تعد من أكبر المشكلات التي واجهت الولايات المتحدة و لا تزال هي تنوع الأعراق الموجودة فيها لأنها دولة تأسست علي يد العديد من المهاجرين الوافدين إليها من شتي بقاع الأرض و بطبيعة الحال كان من بينهم مواطنين قادمين من اليابان للسعي نحو الحلم الأمريكي و مع قرب تورط كلا الدولتين في صدام عسكري أوائل الأربعينيات قدرت أعداد الأمريكيين من ذوي الأصول اليابانية بأكثر من 100 ألف شخص كان ثلثيهم من المواطنين الذين ولدوا علي الأراضي الأمريكية و يعيشون و يعملون في ولايات الساحل الغربي و رغم التقارير التي أفادت بإخلاصهم للدولة الأمريكية إلا أن ذلك لم يكن كافيا لطمئنة مسئوليها الذين قرروا تجميعهم في أماكن عرفت بمعسكرات إعتقال اليابانيين الأمريكيين و التي كانت دليلا علي أنه خلال فترات الحروب أو عند تعرض البلاد لمخاطر قد تمثل تهديد لأمنها القومي فلا يوجد أي معني لمفهوم حقوق الإنسان .
و ترجع معسكرات إعتقال اليابانيين الأمريكيين بخلفية تاريخية بدأت بحلول يوليو عام 1941 حين فرضت الحكومة الأمريكية عقوبات على الإمبراطورية اليابانية بهدف كسر آلتها الحربية التي تقوم بمهاجمة جيرانها من الدول الأسيوية و كانت هناك شكوك كبيرة في أن مثل ذلك الأمر سوف يؤدي في النهاية إلى نشوب حرب معها لذلك عندما تم إعتراض برقية يابانية في 24 سبتمبر تشير إلى أنه تم التخطيط للقيام بهجمات علي أهداف أمريكية أخذت إدارة الرئيس ” فرانكلين روزفلت ” ذلك الأمر على محمل الجد لذلك كان أولي الخطوات التي تم إتخاذها هو تكليف رجل الأعمال ” كورتيس مونسون ” بالتحقيق في ولاء المواطنين الأمريكيين من ذوي الأصول اليابانية و نظرا لأهمية ذلك التقرير فقد تم إعداده في وقت قياسي و قام ” مونسون ” بإنهائه في 7 أكتوبر و بعد شهر وضعت النسخة النهائية منه على مكتب الرئيس و كانت نتائجه واضحة بأنه لن يكون هناك أي تهديدات بالتمرد المسلح أو حدوث أي أعمال تخريب من هؤلاء المواطنين .
و أعتمد ” مونسون ” علي عدد من الأدلة التي ذكرها في تقريره و منها بني عليه تلك الإستنتاجات و التي تمحورت في أنه لم يذهب الكثير من هؤلاء المواطنين إلى “اليابان” من قبل كما أنه توجد أعداد من الشباب منهم لا يتحدثون اليابانية علي الإطلاق و حتى من بين كبار السن الذين ولدوا في “اليابان” كانت الآراء و المشاعر مؤيدة بشدة لأمريكا و لم يكن من المحتمل أن تتراجع في حالة نشوب حرب مع بلدهم الأم و لكن رغم تلك الملاحظات الموجودة داخل التقرير و المفعمة بالأمل حول قدرة الأمريكيين على تنحية الإختلافات في العرق و الأصل القومي جانباً و بناء مجتمعات صحية إلا أن تلك النظرة كانت مختلفة تماما لدي الأجهزة الأمنية و صناع القرار لذلك مع حلول نهاية نوفمبر تم تصنيف الآلاف من الأمريكيين ذوي الأصول اليابانية علي أنهم مصدر تهديد كبير لذلك تم الأمر بإعتقالهم في هدوء و مع ذلك لم يأتي الأسوء بعد و الذي كان تواجدهم داخل معسكرات إعتقال اليابانيين الأمريكيين .
