البحر الميت هو بالأساس بحيرة مالحة تقع على الحدود بين فلسطين و الأردن و يبلغ طوله 67 كم و عرضه عند أوسع نقطة له 18 كم و يعتبر موقعه هو أدني نقطة علي سطح الأرض بإرتفاع 418 مترًا تحت مستوى سطح البحر و يعد ثاني أكثر المسطحات المائية ملوحة في كوكبنا بنسبة 35% أي أكبر بحوالي 8.6 مرة عن متوسط ملوحة المحيطات كما أنه أعمق بحيرة شديدة الملوحة في العالم بأعماق تصل إلي 330 مترًا و بجانب تميزه الجغرافي إلا أن له أهمية كبيرة في الجانب التاريخي أيضا فمنذ ألاف السنيين كان البحر الميت يجتذب إهتمام سكان حضارات حوض البحر الأبيض المتوسط و شهد العديد من الأحداث التاريخية الشهيرة و كان يوما أحد أوائل المنتجعات الصحية في العالم و مورِّدًا لمنتجات متنوعة مثل البيتومين الذي أستخدم في تحنيط المومياوات بالحضارة المصرية القديمة و البوتاس من أجل صناعة الأسمدة بالإضافة إلي مكانته في الديانات السماوية الثلاث الأسلامية و المسيحية و اليهودية .
و جغرافيا يقع البحر الميت في صدع يحمل نفس الإسم و المكون من شق طويل في سطح الأرض يتبع الوادي المتصدع العظيم الذي يبلغ طوله 6000 كم بداية من جبال طوروس في “تركيا” و حتي وادي الزامبيزي في “جنوب إفريقيا” و نتيجة وجوده على إرتفاع 418 متر تحت مستوى سطح البحر فإن ذلك يجعله في أدنى إرتفاع و أدنى مستوى مائي في العالم و يقع البحر الميت بين تلال الخليل من الغرب و هضاب شرق الأردن من الشرق و على طول الجزء الجنوبي الغربي منه يوجد تشكيل طويل يبلغ طوله 210 متر يُعرف بإسم “جبل سدوم” و يطل الجزء الشرقي علي الأردن بينما النصف الجنوبي من الشاطئ الغربي علي الأراضي المحتلة و النصف الشمالي من الشاطئ الغربي علي الضفة الغربية .
و يصب في البحر الميت نهر الأردن الذي يعتبر النهر الرئيسي و الوحيد و الذي يبلغ متوسط تدفقه 540 مليون متر مكعب في السنة كما يوجد هناك أنهار و جداول أصغر تتدفق من التلال المحيطة التي تصب فيه أيضًا و لا توجد له أي مجاري للخروج مما يعني أن أي قطرة مياه تغادر البحر الميت يجب أن تفعل ذلك من خلال التبخر و عند حدوثه فإنها تترك ورائها كل معادنها الذائبة أما في أوقات الفيضانات فمن الممكن أن تنخفض نسبة الملوحة به من 35% و هي المعتادة إلى 30% أو أقل و خلال موسم الشتاء الممطر يعود البحر الميت للحياة مؤقتًا ففي عام 1980 و بعد أحد النوات الممطرة تحول لونه الذي عادة ما يكون أزرق غامق إلى اللون الأحمر و هو تغير فسره الباحثين بأن المياه تعج بنوع من الطحالب يسمى ” دوناليلا ” التي قامت بدورها في تغذية الهالوباكتيريا المحتوية على الكاروتينويد ذات الصبغة الحمراء و التي تعتبر هي المسئولة عن تغير اللون و منذ عام 1980 أصبح حوضه جافًا و لم تعد الطحالب و البكتيريا بأعداد قابلة للقياس أو الملاحظة .
و مناخيا فنتيجة وقوع البحر الميت في منطقة صحراوية إلي حد ما فإن كميات هطول الأمطار عليه ضئيلة للغاية و غير منتظمة حيث تتلقى المنطقة الشمالية من البحر الميت بالكاد 100 ملم من الأمطار سنويًا ولا يصل الجزء الجنوبي منها إلا 50 ملم و يرجع جفاف تلك المنطقة نتيجة تأثر السحاب الحامل للأمطار بتلال الخليل لذلك فتعتبر المرتفعات الواقعة شرقه ذات كميات هطول أمطار أكثر من البحر الميت نفسه لذلك فتتمتع تلك المنطقة بسماوات مشمسة على مدار العام و هواء جاف مع نسبة تلوث منخفضة أما درجات الحرارة فيتراوح متوسطها من 32 إلى 39 درجة مئوية صيفا وما بين 20 و 23 درجة مئوية شتاء و نتيجة إنخفاض تلك المنطقة فهي تحتوي علي نسبة أشعة فوق بنفسجية ضعيفة بالإضافة إلي وجود كميات مرتفعة من الأكسجين بسبب إرتفاع الضغط الجوي .
و يطلق علي البحر الميت ذلك الإسم لأن ملوحته العالية تعني أنه لا يمكن للأسماك أو الكائنات المائية الحية الأخري أن تعيش فيه و لكن توجد إن شئنا الدقة كميات ضئيلة من البكتيريا و الفطريات الميكروبية و رغم شبه عدم وجود حياة به إلا أن النظام البيئي المحيط يعج بالحياة حيث تمتلئ السماء بالطيور المهاجرة التي تسافر ما بين قارة إفريقيا و قارة أوروبا كما توجد مئات الأنواع التي تعيش هناك مثل الخفافيش و القطط البرية و الجمال و الوعل و الأرانب البرية و الثعالب و حتى الفهود التي تجد ملاذًا في الجبال المحيطة بها و لذلك أقيمت محميات طبيعية حول البحر الميت .
و جيولوجيا كان بداية تشكل البحر الميت منذ حوالي ثلاثة ملايين سنة مضت حين غمرت مياه البحر الأحمر ما يعرف الآن بوادي نهر الأردن و منطقة البحر الميت و وادي عربة حيث شكلت المياه خليج ضيق ملتوي كان متصلاً بالبحر ثم جاءت و ذهبت فيضانات الوادي إعتمادًا على تغيرات مناخية طويلة المدى و أصبح هناك بحيرة أحتلت صدع البحر الميت و وفقًا للنظرية الجيولوجية فمنذ ما يقرب من مليوني عام أرتفعت الأرض بين الوادي المتصدع و البحر الأبيض المتوسط إلى حد لم يعد بإمكان مياه البحار أن تغمر تلك المنطقة و هكذا أصبح الخليج الطويل بحيرة طويلة حيث تم تسمية أول بحيرة من عصور ما قبل التاريخ باسم “جومورا” و كانت عبارة عن بحيرة مياه عذبة أو معتدلة الملوحة تمتد على الأقل لمسافة 80 كم جنوب الطرف الجنوبي الحالي للبحر الميت و 100 كم شمالاً فوق منخفض الحولة الحالي و عندما أصبح المناخ أكثر جفافاً تقلصت بحيرة “جومورا” و أصبحت أكثر ملوحة و تحول إسمها إلي ” ليسان” و التي إنخفض قاعها بسبب القوي التكتونية و منذ حوالي 10000 عام إنخفض مستوى البحيرة بشكل كبير و ربما إلى مستويات أقل من اليوم و خلال آلاف السنين الماضية تذبذبت البحيرة ما بين إرتفاعات و إنخفاضات حتي وصلت إلي المستوي الموجودة به حاليا .
و تاريخيا يرجع إتصال البشر بالبحر الميت إلى العصور القديمة حيث عرفه الإغريق بإسم “البحيرة الإسفلتية” بسبب الأسفلت الطبيعي الموجود به و كتب “أرسطو” عن مياهه الرائعة و قيل أنه خلال العصر البطلمي قامت الملكة “كليوباترا” بالحصول على حقوق حصرية لبناء مصانع لمستحضرات التجميل و الأدوية في تلك المنطقة كما أكتشفت قيمة مادة البيتومين التي أستخرجت من البحر الميت و أستخدمها المصريين لتحنيط موتاهم و يوجد أنقاض بلدة على الطرف الشمالي الغربي من البحيرة المالحة ترجع إلي العصر الروماني و تتميز بحفريات و كهوف و مقابر قديمة و في الدين الإسلامي تكمن أهمية البحر الميت في علاقته بنبي الله لوط عليه السلام و الذي أمره الله بالذهاب إلى مدينتي سدوم و عمورة للدعوة لنبذ الممارسات الخاطئة التي يقوم بها الذكور لكنهم رفضوا دعوته و بالتالي تم تدمير سدوم و عمورة كعقاب إلهي و مع مرور القرون عاشت القبائل البدوية بشكل مستمر في منطقة البحر الميت و حاليا تعتبر تلك المنطقة من نقاط الجذب السياحي منذ فترة الستينيات .
