الحقيبة النووية هى حقيبة يتم إستخدام محتوياتها من خلال تصريح يأمر به رئيس الولايات المتحدة للسماح بشن هجوم نووي أثناء تواجده بعيدًا عن مراكز القيادة الثابتة مثل غرفة العمليات الموجودة داخل البيت الأبيض أو مركز عمليات الطوارئ الرئاسي و ذلك لإحتوائها على خطط و خطوات الضربات الإنتقامية بالإضافة الى حملها لشفرات تفعيل كافة الأسلحة النووية الأمريكية المنتشرة فى جميع أنحاء العالم لذلك يرجع أهميتها فى أنها تعمل كمحور متنقل في نظام الدفاع الإستراتيجي الأمريكي و دائما ما تحمل الحقيبة النووية من قبل أحد المساعدين العسكريين للرئيس الذى يكون مرافقا له فى جميع جولاته الداخلية و الخارجية و يطلق عليها أحيانا أسماء أخري أبرزها حقيبة الطوارئ الخاصة بالرئيس أو الصندوق الأسود أو كرة القدم النووية nuclear football .
تاريخ الحقيبة النووية
يعود تاريخ الحقيبة النووية إلى فترة حكم الرئيس “دوايت أيزنهاور” لكن إستخدامها الحالي جاء في أعقاب أزمة الصواريخ الكوبية عندما شعر الرئيس “جون كينيدي” بالقلق من أن قائدًا سوفيتيًا متمركزًا في “كوبا” قد يطلق صواريخ نووية دون إذن من ” الإتحاد السوفيتي ” لذلك طرح “كينيدي” عدة أسئلة تتعلق بإطلاق الأسلحة النووية الأمريكية و تمحورت حول عما إذا كان يستطيع إصدار أوامره بشن هجوم نووي دون التشاور مع وزير الدفاع أو هيئة الأركان المشتركة و حتى إذا تواصل معهم فى وقت طارئ إلى من سيكون الحديث لإعطاء تلك الأوامر و ماذا سيقول لغرفة الحرب المشتركة لشن ضربة نووية فورية و كيف يمكن للشخص الذي سيتلقى التعليمات التحقق منها لذلك تم البدء فى عمل عدة أليات محددة للتعامل مع مثل تلك الأمور و هى المتبعة حتى اللحظة .
و يرجع سبب شهرة الحقيبة النووية بإسم كرة القدم الذرية أو النووية و بحسب مقالة نشرت فى وكالة “أسوشيتد برس” أنه مشتق من خطة هجوم نووية تحمل الاسم الرمزي ” ركلة الإسقاط ” الخاصة بلعبة كرة القدم الأمريكية حيث أدى ذلك الإسم إلى حدوث بعض الالتباس فيما يتعلق بطبيعة تلك الحقيبة و حتى شكلها حيث أنها حقيبة جلدية عادية لا تمت بأى صلة للكرة المعروفة حتى أن حجمها كبير بما فيه الكفاية عن أحجام الكرات المتعارف عليها .
و خلال فترة رئاستهما فضل كل من الرئيسين “جيمي كارتر” و “رونالد ريجان” الاحتفاظ بشفرات تفعيل و إطلاق الصواريخ النووية في جيوب ستراتهم و كان من بين أولئك الذين حملوا الحقيبة النووية لكلا الرئيسين عضو الكونجرس الأمريكي المستقبلي “جون كلاين” الذي شغل منصب عقيد في مشاة البحرية الأمريكية قبل تمثيل ولاية “مينيسوتا” في مجلس النواب الأمريكي فى الفترة من أعوام 2003 إلى 2017 .
و شهدت الحقيبة النووية عددا من الأحداث فخلال محاولة إغتيال الرئيس ” رونالد ريجان ” عام 1981 تم فصل البطاقة التى تحمل الشفرات النووية عنه من قبل فريق مستشفى الطوارئ بعد إصابته بجروح خطيرة حيث أكتشفت تلك البطاقة لاحقًا مرمية و هو مستلقٍ في طابق قسم الطوارئ و أدى هذا إلى شيوع أسطورة حضرية مفادها أن “ريجان ” كان يحمل الشفرات في شرابه خلال الحادث و التى أنفصل فيها الرئيس عن حامل الحقيبة النووية بسبب إنطلاق الموكب بعيدًا عنه حاملا الرئيس المصاب كما أنها لسيت المرة الاولي التى يبتعد فيها الرئيس عن الحقيبة النووية ففى عام 1973 و إثناء زيارة الزعيم السوفيتي ” ليونيد بريجينيف ” للولايات المتحدة ” قدم له الرئيس الأمريكي “نيكسون” سيارة من طراز “لينكولن كونتيننتال” في منتجع “كامب ديفيد” حيث قادها “بريجنيف” بشكل غير متوقع مع “نيكسون” عبر طريقًا سريعًا تاركًا وراءه أفراد الخدمة السرية لنيكسون و أبتعد عن حقيبته النووية لما يقرب من 30 دقيقة و تكرر ذلك الأمر مع الروؤساء “جيرالد فورد” و “جيمي كارتر” و “جورج بوش الأب” و “بيل كلينتون” .
