تشهد جميع دول العالم بشكل يومى وقوع العديد من الحوادث التى بعضها يكون عرضيا و الأخر مدبرا و التى تسفر عن وفاة العديد من الأفراد و يكفى ان تتابع الصحف و ستجد أنها تقوم بتغطيتها فى صفحات مخصصة , و رغم كثرة تلك الحوادث الا أن بعضها يتسم بالغرابة الكافية التى تلفت انتباه القارئ و تكون حديث المجتمع بأكمله لفترة من الوقت و لكن سرعان ما يقل الاهتمام بها لاحقا , و بما أن لكل قاعدة استثناء فتوجد بعض من الحوادث التى لا ينساها التاريخ و لا يزال يتحدث عنها الناس رغم تعاقب الأجيال لشدة غرابتها و احتوائها على تفاصيل مثيرة واحدة منها شهدتها الولايات المتحدة خلال فترة الثلاثينيات و الأربعينيات و أطلقت عليها وسائل الإعلام وقتها اسم حادث الأخوين كولير .
بدأت أحداث تلك القصة في 21 من مارس عام 1947 حين اتصل رجل مجهول بمركز شرطة “نيويورك” ليشتكي من رائحة تحلل منبعثة من منزل قديم متهالك يقع فى منطقة “فيفث أفينيو” فى حى هارلم و نظرًا لأن القاطنين فى ذلك المكان غالبًا ما اتصلوا بالشرطة بشأن وقوع بعض من الأحداث الغريبة في نفس المنزل سابقا لم تتردد الشرطة فى ارسال احد رجالها و الذى بمجرد وصوله لم يستطع حتى أن يجد طريقًا إلى الداخل حيث تم تعزيز النوافذ بقضبان حديدية و لا يوجد جرس للباب اضافة الى امتلاء المدخل بكومة من الخردة مكونة من صحف و صناديق و كراسي بشكل يعوق الدخول اليه حتى مع وصول ستة رجال أخرين للدعم .
أخيرًا و عندما بدأ رجال الشرطة في اخراج القمامة في الشارع أستطاع أحدهم أن يدلف من نافذة موجودة في الطابق الثاني و الذى بمجرد دخوله الى الغرفة واجه أمامه أيضا جبال أخرى من القمامة التى وصل تراكمها الى السقف ليبدء فى اخراجها فى عملية أستغرقت منه خمس ساعات ليعثر على جثة احد قاطنى المنزل و هو “هومر كولير ” الذى كان متوفيا من شدة الجوع حيث أشارت التقديرات الى أنه كان ميتا منذ 10 ساعات و بدأت الشرطة و وسائل الاعلام فى الاشتباه الى أن اخيه “لانجلى كولير” هو المتسبب فى وفاته خاصة مع عدم ظهوره نظرا الى أنه كان معروف أن الأخوين كولير يعيشان معًا لأكثر من عقد من الزمان و بدأت الشائعات فى الانتشار بأن “لانجلي” قد استقل حافلة إلى مدينة “أتلانتيك سيتي” فى “نيو جيرسي” لترسل الشرطة فريقا لمطاردته و في النهاية لم تصل الى شئ .
و بالعودة إلى ذلك المنزل الغامض لم تجد السلطات شيئًا أكثر من نفس الخردة المنتشرة فى المكان و تجمعت حشود كبيرة فى الخارج تصل إلى 2000 شخص لمشاهدة العمال ينقلون كل شيء خارج المنزل من صحف و بيانو و جهاز للأشعة السينية و غيرها و في النهاية قاموا بإزالة ما لا يقل عن 120 طنًا من النفايات أي أكثر من وزن الحوت الأزرق و بعد ما يقرب من ثلاثة أسابيع من هذا التنظيف و في يوم 9 من أبريل عثر أحد العمال على جثة ” لانجلى كولير ” داخل نفق بعرض نصف متر مصنوع من الأدراج و مراتب السرير و هو الأمر الذى أثار دهشة الشرطة التى كانت مستمرة فى مطاردة ” لانجلى ” و ادارة عمليات بحث مكلفة و هو على بعد ثلاثة أمتار فقط من المكان الذي تم العثور فيه على أخيه قبل أسابيع الا أن جثمانه كان محجوبًا بجبال و متاهات من القمامة التي التهمت المنزل المتعفن و بمناظرة جثته قدرت السلطات أنه توفي في 9 مارس أي قبل أسبوعين تقريبًا من أخيه ” هومر ” و كان هو المصدر الفعلي للرائحة التي تم إبلاغ الشرطة بها و تقوم بتسليط الضوء على ذلك المكان الغريب الذى لم يرى العالم مثله من قبل .
