الحرب الباردة هى صراع مفتوح شهده العالم و أستمر لنحو 50 عاما و كان بمثابة مرحلة صدامية جديدة بدأت فور إنتهاء الحرب العالمية الثانية بين الحليفين السابقين الولايات المتحدة صاحبة الفكر الرأسمالى و قائدة المعسكر الغربى و الاتحاد السوفيتي ( روسيا حاليا ) صاحبة الفكر الشيوعي و زعيم المعسكر الشرقى حيث كانت صدامات تلك المرحلة فى مجالات عدة ما بين سياسية و اقتصادية و دعائية و إستخبارية و حتى تكنولوجية و لم يكن فيها سوى استخدامات محدود للأسلحة فى مناطق محددة و ملتهبة من العالم فى الشرق الأقصى و أمريكا اللاتينية و الشرق الأوسط كما تميزت تلك الحرب بأنها لم تقتصر فقط على سطح كوكب الأرض بل امتدت الى خارج حدوده لتصل الى سباق فى الفضاء الخارجي و لتلك الأسباب أطلق عليها ذلك الإسم و الذى أستخدم لأول مرة من قبل الكاتب الإنجليزي جورج أورويل في احدى مقالاته التى نُشرت عام 1945 و التى أشار فيها بتوقعات أن العالم سيدخل فى مأزقًا نوويًا بين دولتين أو ثلاث تمتلك كل منهم سلاحًا ذريا قد يؤدى فى النهاية الى حصد أرواح الملايين من الناس .
أصول الحرب الباردة
بعد استسلام ألمانيا النازية و انتحار زعيمها ” أدولف هتلر ” في مايو عام 1945 و انتهاء الحرب العالمية الثانية رسميا بدأ التحالف المضطرب في زمن الحرب بين الولايات المتحدة و المملكة المتحدة و فرنسا من جهة و الاتحاد السوفيتي من جهة أخرى في الانهيار حيث أثار التوسع السوفييتي بعد الحرب في أوروبا الشرقية مخاوف العديد من الأمريكيين من وجود خطة روسية للسيطرة على العالم و فى المقابل كان الاتحاد السوفييتي مستاءً مما اعتبروه خطاباً عدائياً للمسؤولين الأمريكيين مع تكديسهم للأسلحة و اتباعهم لنهج تدخلي في العلاقات الدولية و بحلول عام 1948 نصب السوفييت حكومات يسارية في بلدان أوروبا الشرقية التي كان الجيش الأحمر قد حررها من قبضة النازيين لذلك خشي الأمريكيين و البريطانيين من الهيمنة السوفيتية الدائمة على أوروبا الشرقية و خطر وصول الأحزاب الشيوعية المتأثرة بالنفوذ السوفيتي إلى السلطة في ديمقراطيات أوروبا الغربية و على الجانب الأخر كان السوفييت مصممين على الاحتفاظ بسيطرتهم على أوروبا الشرقية دون أى تنازلات و ذلك من أجل الحماية ضد أي تهديد متجدد محتمل يكون قادم من ألمانيا اضافة الى عزمهم بالفعل على نشر الشيوعية في جميع أنحاء العالم لأسباب أيديولوجية و تعزز الصدام بحلول عامى 1947-1948 عندما أدت المساعدة الأمريكية المقدمة إلى أوروبا الغربية بموجب خطة مارشال إلى وضع تلك البلدان تحت النفوذ الأمريكي و فى مقابل ذلك أقام السوفييت أنظمة شيوعية علانية في أوروبا الشرقية .
طبيعة الصراع بين الدولتين العظميين
خلال الفترة ما بين عامى 1948–1953 بلغت الحرب الباردة ذروتها حيث حاصر السوفييت القطاعات التي يسيطر عليها الغرب في برلين الغربية و اتفق معظم المسؤولين الأمريكيين على أن أفضل دفاع ضد التهديد السوفيتي كان استراتيجية تسمى “الاحتواء طويل الأمد ” و عليه شكلت الولايات المتحدة و حلفاؤها الأوروبيون منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) و هي قيادة عسكرية موحدة لمقاومة الوجود السوفيتي في أوروبا عام 1949 و هى نفس السنة التى قام السوفييت فيها بتفجير قنبلتهم النووية الأولى ليعلنوا انتهاء الاحتكار الأمريكي لذلك السلاح المدمر لترد ” الولايات المتحدة ” على لسان رئيسها “هارى ترومان” أن بلاده سوف تبني سلاحاً ذرياً أكثر تدميراً و هو “القنبلة الهيدروجينية” مما دعا السوفييت الى اتباع نفس النهج كما أنه فى نفس العام أيضا جاء الشيوعيين الصينيين إلى السلطة في الصين اضافة الى قيام حكومة كوريا الشمالية الشيوعية المدعومة من “الاتحاد السوفيتي” بغزو “كوريا الجنوبية” المدعومة من “الولايات المتحدة” عام 1950 و ادى ذلك الى خشية العديد من المسؤولين الأمريكيين أن تكون تلك هى الخطوة الأولى من حملة شيوعية للسيطرة على العالم و اعتبروا أن عدم التدخل ليس خيارًا و لكن إجبار و أرسل “ترومان” الجيش الأمريكي إلى “كوريا” مما أدى إلى اندلاع حرب كورية غير حاسمة الى أى من الفريقين و استمرت حتى عام 1953 .
