في إحدى ليالي صيف عام 1962 إنفجرت السماء فوق المحيط الهادئ بشكل مفاجئ بمجموعة من الألوان المذهلة التي أمكن رؤيتها من هاواي إلي نيوزيلندا و كان ذلك نتيجة تأثير إختبار تفجير قنبلة نووية على إرتفاعات عالية أطلق عليها إسم ستارفيش برايم و التي كانت جزء من سلسلة تجارب نووية أجرتها الولايات المتحدة بغرض تحقيق هدفين أولهم تدعيم السلاح النووي الأمريكي و الأخر الفضول لمعرفة ما سيحدث حين تنفجر قنبلة نووية في الفضاء و رغم نجاح التفجير الذي كان بمثابة أكبر إختبار نووي أجراه الأمريكيين في الفضاء علي الإطلاق إلا أن لا أحد كان يتوقع تداعياته الكارثية التي حدثت لاحقا بعد أن تعطلت الأقمار الصناعية و تعثرت الخدمات الكهربائية و ظل الإشعاع في الغلاف الجوي للأرض لسنوات عدة .
و لعل الكثيرين تسائلوا عن السبب الذي دفع ” الولايات المتحدة ” إلي إجراء تجربة ” ستارفيش برايم ” النووية في الفضاء بعد ما يقرب من 20 عامًا علي إلقاء القنبلة الذرية علي مدينتي هيروشيما و ناجازاكي خلال الحرب العالمية الثانية و كان السبب الأبرز هو ” الإتحاد السوفيتي ” الذي نجح هو الأخر في إمتلاك القنبلة الذرية بعد نجاح تجربته النووية الأولي عام 1949 و ثم بدء الإثنان في سباق تسلح ضخم خلال مرحلة الحرب الباردة التي شهدت العديد من التفجيرات النووية في المحيطات و الأماكن النائية إلي أن أتفق الطرفان علي تعليق تجارب الأسلحة النووية في الغلاف الجوي عام 1958 و لكن بحلول عام 1961 عاد السوفييت مجددا في إجراء الإختبارات النووية التي أشعرت الأمريكيين بالخطر من أن الإختبارات النووية السوفيتية التي تجري علي إرتفاعات عالية من الممكن أن تدمر الصواريخ الأمريكية العابرة للقارات لذلك كان من الضروري تطوير إختباراتها هي الأخري لتكون علي إرتفاعات عالية و هو ما أطلق مشروع “عملية حوض السمك” Operation Fishbowl .
و بجانب أسباب الحرب الباردة أضاف البعض أن ” الولايات المتحدة ” قد قامت أيضا بتجربة ” ستارفيش برايم ” النووية لأسباب علمية ففي عام 1958 أعلن عالم الفيزياء ” جيمس فان ألين ” إكتشافه لأحزمة إشعاع توجد في الفضاء الخارجي و أُطلق عليها إسم أحزمة ” فان ألين ” التي جعلت بعض العلماء يعتقدون أنها سوف تجعل السفر إلى الفضاء مستحيلاً لكن كان للعسكريين الأمريكيين نظرة أخري حول ذلك الأمر بعد أن إفترضوا أنه من الممكن إستخدام تلك الأحزمة الإشعاعية كسلاح لذلك سعت ” عملية حوض السمك ” إلي معرفة ماذا سوف يحدث لتلك الأحزمة بعد حدوث إنفجار نووي في الفضاء و التي كان من بين إختباراتها الخمسة تجربة ” ستارفيش برايم ” الضخمة .
و بعكس إختبار ترينتي الذي تم بشكل سري و نجم عن رحمه القنبلة الذرية فلم تخفي ” الولايات المتحدة ” إختبار ” ستارفيش برايم ” الذي كان من المقرر إجراؤه في 9 يوليو عام 1962 بعد فشل بالإطلاق في 20 يونيو من نفس العام و قيل أن أخبار ذلك الإختبار قد تسبب في إندلاع العديد من الإحتجاجات في جميع أنحاء العالم لكن علي الجانب الأخر تم تنظيم العديد من الحفلات من أجل مشاهدة ذلك الحدث في ” هاواي ” حتي أن إحدي صحفها قالت أنه من المتوقع أن تكون ليلة مبهرة و مشهد جيد محتمل في السماء و في تمام الساعة 11 مساء تم إطلاق القنبلة ” ستارفيش برايم ” و بعد ثلاثة عشر دقيقة إنفجرت بطاقة بلغت 1.45 ميجا طن علي إرتفاع 400 كيلومتر تقريبًا فوق جزيرة جونستون في المحيط الهادئ و إنفجرت معها السماء .
و عقب الإنفجار قال شاهد عيان وفقًا لتقرير عسكري أنه ظهر وميض أبيض لامع يحترق عبر السحب ثم يتحول بسرعة إلي كرة خضراء متوسعة من الإشعاع إمتدت إلى السماء الصافية فوق الغيوم و أنها ظهرت مثل القبضة المفتوحة ثم تبعها أضواء خضراء و إرجوانية و حمراء و بدأت السماء في الإحتراق بشكل باهت مما أدي إلي حجب النجوم ثم ظهرت أقواس قزح بيضاء هائلة أستمرت لمدة سبع دقائق متتالية و وصفت صحيفة ” هيلو تريبيون هيرالد ” الانفجار قائلة : «بدا كما لو أن السماء قد أطلقت شمسًا جديدة أضاءت لفترة وجيزة كانت كافية لإشعال النار في السماء» و قال شهود أخرون أن السماء بأكملها أضاءت في كل اتجاه كما لو كان وقت الظهيرة و وصف بعض المشاهدين في جزيرة ” فيجي ” على بعد أكثر من 3200 كيلومتر من نقطة الإنفجار بأنه “أمر مذهل”.
و لم يقتصر إنفجار تجربة ” ستارفيش برايم ” علي الوميض المذهل فقط فعقب الإنفجار إنطفأت أضواء الشوارع في ” هاواي ” التي تبعد 1400 كيلومتر من مكان الإنفجار و توقفت الهواتف عن العمل و تعرضت الطائرات لصدمات كهربائية و إنقطع بث أجهزة الراديو و تأثرت بعض الأنظمة الإلكترونية و الكهربائية و هو ما أدي لحدوث عمليات فوضي و سلب و نهب نظرا لتعطل أجهزة الإنذار و الإتصالات و الأكثر من ذلك أن موجة الإشعاع الصادرة عن الإنفجار تسببت في تدمير الأقمار الصناعية حيث دمر القمر تلستار 1 أول قمر صناعي يبث إشارة تلفزيونية مباشرة و أرييل 1 أول قمر صناعي بريطاني مع مجموعة أخري من الأقمار و أشارت وكالة ناسا حينها أن جميع الأقمار التي كانت بالقرب من تلك المنطقة قد إنتهت .
و لم ينتهي الأمر علي ذلك حيث كانت لتجربة ” ستارفيش برايم ” تداعيات طويلة الأمد كان لها بالغ الأثر السلبي علي كوكب الأرض لسنوات قادمة حيث أدي الإنفجار إلي خلق حزام إشعاعي إصطناعي بقي في الفضاء لمدة عقد كامل و كان أقوي من أحزمة ” فان ألين ” و لحسن الحظ أن عصر التجارب النووية علي إرتفاعات عالية كان قصير الأجل فعلي الرغم من إستمرار ” الولايات المتحدة ” و ” الإتحاد السوفييتي ” في إجراء إختبارات مماثلة إلا أن أزمة الصواريخ الكوبية في أكتوبر 1962 أثارت ذعر القوتين العظميين و أدرك كلاهما أن العالم قد إقترب بشكل خطير من حرب نووية شاملة دفعت الرئيس الأمريكي ” جون كينيدي ” للقول في إجتماع داخل البيت الأبيض إلي أنه من الجنون أن يتمكن رجلان يجلسان على طرفي نقيض من العالم من إتخاذ قرار بشأن إنهاء الحضارة .
و لمحاولة كبح جماح تلك التجارب قام ” كينيدي ” و الزعيم السوفيتي ” نيكيتا خورتشوف ” بإجراء حوار أدي إلي التوقيع على معاهدة حظر التجارب النووية المحدودة عام 1963 و قد حظرت تلك المعاهدة التجارب النووية تحت الماء أو في الغلاف الجوي أو في الفضاء الخارجي مما يعني أنه أصبح من الصعب إجراء تجارب مشابهة لـ ” ستارفيش برايم ” في أي وقت أخر و في الوقت الحالي تشير الدراسات إلي أنه من المحتمل ألا تقدم ” الولايات المتحدة ” و ” روسيا ” علي مثل تلك التجارب بسبب الضرر الذي يمكن أن تلحقه بالأقمار الصناعية في جميع أنحاء العالم بما في ذلك أقمارهم لذلك قد يأتي الخوف من قوة نووية أخري و هي ” كوريا الشمالية ” التي ليس لديها أقمار صناعية لذلك قد تقدم علي تفجير قنبلة قد تؤدي إلي إنقطاع الإتصالات في العالم .
إقرأ أيضا : المشروع A119 .. خطة الجيش الأمريكى لتفجير سطح القمر بالأسلحة النووية
و ختاما نستطيع القول أن إنفجار ” ستارفيش برايم ” و الطريقة المفاجئة التي عطل بها الأقمار الصناعية عام 1962 ربما قد ساهمت في تثقيف العلماء حول تأثير الإشعاع في الفضاء و لكنها قدمت أيضًا لمحة مرعبة عن الإمكانات القاتلة و المدمرة للأسلحة النووية خاصة عندما يتم تفجيرها على إرتفاعات شاهقة فوق الأرض.