و نظرا لأن الحقيبة النووية يجب أن تكون قريبة من الرئيس في جميع الأوقات فعادة ما يظهر المساعدين الذين يحملونها في الصور الصحفية و في فبراير عام 2017 التقط ضيف كان موجود في منتجع الرئيس “ترامب” صورة مع المساعد العسكري و هو حاملا لتلك الحقيبة النووية و نشرت الصورة على موقع فيسبوك و حدد المساعد بإسمه الأول و خلال نشر الصورة تزامنت مع لقاء جمع الرئيس “ترامب” مع رئيس وزراء ” اليابان ” “شينزو آبي” في نفس الوقت تقريبًا الذي أنتشرت فيه أنباء عن إطلاق كوريا الشمالية صاروخًا باليستيًا ذا قدرة نووية فوق بحر اليابان حيث كانت مصادفة غريبة و كان من الممكن إساءة فهمها الا أن المسؤولين العسكريين الأمريكيين أوضحوا أن ظهور الضابط في مثل هذه الصورة ليس مخالفًا للقانون و لا مخالفًا للإجراء الصحيح على الرغم من إعترافهم بأن الصادفة غريبة و فى نوفمبر من نفس العام قام الرئيس “ترامب” بزيارة رسمية إلى “الصين” و خلالها تداولت أنباء تفيد أن مساعدين عسكريين أمريكيين منهم حامل الحقيبة النووية قد شاركوا في شجار قصير مع مسؤولي الأمن الصينيين الذين حاولوا منعهم من الوصول إلى قاعة الشعب و كتب المراسل السياسي “جوناثان سوان” الذي أبلغ عن الحادث أن الصينيين لم يستطيعوا الإستحواذ على الحقيبة النووية فى أى وقت من الأوقات أو حتى لمسها و أعتذر رئيس وحدة الأمن الصينية إلى الأمريكيين بسبب سوء التفاهم .
و في 6 يناير عام 2021 و أثناء إقتحام مثيري الشغب لمبنى الكابيتول بالولايات المتحدة أظهرت لقطات أمنية عُرضت خلال محاكمة عزل “ترامب” اللاحقة نائب الرئيس “مايك بنس” جنبًا إلى جنب مع المساعد الذي يحمل الحقيبة النووية الخاصة بالنائب و هم يتم إجلاؤهم على عجل من مجلس الشيوخ و بينما كان نائب الرئيس يحتمي مع فريقه و عائلته كانت الحقيبة النووية على بعد 30 مترًا من مثيري الشغب الذين يقتربون و كان من الممكن أن يؤدي الإستيلاء عليها إلى فقدان المعلومات الإستخباراتية الحساسة المحيطة بخيارات الضربة النووية المخطط لها مسبقًا و أفيد لاحقًا أن المسؤولين العسكريين لم يكونوا على دراية بذلك الخطر أثناء حدوث الشغب و بعد فشل الرئيس “ترامب” في تأمين فترة ولاية ثانية لم يحضر حفل تنصيب الرئيس “بايدن” حيث يتم تسليم الحقيبة النووية عادة و بدلاً من ذلك بقيت الحقيبة التى كانت فى حوزة ” ترامب ” معه بينما رافقت حقيبة أخرى ” بايدن ” و فى تمام الساعة 12:00 ظهرًا بتوقيت شرق الولايات المتحدة تم إلغاء تنشيط الرموز الموجودة في حقيبة “ترامب” و نائبه “بنس” و تنشيط تلك الموجودة في حوزة “بايدن” و نائبته “كامالا هاريس ” .
محتويات الحقيبة النووية
بحسب “بيل جوللي” المدير السابق للمكتب العسكري بالبيت الأبيض فهناك أربعة أشياء داخل الحقيبة النووية و هى الكتاب الأسود بحجم [23 × 30 سم] و مكون 75 صفحة مطبوعة باللونين الأسود و الأحمر و يحتوي على خيارات لطبيعة الضربات الإنتقامية و كتاب أخر يسرد المواقع المستهدفة و مواقع أخري منتشرة في جميع أنحاء البلاد يمكن نقل الرئيس إليها في حالة الطوارئ مع مجلد “مانيلا” المكون من ثماني أو عشر صفحات مدبسة مع بعضها و فيها وصفًا لإجراءات نظام بث الطوارئ و أخيرا ثلاثة بطاقات بحجم [7.5 × 13 سم ] و التى تحتوى على رموز المصادقة و تفعيل الأسلحة النووية .
