البنك الدولي هو منظمة دولية تابعة للأمم المتحدة (UN) أنشأ بهدف تمويل المشاريع التي تعزز التنمية الاقتصادية للدول الأعضاء و يقع مقره الرئيسي فى الولايات المتحدة و تحديدا عاصمتها واشنطن و هو بمثابة أكبر مصدر للمساعدات المالية للبلدان النامية بالإضافة إلى تقديم المساعدات الفنية و الإستشارية بشأن سياساتها لا سيما الإقتصادية كما يشرف نيابة عن الدائنين الدوليين على تنفيذ خطط إصلاحات السوق الحرة جنبا إلى جنب مع مؤسسات أخري مثل صندوق النقد الدولي (IMF) و منظمة التجارة العالمية و حاليا يلعب البنك الدولي دورا مركزيا في الإشراف على السياسات النقدية و إصلاح المؤسسات العامة لدي البلدان النامية بغرض الحفاظ على الإستقرار الإقتصادي .
تاريخ البنك الدولي
تأسس البنك الدولي عام 1944 خلال مؤتمر الأمم المتحدة النقدي و المالي الذى عرف بإسم مؤتمر بريتون وودز و أنعقد لتأسيس نظام اقتصادي دولي جديد بعد الحرب العالمية الثانية و بدأ مهامه رسميًا في يونيو 1946 و كانت قروضه الأولى موجهة نحو إعادة إعمار أوروبا الغربية بعد الحرب و بحلول منتصف الخمسينيات من القرن الماضي لعب دورًا رئيسيًا في تمويل الاستثمارات في مشاريع البنية التحتية لدي البلدان النامية و شملت الطرق و السدود الكهرومائية و مرافق المياه و الصرف الصحي و الموانئ البحرية و المطارات.
و خلال الفترة من عام 1968 إلى عام 1981 كان رئيس البنك الدولي هو وزير الدفاع الأمريكي السابق “روبرت ماكنمارا ” و خلال قيادته صاغ البنك مفهوم “التنمية المستدامة” بهدف محاولة التوفيق بين النمو الاقتصادي و حماية البيئة في البلدان النامية و من السمات الأخرى لذلك المفهوم هو إستخدام تدفقات رأس المال في شكل مساعدة إنمائية و إستثمار أجنبي إلى البلدان النامية كوسيلة لتضييق فجوة الدخل بين البلدان الغنية و الفقيرة و لاحقا قام البنك الدولي بتوسيع أنشطة الإقراض الخاصة به إلى أن أصبح هيئة حكومية دولية قوية و موثوقة .
تنظيم البنك الدولي
تتألف مجموعة البنك الدولي من خمس مؤسسات و هى البنك الدولي للإنشاء والتعمير (IBRD) و المؤسسة الدولية للتنمية (IDA) و مؤسسة التمويل الدولية (IFC) و الوكالة الدولية لضمان الإستثمار (MIGA) و المركز الدولي للإستثمار و تسوية منازعاته (ICSID) و تقوم كل مؤسسة منهم بدور محدد حيث يقدم “البنك الدولي للإنشاء و التعمير” قروضاً بأسعار فائدة السوق للبلدان النامية ذات الدخل المتوسط و البلدان ذات الدخل المنخفض أما “المؤسسة الدولية للتنمية” التي تأسست عام 1960 فهى المسئولة عن تقديم قروضًا طويلة الأجل بدون فوائد مع مساعدات فنية و إستشارية بشأن السياسات الخاصة بالبلدان النامية منخفضة الدخل في مجالات مثل الصحة و التعليم و التنمية الريفية و في حين أن “البنك الدولي للإنشاء و التعمير” يجمع معظم أمواله من أسواق رأس المال العالمية الا أن عمليات الإقراض التى تقوم بها “المؤسسة الدولية للتنمية” تكون من خلال مساهمات البلدان المتقدمة أما بالنسبة للمؤسسة الثالثة و هى “مؤسسة التمويل الدولية” فتعمل بالشراكة مع مستثمرين من القطاع الخاص و تقوم بتقديم القروض و ضماناته و تمويل رأس المال لمشاريع الأعمال في البلدان النامية أما “الوكالة الدولية لضمان الإستثمار” فتقدم ضمانات القروض و التأمين للمستثمرين الأجانب ضد الخسائر الناجمة عن المخاطر غير التجارية في البلدان النامية و أخيرًا فإن “المركز الدولي لتسوية منازعات الإستثمار” الذي يعمل بشكل مستقل عن “البنك الدولي للإنشاء و التعمير” فهو مسؤول عن التسوية عن طريق التوفيق أو التحكيم في منازعات الإستثمار بين المستثمرين الأجانب و البلدان النامية المضيفة لهم .
و يرتبط البنك الدولي بمنظمة الأمم المتحدة على الرغم من أنه ليس مسؤولاً أمام الجمعية العامة أو مجلس الأمن و يتم تمثيل كل دولة من الدول الأعضاء في البنك و التي يزيد عددها عن 180 دولة في مجلس المحافظين و يجتمع مرة واحدة كل عام و عادة يكون المحافظين هم وزراء مالية بلدانهم أو محافظى البنوك المركزية و على الرغم من أن مجلس المحافظين له بعض التأثير على سياسات “البنك الدولي للإنشاء و التعمير” الا أن سلطة إتخاذ القرارات الفعلية يمارسها إلى حد كبير أعضاء مجلس الإدارة التنفيذيين البالغ عددهم 25 مديرًا حيث تقوم خمس دول رئيسية و هى “الولايات المتحدة” و “اليابان” و “ألمانيا” و “المملكة المتحدة” و “فرنسا” بتعيين مديريها التنفيذيين بينما يتم تجميع البلدان الأخرى في مناطق ينتخب كل منها مديرًا تنفيذيًا واحدًا و طوال تاريخ البنك الدولي كان منصب رئيس المجلس التنفيذي مواطنًا أمريكيًا و حاليا يعمل بالبنك الدولي أكثر من 10000 شخص ربعهم تقريبا يعملون في البلدان النامية و يمتلك أكثر من 100 مكتب في الدول الأعضاء و يعمل موظفيه في العديد من البلدان بشكل مباشر كمستشارين للسياسات في وزارة المالية و الوزارات الأخرى كما يتمتع البنك الدولي بعلاقات إستشارية و غير رسمية مع الأسواق و المؤسسات المالية في العالم و يحافظ على روابط مع المنظمات غير الحكومية في كل من البلدان المتقدمة و النامية .