و مع ازدياد سخونة الحرب الباردة بدء الناس يشعرون بمخاطرها خاصة بعد أن أظهر أول اختبار للقنبلة الهيدروجينية في جزيرة “إنيوتوك” المرجانية بجزر “مارشال ” إلى أي مدى يمكن أن يكون العصر النووي مخيفًا حيث ترك ذلك الانفجار خلفه كرة نارية مساحتها 25 ميلًا مربعًا و تبخرت الجزيرة تماما و أحدثت حفرة ضخمة في قاع المحيط و أدت الاختبارات الأمريكية و السوفيتية اللاحقة إلى إطلاق نفايات مشعة في الغلاف الجوي و كان التهديد الدائم بالإبادة النووية له تأثير كبير على حياة الأمريكيين الذين بنوا ملاجئ في ساحات منازلهم و مارسوا تدريبات مواجهة الهجمات النووية في المدارس و الأماكن العامة الأخرى و شهدت الخمسينيات و الستينيات من القرن الماضي وباءً للأفلام الشعبية التي أرعبت رواد السينما بتصوير الدمار النووي و المخلوقات المشوهة .
و خلال الفترة من عام 1953 و حتى 1957 خفت توترات الحرب الباردة إلى حد ما و يرجع ذلك إلى حد كبير لوفاة الدكتاتور السوفيتي “جوزيف ستالين” عام 1953 و مع ذلك ظلت المواجهة قائمة حيث قام المعسكر الشرقى بتشكيل منظمة عسكرية موحدة بين دول الكتلة السوفيتية و اطلق عليه “حلف وارسو” في عام 1955 لتشمل دول الاتحاد السوفيتي و ألبانيا و بولندا و رومانيا و المجر و ألمانيا الشرقية و تشيكوسلوفاكيا و بلغاريا و ذلك لمواجهة ” حلف الناتو ” الذى قبل بعضوية ألمانيا الغربية في نفس العام و سمح بإعادة تسلحها مجددا كما كانت هناك مرحلة أخرى من مراحل الحرب الباردة بين أعوام 1958 و حتى 1962 حين بدأت الولايات المتحدة و الاتحاد السوفيتي في تطوير صواريخ باليستية عابرة للقارات و في عام 1962 بدأ السوفييت في تثبيت صواريخ باليستية سرا في “كوبا” بغرض استخدامها عند الضرورة لشن هجمات نووية على المدن الأمريكية حيث أدى ذلك إلى اندلاع أزمة الصواريخ الكوبية و هي المواجهة التي دفعت القوتين العظميين إلى حافة الحرب النووية قبل التوصل إلى اتفاق لسحب تلك الصواريخ و بعد انتهاء تلك الأزمة بدا واضحا أن كلا الدولتين العظميين ليس لديهم استعداد لاستخدام الأسلحة النووية خوفًا من انتقام الطرف الآخر و بالتالي الإبادة الذرية المتبادلة و هو ما دفعهم الى التوقيع على معاهدة حظر التجارب النووية عام 1963 و التي بموجبها حظرت تجارب الأسلحة النووية فوق الأرض لكن الأزمة لم تحل بشكل كامل حيث قام السوفييت في حشد قواتهم التقليدية و الاستراتيجية و هو الأمر الذى أجبر الولايات المتحدة لمضاهاتها خلال السنوات الخمس و العشرين التالية .