و وفقا لمقال نشرته “الواشنطن بوست” عام 2005 فدائمًا ما يرافق الرئيس مساعد عسكري يحمل الحقيبة النووية مع رموز إطلاق الأسلحة و وصفت مقالة منفصلة عام 2005 بأنها حقيبة معدنية و وصفتها مقالة أخرى نفس العام بأنها حقيبة جلدية تزن حوالي 20 كجم و تضمنت صورة لمساعد يحمل مثل هذه الحقيبة التى يبرز منها هوائي صغير بالقرب من المقبض مما يوحي بأنها تحتوي أيضًا على معدات إتصالات من نوع ما .
مهمة الحقيبة النووية
إذا قرر الرئيس الأمريكي الذى يعتبر فى نفس الوقت القائد الأعلى للقوات المسلحة إصدار الأمر بإستخدام الأسلحة النووية فيتم فتح الحقيبة من قبل مساعديه العسكريين و بعد ذلك يتم إصدار إشارة قيادة أو تنبيه إلى هيئة الأركان المشتركة و سيقوم الرئيس بعد ذلك بمراجعة خيارات الهجوم مع وزير الدفاع و رئيس هيئة الأركان المشتركة و إتخاذ قرار بشأن خطة يمكن أن تتراوح ما بين إطلاق صاروخ كروز واحد إلى إطلاق عدة صواريخ باليستية عابرة للقارات ثم يتم إتصال بين المساعد العسكري المرافق للرئيس بمركز القيادة العسكرية الوطنية و NORAD لتحديد نطاق الضربة النووية الوقائية و التحضير لضربة ثانية ثم تقوم إحدى طائرات البوينج التى تمتلك وحدة تحكم بإرسال رمز الإطلاق النووي الساري حاليًا إلى جميع أنظمة التوصيل النووية التشغيلية و تكون جميع الأسلحة النووية على أهبة الإستعداد .
بعد ذلك و من أجل التنفيذ يجب التأكد من هوية الرئيس بإستخدام رمز خاص صادر على بطاقة بلاستيكية يُطلق عليه اسم “الكوكيز” و في حين أن الرئيس فقط هو من يمكنه الأمر بإطلاق أسلحة نووية فيجب أن يتحقق وزير الدفاع من ذلك ليكون أمرًا حقيقيًا صادرًا عن الرئيس الفعلي و لا يتمتع وزير الدفاع بحق النقض و يجب أن يمتثل لأمر الرئيس و بمجرد التحقق من جميع الرموز يجوز للرئيس توجيه إستخدام الأسلحة النووية من خلال تسلسل قيادى يبدء به ثم ينتقل الى رئيس هيئة الأركان المشتركة ثم القيادات أسفله و في النهاية إلى القوات في الميدان التي تمارس سيطرة مباشرة على تلك الأسلحة و يتم إعطاء هذه الأوامر ثم إعادة التحقق من صحتها.
و رغم أن رئيس الجمهورية لديه سلطات مطلقة لشن هجوم نووي و لا يجوز لوزير الدفاع مراجعته إلا أن سلطة الرئيس كقائد أعلى للقوات المسلحة من الممكن أن تكون مقيدة حيث يفرض القانون الأمريكي أن الهجوم يجب أن يكون قانونيًا و أن الضباط العسكريين مطالبين برفض تنفيذ الأوامر غير القانونية مثل تلك التي تنتهك قوانين النزاع المسلح لذلك يجب على رئيس هيئة الأركان المشتركة و الأفراد العسكريين الآخرين في التسلسل القيادي رفض إصدار أمر التنفيذ إذا كان هذا الأمر غير قانوني حيث شهد العديد من المسؤولين العسكريين بمن فيهم الجنرال “جون هيتين” أمام الكونجرس الأمريكي بأنهم سيرفضون تنفيذ أى أمر غير قانوني لشن ضربة نووية و مع ذلك إذا رفض رئيس هيئة الأركان المشتركة إصدار أمر التنفيذ وفقًا لتوجيهات الرئيس فيمكن للرئيس إقالته و تعيين بديل له إذا قرر الرئيس أن ذلك يصب في المصلحة الوطنية و بالإضافة إلى ذلك يتم فحص طبيعة الأوامر الجاهزة من قبل المحامين للتأكد من أنها قانونية و بالتالي يُفترض أن مثل هذه الأوامر التى ستصدر من الرئيس عن تلك الحالات المصرح بها لإستخدام الأسلحة النووية قانونية علاوة على ذلك تم توبيخ عدد من العسكريين في الماضي لإنتقادهم البروتوكولات الأمريكية لسلطة شن الضربات النووية مثل الرائد “هارولد هيرينج” الذي تم تسريحه من سلاح الجو في أواخر عام 1973 لطرحه سؤال و هو كيف يمكنه معرفة أن الأمر الذي تلقاه لإطلاق الصواريخ تأتى من رئيس عاقل؟
و من ناحية أخرى يتولى أحد المساعدين العسكريين الرئاسيين المتناوبين (واحد من كل من الفروع الستة للقوات المسلحة) مسئولية تلك الحقيبة النووية و يكون جدول أعمالهم سريا للغاية و هم يكونون ظباط رفيعين المستوي و يخضعون لتحريات أمنية شديدة للغاية قبل إختيارهم نظرا لأنهم مطالبون بإبقاء الحقيبة النووية بمتناول الرئيس في جميع الأوقات و بالتالي فإن المساعد تكون تلك الحقيبة مرافقة له دائمًا إما واقفًا أو سائرا بالقرب من الرئيس بما في ذلك أثناء ركوب طائرة الرئاسة أو أى موكب رئاسي معه .
و من المعروف أن هناك ثلاث حقائب نووية في المجموع إثنان مخصصان للرئيس و نائب الرئيس أما الثالثة فتكون موضوعة في البيت الأبيض و في المراحل الانتقالية الرئاسية لا يتلقى الرئيس المنتخب بطاقة الشفرة النووية الفعلية إلا بعد ما يسمي بالإحاطة النووية و التي تحدث عادةً عندما يلتقي بالرئيس المنتهية ولايته في البيت الأبيض قبل حفل التنصيب الفعلي مباشرةً و يتم تنشيط بطاقة الرمز إلكترونيًا بعد أن يؤدي الرئيس المنتخب اليمين عند الظهر ” و في حالة عدم حضور الرئيس المنتهية ولايته في حفل التنصيب كما حدث في عام 2021 عندما لم يحضر “دونالد ترامب” حفل تنصيب “جو بايدن” يتم الاحتفاظ بحقيبة واحدة معه و تظل نشطة حتى الساعة 11:59:59 صباحًا و فى يوم التنصيب بعد ذلك الوقت يُمنع الرئيس السابق من الوصول إلى الحقيبة النووية و يتم إلغاء تنشيط رموزها تلقائيًا و يعود المساعد الذي كان يحملها إلى “واشنطن” العاصمة و في غضون ذلك يتلقى الرئيس الجديد إحدى الحقائب النووية قبل إلقاء القسم مع الرموز الجديدة التي يتم تفعيلها في الساعة 12:00 ظهرًا.
حقائب أخرى
تمتلك بعض من الدول النووية الأخرى حقائب مماثلة ففى ” روسيا ” يطلق على الحقيبة النووية إسم ” شيجيت ” و هي تدعم الإتصال بين كبار المسؤولين الحكوميين أثناء إتخاذهم القرار بشأن استخدام الأسلحة النووية بنظام إتصالات خاص يسمي ” كازبيك ” و الذى يشمل جميع الأفراد و الوكالات المشاركة في القيادة و السيطرة على الأسلحة النووية الاستراتيجية و يُفترض عادةً و إن لم يكن معروفًا على وجه اليقين أن الحقائب النووية تُصدَر أيضًا لوزير الدفاع و رئيس الأركان العامة لللإتحاد الروسي .
أما بالنسبة الى “فرنسا” فالحقيبة النووية غير موجودة رسميًا و لكن توجد حقيبة سوداء تسمى “القاعدة المتنقلة” تتبع الرئيس في جميع رحلاته لكنها ليست مخصصة للقوة النووية على وجه التحديد و فى ” الهند ” فلا توجد ما يسمي الحقيبة النووية حيث يجب على المجلس السياسي لهيئة القيادة النووية (NCA) أن يأذن بشكل جماعي باستخدام الأسلحة النووية عند الضرورة من خلال توصية من المجلس التنفيذي الذى يرأسه مستشار الأمن القومي بينما يرأس رئيس الوزراء المجلس السياسي و يتم تنفيذ هذه الآلية لضمان بقاء الأسلحة النووية الهندية بحزم تحت السيطرة المدنية و وجود آلية قيادة و تحكم متطورة لمنع استخدامها العرضي أو غير المصرح به و غالبًا ما يكون رئيس الوزراء مصحوبًا بأفراد من مجموعة الحماية الخاصة يحملون حقيبة سوداء تحتوي على درع حماية من نوع ” كيفلار ” قابل للطي و مستندات أساسية وبها جيب يمكنه حمل مسدس أما فى “باكستان” فقد كشفت شبكة بي بي سي مقطع فيديو لرئيس الوزراء عمران خان و هو يحمل حقيبة سوداء تحتوي على رموز الأسلحة النووية الباكستانية .