منذ بداية عصر غزو الفضاء في خمسينيات القرن الماضي و حتي وقتنا الراهن أطلق البشر آلاف من الصواريخ و الأقمار الصناعية التي تركت وراءها كميات هائلة من الحطام المتفاوت الأحجام الذي لم يعد له أي فائدة مشكلا ظاهرة سلبية عرفت بإسم التلوث الفضائي أو Space Debris التي أصبحت حاليا تمثل تحديا كبير للعلماء و المهندسين المعنيين بعلوم الفضاء و هو حطام يتراوح أحجامه ما بين الكبير مثل الأقمار الصناعية الميتة و بقايا الأجزاء الصاروخية و الصغير مثل رقائق الطلاء و نظرا لخطورة تلك الظاهرة فتقوم الأن وكالات الفضاء بتتبع أكثر من 15,000 قطعة كبيرة مع ملايين القطع الأصغر بعد أن أصبحت تشكل تهديدًا متزايدًا لعمليات إستكشاف الفضاء و الأقمار الصناعية العاملة في مدارتها .
و ينشأ الحطام الفضائي من مصادر متعددة أبرزها الأقمار الصناعية التي إنتهت مهمتها و أجزاء من الصواريخ التي تم إطلاقها و حتى الأدوات الصغيرة التي يفقدها رواد الفضاء كما أن الإختبارات المضادة للأقمار الصناعية مثل تلك التي أجرتها دول ” الصين ” و ” الهند ” و ” الولايات المتحدة ” قد ساهم بشكل كبير في زيادته بعد تسببها في إنشاء آلاف القطع الجديدة من الحطام فعلي سبيل المثال عام 2007 أدى تدمير الصينيين لقمرهم الصناعي “فينج يون-1C” إلي إنشاء أكثر من 3,000 قطعة و هو ما زاد من كثافة التلوث الفضائي بشكل كبير كما أن الإصطدامات بين الأقمار الصناعية و بعضها لها تأثير إضافي يعمل علي تفاقم الازمة .
و تشكل ظاهرة التلوث الفضائي خطرًا كبيرًا علي الأقمار الصناعية العاملة و البعثات الفضائية المأهولة نظرا لتحرك تلك الأجسام بسرعات عالية في الفضاء قد تصل إلي 8 كم/ثانية أي أنها في حالة إصطدامها بهم فسوف ينتج عنها أضرارًا جسيمة لذلك كان يتم إستبدال نوافذ مكوكات الفضاء الأمريكية بشكل متكرر بسبب إصطدامهم خلال رحلاتهم بقطع حطام أصغر من 1 ملم كما أنه لتجنب حدوث أي مخاطر كارثية علي محطة الفضاء الدولية ISS فيتطلب أحيانًا إجراء مناورات لتجنب الحطام الفضائي و هو ما يزيد من تعقيد المهمات الفضائية فعلي سبيل المثال في نوفمبر عام 2021 إضطر رواد الفضاء داخل المحطة للمكوث في مركبات الإخلاء بسبب مرورها عبر سحابة حطام ناتجة عن إختبار صاروخي روسي .
و خلال العقود الماضية شهد العالم عدة حوادث بارزة تتعلق بالتلوث الفضائي ففي عام 1996 إصطدمت قطعة حطام من صاروخ أوروبي بالقمر الصناعي الفرنسي “سيريز”، مما تسبب في حدوث أضرار جسيمة له و في عام 2009 أدي إصطدام القمر الصناعي “إيريديوم 33” بالقمر الصناعي الروسي “كوزموس 2251” إلي تدمير كليهما و إنشاء آلاف القطع الجديدة من الحطام و بطبيعة الحال نتيجة كثرة تكرار تلك الحوادث أصبح هناك حالة ملحة لإيجاد حلول فعالة لإدارة و مكافحة التلوث الفضائي خاصة و أن الحطام الناتج عن هذه الإصطدامات يمكن أن يبقي في المدار لعقود أو حتى قرون و هو ما يزيد من تعقيد المشكلة.
و لمحاولة الحد من مشكلة التلوث الفضائي تعمل وكالات الفضاء حول العالم علي تطوير تقنيات لمكافحته و تشمل هذه الجهود حرق الوقود المتبقي في مراحل الصواريخ لمنع إنفجارها لاحقًا و إخراج الأقمار الصناعية من المدار بعد إنتهاء مهمتها كما أنه في عام 2018 أطلقت تجارب تقنية جديدة تتمثل في إستخدام الشباك و الحراب لإلتقاط الحطام بالإضافة إلي محاولات لنقل الأقمار الصناعية القديمة إلي مدارات أخري لتكون مقابر لها بعيدة عن المدارات النشطة لتقليل خطر الإصطدامات كما حدث حين قام قمر صناعي صيني ” شيجيان – 21 ” في يناير عام 2022 بسحب قمر صناعي ميت إلي مدار بعيد عن المدارات العاملة .
و رغم الجهود المبذولة للحد من التلوث الفضائي إلا أنه مع خطط إطلاق الأقمار الصناعية من الأبراج العملاقة مثل مشروع “ستارلينك” التابع لسبيس إكس فمن المتوقع أن يزداد عددها في المدار بشكل كبير مما يزيد من خطر الإصطدامات و يجعل إدارة التلوث الفضائي أكثر تعقيدًا خاصة مع وجود مخاوف من حدوث “متلازمة كيسلر” و هو سيناريو نظري تؤدي فيه الإصطدامات إلي سلسلة من التصادمات تجعل المدارات حول الأرض غير صالحة للإستخدام لذلك يدعو العلماء إلي ضرورة تعزيز التعاون الدولي و وضع قواعد صارمة لإدارة النفايات الفضائية لضمان إستدامة الفضاء للأجيال القادمة.