلا أن هذا التصور ظل عالقًا في المخيلة العامة و ظهر في العديد من الأعمال الفنية فعلى سبيل المثال ظهر الهاتف الأحمر في فيلم Dr. Strangelove الشهير حيث جسّد الخط كأداة أساسية في سياق القصص التي تتناول الخوف من سوء الفهم النووي .

شارك الموضوع

عمرو عادل

فى الحياة الواقعيه مهندس ميكانيكا قوى اما فى الحياه الافتراضيه فباحث و كاتب و مدير الموقع دا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *