البحر الأبيض المتوسط هو واحد من أبرز بحار العالم و أكثرهم أهمية إستراتيجية و يغطى مساحة 2.5 مليون كيلومتر مربع و محاط بشكل كامل تقريبا بقارة أوروبا من الشمال و أسيا من الشرق و أفريقيا غربا و يرتبط بالمحيط الأطلسي عبر مضيق جبل طارق بعرض 13 كيلومترا و عمق 320 متر اضافة الى اتصاله بالعديد من البحار الأخرى مثل البحر الأسود من خلال مضيق الدردنيل و بحر مرمرة الذي غالبًا ما يُعتبر جزءًا منه بمضيق البوسفور و البحر الأحمر فى الجنوب الشرقى عبر قناة السويس و تاريخيًا و نتيجة المناخ الدافئ و المعتدل لمنطقة البحر الأبيض المتوسط فقد ساعد العديد من الشعوب القديمة بتأسيس حضارتها و تطوير علومها و فنونها و أدابها سواء كانت فى الجزء الشمالي منه فى أوروبا مثل الحضارة اليونانية و الرومانية أو الجنوبي فى أفريقيا مثل الحضارة المصرية و القرطاجيه كما كان يعتبر أهم طريق للتجار و المسافرين في العصور القديمة بشكل أتاح التبادل التجاري و الثقافي بين شعوب المنطقة لذلك فتعد معرفة تاريخ البحر الأبيض المتوسط أمرًا بالغ الأهمية لفهم أصول و تطور العديد من المجتمعات الحديثة .
و يعتبر مناخ البحر الأبيض المتوسط بشكل عام رطب شتاءا و جاف حار صيفا و يحتوى على العديد من الجزر أبرزها فى الشرق قبرص و كريت و إيبوا و رودس و ليسبوس و خيوس و كيفالونيا و كورفو و فى الوسط سردينيا و كورسيكا و صقلية و مالطا و فى الغرب إيبيزا و مايوركا و مينوركا و يتم تحديد طبيعته كبحر من خلال حقيقة أنه غير ساحلي تقريبًا فنتيجة الاتصال الضيق بالمحيط الأطلسي فإن المد و الجزر محدودين فيه للغاية كما يتميز بلونه الأزرق الغامق خاصة حول الجزر اليونانية و هو مسطح حساس بشكل خاص للتغيرات المناخية فخلال فترات الجفاف يترسب فيه الغبار المتطاير من الصحراء الكبرى بينما تسوده رواسب الطين الناتج عن الأنهار خلال الفترات الرطبة .
و فى البحر الأبيض المتوسط يتجاوز معدل التبخر هطول الأمطار فيه مما يؤثر على حركة المياه داخله كما أن كمية المياه العذبة التي تتدفق إليه من الأنهار هي فقط ثلث الكمية المفقودة من خلال التبخر الذى يكون مرتفعًا بشكل خاص في النصف الشرقي منه مما يؤدي إلى انخفاض منسوب المياه و زيادة الملوحة باتجاه الشرق و نتيجة ذلك الخلل تسحب المياه الباردة نسبيًا و المنخفضة الملوحة من المحيط الأطلسي اليه لترتفع درجة حرارتها و تصبح أكثر ملوحة أثناء تحركها شرقاً حيث يبلغ متوسط الملوحة في المياه السطحية له حوالي 38 جزءًا في الألف باستثناء المنطقة الأقرب إلى المحيط الأطلسي و تقترب من 40 جزءًا في الألف شرق البحر الأبيض المتوسط خلال فصل الصيف أما بالنسبة الى المياه العميقة فتبلغ نسبة ملوحتها حوالي 38.4 جزء في الألف .
و يحتوي البحر الأبيض المتوسط على ثلاث طبقات من الكتل المائية و هى طبقة سطحية و وسيطة و طبقة عميقة موجودة في القاع و تدور مياهه فى حركات منفصلة عكس اتجاه عقارب الساعة و تعتبر المناطق القريبة فيه الى خط الأستواء أكثر سخونة في درجة الحرارة حيث يتمتع خليج سدرة قبالة الساحل الليبي بأعلى درجات حرارة للمياه بحوالي 31 درجة مئوية في شهر أغسطس يليه خليج الإسكندرونة بـ 30 درجة مئوية بينما أقل درجات حرارة السطح تقع في أقصى شمال البحر الأدرياتيكي حيث ينخفض متوسط درجة الحرارة في فبراير إلى 5 درجات مئوية في خليج تريست و يتشكل به الجليد أحيانًا في فصل الشتاء .
و تعد جيولوجيا البحر الأبيض المتوسط معقدة حيث تنطوي على تفكك و من ثم تصادم الصفائح التكتونية الأفريقية و الأوروبية الآسيوية و يبلغ متوسط عمقه 1500 متر و أعمق نقطة مسجلة به 5267 مترًا في كاليبسو ديب في البحر الأيوني اما سواحله فتمتد لمسافة 46000 كيلومتر و توجد به سلسلة من التلال البحرية الضحلة الواقعة تحت مضيق صقلية تفصل بين جزيرة صقلية و ساحل تونس و تقسمه إلى منطقتين فرعيتين رئيسيتين و هم غرب البحر الأبيض المتوسط و يغطى مساحة 850 ألف كيلومتر مربع و شرق البحر الأبيض المتوسط. و مساحته 1.65 مليون كيلومتر مربع .
و يطل على البحر الأبيض المتوسط 21 دولة و هم :
- أوروبا (من الغرب إلى الشرق) : إسبانيا .. فرنسا .. موناكو .. إيطاليا .. جزيرة مالطا .. سلوفينيا .. كرواتيا .. البوسنة والهرسك .. الجبل الأسود .. ألبانيا .. اليونان .