و كيميائيا فحتى شتاء 1978-1979 كان البحر الميت يتألف من طبقتين من المياه تختلفان في درجات الحرارة و الكثافة و العمر و الملوحة عن بعضها البعض حيث كانت الطبقة الأعلي ذات 35 مترًا أو نحو ذلك تتراوح نسبة ملوحتها بين 300 و 400 جزء في الألف و درجة حرارتها بين 19 درجة مئوية و 37 درجة مئوية أما الطبقة الأسفل فتحتوي على درجة حرارة ثابتة تبلغ 22 درجة مئوية مع تشبع كامل من كلوريد الصوديوم (NaCl) و نظرًا لأن الماء القريب من القاع مشبع به بما فيه الكفاية فإن الملح يترسب من المحلول إلى قاع البحر و ظلت الطبقة العليا معلقة فوق الطبقة السفلية لأن مياهها كانت أكثر دفئًا و بالتالي أقل كثافة و لكن مؤخرا عندما بردت الطبقة العليا بحيث أصبحت كثافتها أكبر من الطبقة السفلى فقد أدي ذلك إلي إختلاط مياه البحر الميت و لأول مرة منذ قرون كانت البحيرة عبارة عن جسم مائي متجانس .
و يختلف المحتوى المعدني للبحر الميت إختلافًا كبيرًا عن محتوى مياه المحيطات حيث يتكون من حوالي 53% من كلوريد المغنيسيوم و 37% من كلوريد البوتاسيوم و 8% كلوريد الصوديوم (الملح الشائع) أما باقي النسب فموزعة علي عناصر أخري و يعتبر تركيز الكبريتات منخفض جدًا بينما تركيز أيون البروميد هو الأعلى بين جميع المياه على الأرض و تعمل الكلوريدات على معادلة معظم أيونات الكالسيوم في البحر الميت و محيطه و تظهر المقارنة بين التركيب الكيميائي للبحر الميت و البحار و المحيطات الأخرى في أن تركيز الملح في البحر الميت يبلغ أقصاه 35٪ و نتيجة تركيز الملح العالي بشكل غير عادي فيمكن لأي شخص أن يطفو بسهولة في البحر الميت نتيجة لكثافة المياه العالية و من أكثر خصائص البحر الميت غرابة هو تصريف الأسفلت حيث يخرج البحر الميت بإستمرار حصى صغيرة من المادة السوداء و بعد حدوث الزلازل قد يتم إنتاج قطع كبيرة الحجم منه .
و أقتصاديا أصبحت منطقة البحر الميت مركزًا رئيسيًا للبحوث و العلاج الصحي بسبب المحتوى المعدني للمياه و المحتوى المنخفض للغاية من المواد المسببة للحساسية الموجودة بالغلاف الجوي في كوكب الأرض كما أن مكون الأشعة فوق البنفسجية منخفضا للغاية في ذلك المكان و بطبيعة الحال فكل ما سبق له تأثيرات إيجابية علي الصحة فعلى سبيل المثال يبدو أن الأشخاص الذين يعانون من قصور في وظائف الجهاز التنفسي يستفيدون من زيادة الضغط الجوي و كميات الأكسجين في ذلك المكان كما يستفيد المصابين بمشاكل مرضية في الجلد من حمامات الشمس لفترات طويلة في المنطقة نظرًا لموقعها تحت مستوى سطح البحر التي تجعل أضرار تلك الأشعة في أدني مستوي لها و بجانب الأنشطة الطبية فمنذ أوائل القرن العشرين بدأ البحر الميت يجذب اهتمام الكيميائيين الذين أستنتجوا أن البحر كان ترسبًا طبيعيًا من البوتاس و البروم لذلك أقيم مصنع لإنتاج البوتاس ” كلوريد البوتاسيوم ” عن طريق التبخر الشمسي ثم تلتها مصانع أخري بالإضافة إلي إستغلال تلك المنطقة سياحيا من خلال المنتجعات المنتشرة علي ضفافه .
.