و رغم تجنب “الولايات المتحدة” و “الاتحاد السوفيتي” المواجهة العسكرية المباشرة خلال الحرب الباردة الا أنهم انخرطا في عمليات قتالية فعلية فقط لمنع الحلفاء من الانشقاق و الانضمام إلى الجانب الآخر عبر الإطاحة بزعماء تلك الدول الذين لديهم الرغبة فى ذلك و هو ما دفع “الاتحاد السوفيتي” الى ارسال قوات للحفاظ على الحكم الشيوعي في “ألمانيا الشرقية” عام 1953 و “المجر” عام 1956 و “تشيكوسلوفاكيا” عام 1968 و “أفغانستان” عام 1979 بينما قامت “الولايات المتحدة” من جانبها بالمساعدة فى الإطاحة بحكومة يسارية في “جواتيمالا” عام 1954 و دعمت غزوًا فاشلاً لكوبا عام 1961 و غزت “جمهورية الدومينيكان” عام 1965 و “جرينادا” عام 1983 مع جهود فاشلة لمنع “فيتنام الشمالية” الشيوعية من وضع “فيتنام الجنوبية” تحت حكمها و هو ما عرف بإسم “حرب فيتنام” حيث أدى انهيار النظام الاستعماري الفرنسي بها إلى صراع بين القوميين المدعومين من ” الولايات المتحدة ” في الجنوب و القوميين الشيوعين في الشمال المدعومين من ” الاتحاد السوفييتى ” حيث كان االأمريكيين ملتزمين منذ الخمسينيات ببقاء حكومة معادية للشيوعية في تلك المنطقة و بحلول أوائل الستينيات بدا واضحًا للقادة الأمريكيين أنهم إذا أرادوا “احتواء” التوسع الشيوعي هناك بنجاح فسيتعين عليهم التدخل بنشاط أكبر نيابة عن الفيتناميين الجنوبيين فى عمل عسكرى قصير المدى الى انه سرعان ما تحول إلى صراع استمر 10 سنوات .
الحرب الباردة و سباق الفضاء
بجانب صراعات الأرض فقد كان استكشاف الفضاء بمثابة ساحة أخرى لمنافسات الحرب الباردة ففي 4 من أكتوبر عام 1957 أطلق صاروخ باليستي عابر للقارات من طراز R-7 القمر الصناعى السوفيتي “سبوتنيك” و الذى كان الأول من نوعه في العالم و أول جسم من صنع الإنسان يتم وضعه في مدار الأرض حيث جاء إطلاقه مفاجأة ليست بالسارة لمعظم الأمريكيين الذين كانوا يُنظرون إلى الفضاء على أنه الحدود التالية و كان من الأهمية عدم خسارته أمام السوفييت بالإضافة إلى التخوفات من امكانيات الصاروخ R-7 الذي كان يبدو أنه قادرًا على إيصال رأس حربي نووي إلى الفضاء الجوي الأمريكي لذلك لم يكن أمام الأمريكيين مفرا سوى الإنخراط فى ذلك السباق ايضا و في عام 1958 أطلقوا القمر الصناعي الخاص بهم ” أكسبلورر 1 ” الذي صممه الجيش الأمريكي تحت إشراف عالم الصواريخ الألمانى ” فيرنر فون براون ” ليبدء ما أصبح يعرف باسم ” سباق الفضاء ” خاصة بعد توقيع الرئيس الأمريكى “دوايت أيزنهاور” مرسوما بإنشاء وكالة ناسا و هي مؤسسة فيدرالية مكرسة لاستكشاف الفضاء بالإضافة إلى العديد من البرامج التي تسعى إلى استغلاله بشكل عسكرى ومع ذلك كان السوفييت يتقدمون بخطوة حيث أطلقوا أول إنسان إلى الفضاء في أبريل 1961 و هو ” يورى جاجارين ” و يرد الامريكيين بعد شهر بالمثل و يكون ” ألان شيبرد ” أول رائد فضاء أمريكى و بعدها يعلن الرئيس “جون كينيدي ” أن الولايات المتحدة ستهبط برجل على القمر بحلول نهاية العقد و تحققت توقعاته بالفعل في 20 من يوليو عام 1969 عندما أصبح “نيل أرمسترونج” أول رجل تطأ قدمه على سطح القمر من خلال مهمة أبولو 11 .
مكافحة الشيوعية فى الداخل الأمريكى
مع بداية الحرب الباردة كان الأمريكيين لديهم هوس من الشيوعية لذلك فمع حلول عام 1947 قامت لجنة الأنشطة غير الأمريكية التابعة لمجلس النواب بدورها فى مواجهة ذلك الفكر داخل التراب الأمريكى حين عقدت سلسلة من جلسات الاستماع لإظهار أن التخريب الشيوعي في “الولايات المتحدة” كان موجودا و يعمل بكفاءة و أتهمت على إثره عاملين في وزارة الخارجية بالانخراط في أنشطة تخريبية و قام سياسيين آخرين مناهضين للشيوعية أبرزهم السناتور “جوزيف مكارثي” بتوسيع هذا التحقيق ليشمل أي شخص عمل في الحكومة الفيدرالية حيث تم التحقيق مع الآلاف من الموظفين الفيدراليين و طردهم و حتى محاكمتهم و مع انتشار هذه الهستيريا المعادية للشيوعية طوال الخمسينيات من القرن الماضي فقد أساتذة فى الجامعات وظائفهم و طُلب من الناس الشهادة ضد زملائهم .
و حتى هوليوود لم تسلم من ذلك حيث أجبرت لجنة الأنشطة غير الأمريكية مئات الأشخاص الذين عملوا في صناعة السينما على نبذ المعتقدات السياسية اليسارية و الشهادة ضد بعضهم البعض و فقد أكثر من 500 شخص وظائفهم و لم يتمكن العديد من هؤلاء الكتاب و المخرجين و الممثلين أشهرهم ” تشارلى تشابلن ” و غيرهم من العمل مرة أخرى لأكثر من عقد من الزمان لوضعهم فى “القائمة السوداء” .
أقرأ أيضا : مشاهير من هوليوود تم وضعهم فى القائمة السوداء بدعوى تعاطفهم مع الشيوعيه
نهاية الحرب الباردة و بداية نظام عالمي جديد
بمجرد تولي الرئيس الأمريكى “ريتشارد نيكسون” الحكم فى أواخر الستينيات بدء في تنفيذ نهج جديد للعلاقات الدولية فبدلاً من النظر إلى العالم على أنه مكان ثنائي القطب اقترح استخدام الدبلوماسية بدلاً من الأعمال العسكرية لخلق المزيد من الأقطاب و لهذه الغاية شجع الأمم المتحدة على الاعتراف بالحكومة الشيوعية الصينية و بعد رحلة إلى هناك عام 1972 بدأ في إقامة علاقات دبلوماسية مع “بكين” و في الوقت نفسه تبنى سياسة “الاسترخاء” تجاه الاتحاد السوفيتي و وقع هو ورئيس الوزراء السوفيتي “ليونيد بريجنيف” على معاهدة الحد من الأسلحة الاستراتيجية (SALT I) ثم تبعتها معاهدة (SALT I) فى عهد الرئيس ” كارتر ” عامى 1972 و 1979 على التوالي و التى تحظر تصنيع الصواريخ النووية من كلا الجانبين و اتخذت خطوة نحو الحد من التهديد المستمر منذ عقود بالحرب النووية و هى سياسة كانت ذكية حيث تم استغلال الانقسام الشيوعى الذى حدث بين “الاتحاد السوفيتي” و “الصين” عام 1960 و الذى اتسعت هوته على مر السنين مما أدى إلى تحطيم وحدة الكتلة الشيوعية فى مقابل تحقيق أوروبا الغربية و “اليابان” نموًا اقتصاديًا ديناميكيًا في الخمسينيات و الستينيات مما قلل اعتمادهم بشكل كبير على “الولايات المتحدة” .
و على الرغم من جهود “نيكسون” الا أنه اشتعلت الحرب الباردة مرة أخرى في عهد الرئيس “رونالد ريجان” الذى كان مؤمنا أن انتشار الشيوعية في أي مكان فى العالم هو أمر يهدد الحرية و نتيجة لذلك عمل على تقديم المساعدات المالية و العسكرية للحكومات المعادية للشيوعية و حركات التمرد في جميع أنحاء العالم و عُرفت هذه السياسة باسم “مبدأ ريجان ” فى الوقت الذى كان “الاتحاد السوفييتي” يتفكك نتيجة المشاكل الاقتصادية الحادة و الاضطرابات السياسية المتزايدة التى ادت الى تولى رئيس الوزراء “ميخائيل جورباتشوف” منصبه في عام 1985 و قدم سياستين الاولى “الجلاسنوست” أو الانفتاح السياسي على العالم و ” البيريسترويكا “أو الإصلاح الاقتصادي و بدأ الجهود لإضفاء الطابع الديمقراطي على النظام السياسي السوفيتي و بحلول عام 1989 تضاءل النفوذ السوفيتي في أوروبا الشرقية و استبدلت كل دولة شيوعية حكومتها بحكومة أخرى غير شيوعية في ألمانيا الشرقية و بولندا و المجر و تشيكوسلوفاكيا و فى نوفمبر من نفس العام تم تدمير جدار برلين الذى كان الرمز الأكثر وضوحًا للحرب الباردة التي استمرت عقودًا و أخيرًا بعد أكثر من عامين بقليل و فى عام 1991 كان الاتحاد السوفياتي نفسه قد انهار ليحل مكانه 15 دولة مستقلة حديثه من أنقاضه بما في ذلك “روسيا” مع زعيم منتخب ديمقراطيا و معاد للشيوعية و بذلك انتهت الحرب الباردة رسميا .