و على الرغم من أن حقيقة غرابة منزلهم لم تظهر حتى عام 1947 الا أن الأخوين كولير بدأوا فى الانغلاق على أنفسهم داخل ذلك المنزل بموعد أبكر من ذلك في أوائل الثلاثينيات و على مدى السنوات التالية اكتسب الأخوين كولير سمعة سيئة في المنطقة بسبب عاداتهم الغريبة الأطوار و هي تخزين كميات هائلة من القمامة داخل منزلهم و بناء أفخاخ لحمايتها رغم أن حياتهم كانت فى البداية طبيعية للغايه حيث وُلِد هومر و لانجلي كوليير عامي 1881 و 1885 على التوالي لطبيب في “مانهاتن ” و عاشوا في مساكن مشتركة في الجزء الأول من حياتهم بينما كان والدهم لا يزال يدرس في كلية الطب و عندما بدأ العمل في مستشفى “بلفيو” انتقل الأخوين كولير مع أسرتهم إلى ذلك المنزل و التحق الشقيقان بجامعة “كولومبيا” حيث درس “هومر” القانون البحري بينما درس “لانجلي” الهندسة و الكيمياء و عندما انفصل والداهم عام 1919 اختار الأخوين كولير و اللذان لم يتزوجا أن يعيشا بمفردهما مع والدتهم و بعد سنوات قليلة و في عام 1923 توفي والدهم و بعد ست سنوات لحقت به والدتهم و يستمر الأثنان فى العيش بالمنزل .
و في هذه المرحلة لم يظهر على الأخوين كولير أى شئ به غرابة فى الأطوار حيث استمر ” هومر ” في ممارسة القانون بينما اشترى “لانجلي” البيانو و بدء فى العزف عليه و العمل كمهندس ثم بدأت حياتهم فى الانحراف عن مسارها الطبيعى عندما أصيب ” هومر ” عام 1932 بسكتة دماغية تسببت في إصابته بالعمى و أدى ذلك إلى ترك “لانجلي” وظيفته لرعاية شقيقه و يبدأوا في الانسحاب من الحي المحيط بهم بسبب خوفهم من تشكل مجتمع جديد فى المنطقة و الذى بدأ يمتلئ بالسود و الفقراء و اعتنى “لانجلي” بأخيه قدر استطاعته و رفضا رفضًا قاطعًا رؤية أي طبيب حيث كان يطعم أخيه بنظامًا غذائيًا يتكون من 100 برتقالة في الأسبوع و خبز و زبدة الفول السوداني و التي ادعى أنها ستعالج عمى أخيه و كان يقرأ له أيضًا الأدب و يعزف السوناتات الكلاسيكية على البيانو و رغم تلك المحاولات الا أن ” هومر ” أصيب في النهاية بالروماتيزم و الذي أصابه بالشلل التام و رغم اصابته تلك الا أنه استمر فى رفض أي مساعدة طبية .