- آسيا (من الشمال إلى الجنوب) : تركيا .. سوريا .. قبرص .. لبنان .. فلسطين .
- إفريقيا (من الشرق إلى الغرب) : مصر .. ليبيا .. تونس .. الجزائر .. المغرب .
إضافة الى العديد من المناطق الأخرى التى تحد البحر الأبيض المتوسط و هى (من الغرب إلى الشرق) :
- مستعمرة التاج في جبل طارق (المملكة المتحدة) .
- منطقة سبتة و مليلية و الجزر المجاورة ( إسبانيا ) .
- منطقة جبل أثوس ( اليونان ) .
- منطقة القاعدة السيادية أكروتيري و ديكيليا .
و رغم أن دول مثل “مقدونيا و البرتغال و سان مارينو و صربيا و الفاتيكان ” لا تحد ساحل البحر الا أنها غالبًا ما تُعتبر دولًا متوسطية بمعنى أوسع نظرًا لمناخها المتوسطي و حيواناتها و نباتاتها و تقاربها الثقافي مع دول البحر الأبيض المتوسط الأخرى.
و بجانب الدول فينقسم البحر الأبيض المتوسط إلى عدد من البحار الأصغر و لكل منها تسميته الخاصة و هى كالأتى (من الغرب إلى الشرق) :
- بحر البوران بين اسبانيا و المغرب .
- بحر البليار بين البر الرئيسي لإسبانيا و جزر البليار .
- بحر ليجوريا بين كورسيكا و ليجوريا (إيطاليا) .
- البحر التيراني محاطًا بسردينيا و شبه الجزيرة الإيطالية و صقلية .
- البحر الأدرياتيكي بين شبه الجزيرة الإيطالية و سواحل سلوفينيا و كرواتيا و البوسنة و الجبل الأسود و ألبانيا .
- البحر الأيوني بين إيطاليا و اليونان و ألبانيا .
- بحر إيجه بين اليونان و تركيا مع بحر تراقيا في شماله .
- بحر ميرتوان بين جزر سيكلاديز و بيلوبونيسوس .
- بحر كريت شمال جزيرة كريت .
- البحر الليبي جنوب جزيرة كريت و بين الجزيرة و ليبيا .
- بحر مرمرة بين بحر إيجة و البحر الأسود .
- بحر قيليق بين تركيا و قبرص .
كما يحتوى البحر الأبيض المتوسط أيضا على عدد من الخلجان و هى :
- خليج سان جورج في لبنان .
- خليج كورنث و هو بحر مغلق بين البحر الأيوني و قناة كورينث .
- خليج سارونيك و خليج أثينا بين قناة كورينث و بحر ميرتوان .
- خليج سالونيك و يقع في المنطقة اليونانية الشمالية من مقدونيا .
- خليج كفارنر فى كرواتيا .
- خليج الأسد فى جنوب فرنسا .
- خليج فالنسيا شرق اسبانيا .
- مضيق ميسينا بين صقلية و أصابع القدم فى إيطاليا .
- خليج تارانتو فى جنوب إيطاليا .
- مضيق أوترانتو بين إيطاليا و ألبانيا .
- خليج حيفا بين حيفا و عكا بفلسطين .
- خليج سدرة بين تونس و برقة (شرق ليبيا).
- مضيق صقلية بين صقلية و تونس .
- قناة كورسيكا بين كورسيكا و إيطاليا .
- مضيق بونيفاسيو بين سردينيا و كورسيكا .
- خليج اسكندرونة بين اسكندرونة و اضنة (تركيا).
- خليج أنطاليا بين الساحل الغربي والشرقي لأنطاليا (تركيا).
- خليج كوتور على ساحل الجبل الأسود .
و نتيجة الجفاف الذى تواجد فى منطقة البحر الأبيض المتوسط خلال أزمة الملوحة الميسينية فقد أدى ذلك إلى القضاء على معظم الحياة البحرية التى عاشت في تلك الفترة و بالنسبة الى النباتات الحية البحرية الموجودة فيه حاليا فهى مستمدة بشكل أساسي من المحيط الأطلسي و خلال القرون القليلة الماضية غيرت البشرية جيولوجيا البحر الأبيض المتوسط من خلال حفر القنوات و إعادة توجيه الأنهار و بناء الهياكل على طول السواحل مما أدى إلى تفاقم و تغيير أنماط الانجراف فيه و تاريخياً كانت التدفقات الموسمية الكبيرة القادمة من نهر النيل قد أسهمت فى التقليل من ملوحة المياه الساحلية و التى أثرت بالسلب على إنتاجية مصايد الأسماك في الجزء الجنوبي الشرقي منه الى أن وضع بناء السد العالي في “أسوان” عام 1970 حداً لهذا التقلب الموسمي لتصريف مياه النيل في البحر المتوسط .
و يواجه البحر الأبيض المتوسط مشكلات اضافية أخرى تتمثل فى سوء إدارة الشواطئ و الإفراط في استخدام موارد البحر الطبيعية و البحرية كما تمثل مشكلة التلوث الصناعي و الكيميائي القادمة من القوارب تهديد آخر اضافة الى مياه الصرف الصحي الخام التي يتم إلقاؤها مباشرة فيه و التى تبلغ كل عام أكثر من مليون طن و هو ما ادى الى اختفاء العديد من الأنواع البحرية تقريبًا الموجودة فيه مثل فقمة البحر المتوسط .