و دائما ما تعتمد قوة التصويت داخل البنك الدولي على رأس مال البلد المصوت حيث تعتبر البلدان الأكثر ثراءً و الأكثر تقدمًا من المساهمين الرئيسيين في البنك و بالتالي فهم لديهم نفوذًا كبيرا داخله كما يحصل البنك على أمواله من إشتراكات رأس المال للدول الأعضاء و طرح السندات في أسواق رأس المال العالمية و صافي الأرباح المتراكمة من مدفوعات الفوائد على قروض “البنك الدولي للإنشاء و التعمير” و “مؤسسة التمويل الدولية” حيث يُدفع ما يقرب من عُشر رأس المال المكتتب به مباشرةً للبنك و يخضع الباقي للإستدعاء إذا لزم الأمر للوفاء بالألتزامات .
الديون و السياسات
فى أوائل الثمانينيات حدثت أزمة عالمية فى الديون بعد أن عجزت العديد من البلدان النامية عن الوفاء بسداد ديونها الخارجية لمؤسسات الإقراض متعددة الأطراف نتيجة التباطؤ في الإقتصاد العالمي و إرتفاع أسعار الفائدة و إنخفاض أسعار السلع الأساسية و التقلبات الواسعة في أسعار النفط و هو ما جعل البنك الدولي يشارك بشكل متزايد في تشكيل السياسات الاقتصادية و الاجتماعية لدى البلدان النامية المثقلة بالديون كشرط لتلقي القروض حيث يطُلب من البلدان المقترضة تنفيذ برامج تعديل هيكلية صارمة و التي تشمل عادةً تخفيضات حادة في الإنفاق على الصحة و التعليم و إلغاء ضوابط الأسعار و الضوابط التنظيمية للقطاع المالي و تحرير التجارة و خصخصة الشركات التي تديرها الدولة و على الرغم من أن هذه البرامج تهدف إلى إستعادة الإستقرار الإقتصادي إلا أنها كانت تؤدى في كثير من الأحيان إلى حدوث زيادة فى مستويات الفقر و البطالة المتصاعدة و الدين الخارجي و في أعقاب أزمة الديون تلك ركز البنك الدولي جهوده على تقديم المساعدة المالية في شكل دعم لميزان المدفوعات و قروض لمشاريع البنية التحتية مثل الطرق و مرافق الموانئ و المدارس و المستشفيات و على الرغم من تأكيداته حول التخفيف من حدة الفقر و تخفيف عبء الديون عن أقل البلدان نموا في العالم الا أن البنك الدولي حافظ على إلتزامه بسياسات الإستقرار الإقتصادي التي تتطلب تنفيذ تدابير التقشف من قبل البلدان المتلقية .
كما لعب البنك الدولي و صندوق النقد الدولي أدوارًا مركزية في الإشراف على إصلاحات السوق الحرة في شرق و وسط أوروبا بعد سقوط الشيوعية في الثمانينيات و التسعينيات من القرن الماضي و تضمنت الإصلاحات إنشاء برامج الإفلاس و الخصخصة المثيرة للجدل لأنها أدت في كثير من الأحيان إلى إغلاق المؤسسات الصناعية التي تديرها الدولة و تعديل قوانين العمل لتمكين الشركات من تسريح العمال غير الضروريين و غالبًا ما كان يتم بيع الشركات الحكومية الأكبر حجمًا إلى مستثمرين أجانب أو يتم تقسيمها إلى شركات أصغر مملوكة للقطاع الخاص ففي “المجر” على سبيل المثال تم تصفية حوالي 17000 شركة و إعادة تنظيم 5000 خلال عامي 1992-1993 مما أدى إلى زيادة كبيرة في البطالة , كما قدم البنك الدولي قروض لإعادة الإعمار للبلدان التي عانت من صراعات داخلية أو أزمات أخرى مثل الجمهوريات التي خلفت “يوغوسلافيا” السابقة في أواخر التسعينيات لكن هذه المساعدة المالية لم تنجح في إعادة تأهيل البنية التحتية الإنتاجية لهم كما أدت إصلاحات الإقتصاد الكلي في العديد من البلدان إلى زيادة التضخم و إنخفاض ملحوظ في مستوى المعيشة .
و فى الوقت الراهن يعتبر البنك الدولي هو أكبر مؤسسة دائنة متعددة الأطراف في العالم و على هذا النحو فإن العديد من أفقر دول العالم مدينة له بمبالغ كبيرة من المال و في الواقع بالنسبة لعشرات من البلدان الفقيرة المثقلة بالديون فإن الجزء الأكبر من ديونها الخارجية و الذى يتجاوز فى بعض الأحيان 50% مستحق للبنك الدولي و بنوك التنمية الإقليمية المتعددة الأطراف و وفقًا لبعض المحللين فإن عبء هذه الديون التي لا يمكن إلغاؤها أو إعادة جدولتها وفقًا لقوانين البنك من الممكن أن تؤدي الى إستمرار الركود الإقتصادي في جميع أنحاء العالم النامي .