و مع وقوع أحداث الهجوم الياباني علي ميناء بيرل هاربر في 7 ديسمبر شعر الأمريكيين بالغضب و بدأوا في البحث عن كيفية الرد علي تلك الضربة و كان السياسيين الأمريكيين الطموحين سعداء بإستغلال أسوأ غرائز الجمهور الخائف و الغاضب و الباحث عن الإنتقام لذلك قام المدعي العام في ذلك الوقت ثم حاكم كاليفورنيا لاحقا “إيرل وارين” بالدعوة إلي إزالة العرق الياباني الموجود في تلك الولاية كما لم يكن هو الوحيد الذي حمل تلك المشاعر تجاه اليابانيين حيث نجح مساعد وزير الحرب “جون مكلوي” و آخرين من قيادات الجيش في إقناع الرئيس “روزفلت” بالتوقيع على الأمر التنفيذي رقم 9066 في 19 فبراير 1942 و الذي يخول السلطات بإنشاء منطقة حظر علي اليابانيين من التواجد في النصف الغربي من ولايات واشنطن و أوريجون و كل ولاية كاليفورنيا حتى حدود نيفادا و النصف الجنوبي من ولاية أريزونا بالتزامن مع إعتقال 120 ألف شخص تم تسميتهم بالأعداء الأجانب من تلك المناطق و نقلهم منها بشكل غير رسمي حتي أنهم لم يُمنحوا أي وقت تقريبًا لبيع ممتلكاتهم أو منازلهم أو أعمالهم و خسر معظمهم كل ما يمتلكونه أما بالنسبة للمدنيين الأمريكيين الذين حاولوا إعاقة عمليات الإجلاء عن طريق إخفاء أصدقاء يابانيين لديهم أو الكذب بشأن مكان وجودهم فقد تعرضوا للغرامات و السجن و بحلول ربيع عام 1942 كانت عمليات الإخلاء جارية علي قدم و ساق عبر منطقة الحظر .
و واجه الأمريكيين ذوي الأصول اليابانية الذين تم القبض عليهم في الإعتقالات المبكرة الأمرين حيث كان من بينهم “كاتسوما موكيدا” الشاب الذي كان يعيش آنذاك في جنوب “كاليفورنيا” و الذي قال أنه مساء يوم 7 ديسمبر عام 1941 عاد إلى منزله في العاشرة مساء و بعد ساعة جاءه رجال من مكتب التحقيقات الفيدرالي و الشرطة المحلية و طلبوا منه أن يأتي معهم و في طريقهم أخذوا أحد أصدقائه أيضا و وصلوا إلى مركز شرطة لوس أنجلوس بعد الساعة 3:00 صباحا و سألوه عن إسمه و عما إذا كان على صلة بالقنصلية اليابانية ثم تم إلقاءه في السجن و بعدها تم ترحيله إلى سجن مدينة “لينكولن” و ظل به أسبوع و منه إلي سجن المقاطعة حيث مكث 10 أيام و بعدها تم نقله إلى أحد معسكرات إعتقال اليابانيين الأمريكيين في منطقة ” ميسولا ” بولاية ” مونتانا ” و تروي “مارييل تسوكاموتو” التي كانت طفلة في ذلك الوقت أجواء الرهبة التي عاشتها في تلك اللحظات حيث تقول أن أتعس ذكرى لها كان اليوم الذي أضطرت مع أهلها لمغادرة مزرعتهم و رأت والديها قلقين جدا لأنهم لم يعرفوا ماذا سيحدث لهم كما لم يكن لديهم فكرة عن المكان الذي سيتم إرسالهم إليه و كان الناس يبكون و العديد من العائلات منزعجة و أعتقد البعض أنهم لن يعاملوا بشكل جيد و ربما يقتلون و كان الجميع مستائين للغايه لأنهم كانوا أبرياء .
و نتيجة إمتلاء السجون المحلية بالأمريكيين من ذوي الأصول اليابانية و إستمرار توافد المزيد منهم بدأت السلطات في التفكير في حلول للتحديات اللوجستية المتمثلة في إسكان أكثر من 100 ألف شخص و أستغرق الحل بضعة أشهر لتنفيذه و كان شبكة مكونة من 10 معتقلات عرفت بإسم معسكرات إعتقال اليابانيين الأمريكيين و كانت تقع عادةً في مواقع نائية جدًا و قاسية جدًا و كان مصممي تلك الأماكن يعتزمون أن تكون مرافقها ذاتية الدعم بسبب معرفتهم أن العديد من الأمريكيين اليابانيين كانوا يعملون في تنسيق الحدائق و الزراعة لذلك كان من المتوقع أن يقوم سكان المعسكرات بزرع ما يكفيهم من الطعام بشكل مستقل و لكن مع الوقت كان من الصعب تحقيق تلك الرؤية علي أرض الواقع بسبب أن المخيم كان يستوعب في المتوسط ما بين 8000 و 18000 شخص و هي أعداد ضخمة للغاية كما أن المعسكرات كانت علي أرض غير خصبة تقريبا مما يجعل محاولات الزراعة بها على نطاق واسع بلا جدوى و لمحاولة تعويض ذلك عُرض على البالغين في المخيم وظائف و أعمال تستخدم في المجهود الحربي الأمريكي مثل صناعة شباك التمويه أو تجهيز معدات خاصة لوزارة الحرب التي كانت تقوم بدفع 5 دولارات يوميا لهم و التي سهلت علي النزلاء إستيراد الطعام إلى تلك المعسكرات و نما إقتصاد داخل تلك المراكز ساهم في إستقرار حياة الأسر داخلها نسبيا .