أقرأ أيضا : كارل تانزلر الرجل الذى وقع فى حب مريضته ثم عاش مع جثتها بعد وفاتها
في هذه المرحلة فقد الأخوين كولير أي مصدر دخل و أغلقت المدينة مرافقها عن المنزل لعدم تسديد فواتيرها و حاول ” لانجلى ” التغلب على تلك المشكلة بصفته كان مهندسًا ماهرًا حيث قام بتجهيز سيارة فورد قديمة كانت العائلة تمتلكها لتعمل كمولد للمنزل و كان يستخدم المضخات في الحدائق المحلية كمصدر للمياه و يستخدم سخان كيروسين صغير لتدفئة منزلهم و بعدها بدء يصاب باضطرابات نفسية جعلته يتوقف عن مغادرة المنزل سوى بعد منتصف الليل و خلال رحلاته الليليلة فى المدينة كان يلتقط قدرًا كبيرًا من القمامة و يعيدها إلى المنزل حيث كان يقوم بتخزينها بما في ذلك عربات الأطفال و الدراجات الصدئة و السجلات و الزجاجات الفارغة و علب الصفيح و كان يشتري و يخزن الآلاف من الأدوات و الكتب و الأقمشة غير المستخدمة كما جمع أكوامًا من الصحف التي ذكر أنها كانت مخصصة لأخيه ” هومر ” عندما يستعيد بصره .
و نظرا لغرابة أطوار الأخوين كولير فقد أكسبهم ذلك سمعة سيئة داخل الحي و أكتسبت قصصهم اهتمامًا واسعًا عام 1938 عندما ذكرت “صحيفة نيويورك تايمز” فى احدى مقالاتها أن الأخوين قد جمعوا نوعًا من الثروة المادية الهائلة داخل منزلهم حيث أثارت هذه المقالة قدرًا كبيرًا من الاهتمام حول الأخوين كولير و أدت إلى عدد من محاولات السطو على المنزل و لأن ” لانجلى ” كان مهندسا فقد قام ببناء عددًا كبيرًا من الأفخاخ المعقدة بداخل المنزل لردع اللصوص المحتملين و بعد أن ألقى بعض أطفال الحي الحجارة عبر النافذة قام بسد جميع النوافذ و أغلق الأبواب .
و على الرغم من عيشهم في فقر مدقع بدا أن الأخوين كولير يمتلكان قدرًا كبيرًا من المال الذي تم توفيره حيث لاحظ الجيران أنهم دفعوا 7500 دولار نقدًا (حوالي 120 ألف دولار اليوم) عندما قام بنكهم عام 1942 بالذهاب للحجز على منزلهم لأنهم توقفوا عن سداد الرهن العقاري و كان “لانجلي” ينتظرهم في الداخل بشيك بالمبلغ لدفع الرهن بأكمله حيث كان فى ذلك الوقت يمتلئ المنزل بالخردة لدرجة أنه كان من المستحيل الدخول إليه من الباب الأمامي و كانت القمامة تفيض خارج المنزل و الشقيقان يعيشان و ينامان في أعشاش بنياها وسط أكوام القمامه حيث كان يقضى “لانجلي” وقته خلال النهار في العمل على اختراعاته و كذلك بناء الأنفاق و الممرات عبر أكوام القمامة في جميع أنحاء المنزل و أختبار الأفخاخ التى قام بنصبها و التى كان من المرجح أنها هى من تسببت فى وفاته حيث تقول السلطات أنه بينما كان يجلب الطعام إلى “هومر” عبر أحد أنفاقه فقد تعثر في أحد الأفخاخ الخاصة به تسبب في حدوث انهيار مميت للقمامة عليه و بسبب وفاته مات أخيه سريعا من الجوع لعدم تقديم أى طعام أو شراب له .
و بعد مرور ثلاثة أشهر من ذلك الحادث تم هدم المنزل ليختفى آخر دليل مادي على منزل الأخوين كولير الغريب للخردة و فى الوقت الحالى يستخدم موقعه كمتنزه صغير سمى بأسمهم و الذى حاولت احدى الجمعيات تغييره أن مفوض الحدائق رفض ذلك لأن الأخوين كولير و قصتهم أصبحوا من معالم ” نيويورك ” و قال أنه أحيانًا يُكتب التاريخ عن طريق الصدفة و ليس كله جميلًا الا اننا ملتزمين به حتى أن الأباء فى نيويورك ينصحون أطفالهم بتنظيف غرفهم وإلا فسوف ينتهي بهم الأمر مثل الأخوين كولير .