و رغم تميز معسكرات إعتقال اليابانيين الأمريكيين عن غيرها من المعتقلات في البلدان الأخري بالسماح لأفرادها بالعيش كعائلات مجتمعة مما يضفي عنصر الإستقرار بها إلا أن بعضها قد شهد العديد من الأزمات و التمردات منها قيام أحد المعتقلين بحشد زملائه من أجل تقديم عدد من المطالب لقيادات المعسكر و لكن لم يتم التسامح مع أنشطته التي تم إعتبارها تخريبية و لذلك في أحد الأيام جاءت فرقة من الشرطة العسكرية و قامت بسحبه و أخراجه إلى البرية كما لو كانوا مثل فرق الإعدام و سألوه عما إذا كان يريد سيجارة و أجابهم بالنفي ثم سألوه عما إذا كان يريد أن يكون معصوب العينين و أجابهم بالنفي ثم أوقفوه و وقفوا أمامه و قاموا بتصويب بنادقهم و أطلقوا النيران و لحسن الحظ لم تكن البنادق محشوة بالرصاص ثم تركوه حيث كانت تلك التكتيكات لإرهاب المعارضين و من أجل السيطرة علي المعسكر إلا أن ذلك لم يمنع من إستخدام الحراس للذخيرة الحية حال إقتراب أحدهم من السياج ففي عام 1943 أطلق النار على طاه يبلغ من العمر 63 عامًا يدعى “جيمس واكاسا” بسبب سيره بالقرب من السياج رغم تحذيرات الحارس له إلا أنه كان من الواضح أن الطباخ كان يعاني من مشكلات بالسمع و بعد شهر من ذلك الحادث أطلق حارس آخر رصاصة تحذيرية على زوجين كانا يسيران بالقرب من السياج و نتيجة تلك الممارسات أضرب نزلاء المعسكر عن العمل رافضين القيام بأي عمل حربي أو التعاون مع السلطات و يبدو أن كبار المسؤولين قد أدركوا خطأهم لأنه منذ ذلك الحين بدأوا في إجراء تغييرات على كيفية إدارة تلك الأماكن .
و تضمنت التغييرات التي طالت معسكرات إعتقال اليابانيين الأمريكيين في الغالب نزع السلاح و تخفيف السيطرة على المخيمات و مع حلول نهاية عام 1943 لم يعد الأمن موجودا و لم تكن هناك أسلحة و لم يكن هناك أحد يقف في أبراج الحراسة و تم السماح للأطفال بالذهاب في رحلات ميدانية خارج الأسلاك و سمح لبعض الرجال من تلك المعسكرات بالعمل في البلدات المجاورة و كانت تلك إستراتيجية سليمة حيث كان سكان تلك المعسكرات لم يكن لديهم أي نية للهرب فلا مكان يذهبون إليه سيرا علي الأقدام في الصحراء خاصة بوجههم الأسيوي الذي كان سيثير الشكوك كما أنه كان يحق لأي شخص منهم المغادرة بشكل شرعي من المخيمات إذا قرر التوجه إلي أي ولاية بعيدا عن الساحل الغربي المفروض عليه الحظر علي الرغم من أنه لم يكن من السهل فعل ذلك نتيجة عدم تقبل الأمريكيين للتعامل مع ذوي الأصول اليابانية لذلك كان من الصعب العيش في أي بلدة أو العثور علي عمل من دون أي مضايقات .
و بحلول نهاية الحرب العالمية الثانية كانت معسكرات الإعتقال اليابانية الأمريكية أشبه بالمهاجع حيث لم يكن لدى الأشخاص بداخلها أي شيء خارج الأسلاك يسعون إليه سواء كانت أموال أو أعمال أو إقامة لذلك عندما أُعلن أن جميع المواطنين الأمريكيين من ذوي الأصول اليابانية سيتم تسريحهم مباشرة إلى المجتمع أصيبوا بالذعر و لكن مع مرور الوقت نتيجة دعم العائلات لبعضها البعض و الشعور القوي بالمجتمع و قيمة العمل تعافى معظم النازحين من محنتهم علي الرغم من عدم شعورهم بالأمان أبدًا و في عام 1980 فتح الكونجرس تحقيقًا للتحري حول الضرورة العسكرية نحو إنشاء تلك المعسكرات و بعد ثلاث سنوات أصدرت اللجنة تقريراً أقر بمسؤولية الحكومة عن الأخطاء التي أرتكبت بخصوصها و أوصت بتعويض الضحايا الناجين و في عام 1988 وقع الرئيس “رونالد ريجان ” تشريعًا يجيز للدولة دفع 1.2 مليار دولار أمريكي كتعويضات و تم تعديلها عام 1992 بمبلغ إضافي قدره 400 مليون دولار للناجين و أتخذ الكونجرس عام 2001 إجراءات لإنشاء مواقع المعسكرات العشرة كمعالم تاريخية لتكون تحذير لما يمكن للأشخاص الخائفين و الغاضبين القيام به حتي و لو كان داخل الولايات المتحدة نفسها .