في أي دولة تتسم بالديموقراطية يتوجه الناخبين ممن يملكون حق التصويت للجان الإقتراع من أجل إختيار رئيس الدولة و ذلك بناء علي برنامجه الإنتخابي و طبيعة الوعود التي يقطعها لعامة الشعب و في النهاية يقع الإختيار علي أحد المرشحين لتقلد ذلك المنصب بعد حصوله علي أعلي الأصوات المسجلة في قوائم الإنتخابات إلا أن ليبيريا و هي دولة تقع في وسط قارة أفريقيا ربما كان لها رأي أخر بعد أن شهدت أغرب إنتخابات بعد أن سجلت رقم قياسي عالمي من الصعب تكراره في تزوير إنتخاباتها الرئاسية التي جرت عام 1927 بعد أن كان في قوائم الناخبين ما يقرب من 15 ألف شخص و تظهر النتيجة النهائية فوز الرئيس تشارلز كينج الممثل للحزب الحاكم بفترة ولاية ثالثة بعد أن حصل علي أصوات تجاوزت 240 ألف صوت و هو أمر مثير للغرابة نتيجة وصول نسبة المشاركة في تلك الإنتخابات إلي 1680% و هي ظاهرة لم تحدث من قبل في عالم الإنتخابات حتي المزورة منها .
و تعد ” ليبيريا ” أول جمهورية حديثة في إفريقيا حيث تأسست عام 1847م بإعتبارها ملاذ للعبيد السابقين و تقع جغرافيا بين دول “سيراليون” و “ساحل العاج” و “غينيا” و هي دولة ليست كبيرة الحجم حيث تبلغ مساحتها حوالي 111369 كيلومتر مربع و هي مثل أي دولة ديموقراطية يقودها رئيس يختاره الشعب من بين عدد من المرشحين في سباق إنتخابي من المفترض أن يكون نزيه من الناحية النظرية .
و مع حلول عام 1927 أجريت الإنتخابات الرئاسية في “ليبيريا” و كان أحد طرفيها الرئيس الحالي ” تشارلز كينج ” كممثل عن الحزب الحاكم و الذي كان يترشح لولاية ثالثة و كان شخص له باع طويل في العمل السياسي بعد أن شغل سابقًا منصب المدعي العام و وزير الخارجية للبلاد بجانب رئاسته لفترتين بدأت منذ عام 1919 بينما كان علي الطرف الأخر “توماس جيه فولكنر” الممثل لحزب الشعب المعارض و كان من الطبيعي أن تكون النتيجة محسومة للأول بعد إنتخابه لمرتين من قبل لكن شيئًا ما حول حملة “فولكنر” الإنتخابية قد أثارت قلقه بعد تعمد مرشح المعارضة أن يقوم بإبراز مدي سوء إدارة الرئيس للبلاد في فعالياته الإنتخابية المختلفة لذلك بدا لجموع الشعب أن السباق سيكون محتدماً و علي أشده لأنهم لم يكن لديهم أدنى فكرة عن مدى سخافة ما سيحدث في ذلك السباق حيث تجدر الإشارة إلى أن مجموع الناخبين في “ليبيريا” بذلك الوقت لم تكن كبيرة بشكل واضح نظرا لعدم حصول المرأة علي حق التصويت بعد و إقتصاره علي الرجال فقط و مع حلول الوقت الذي بدأ فيه السباق الإنتخابي تم تسجيل 15 ألف ليبيري فقط للتصويت و لكن ما ظهر بعد ذلك فى النتائج كان صادما و جعلها أغرب إنتخابات في التاريخ .
و مثل أي إنتخابات جرت فعالياتها بشكل طبيعي و بدأت عمليات فرز الأصوات و بعد الإنتهاء منها تم الإعلان عن فوز “تشارلز كينج” بعد تمكنه من هزيمة خصمه “فولكنر” بهامش كبير و بطبيعة الحال لم يكن الإعلان عن تلك النتيجة مفاجئًا لولا مدى إتساع ذلك الهامش فوفقًا للأرقام الرسمية حصل مرشح المعارضة على حوالي تسعة ألاف صوت و هو رقم أكثر من نصف جميع الناخبين الليبيريين المسجلين أما بالنسبة للفائز و هو مرشح الحزب الحاكم فقد حصل بطريقة ما على حوالي 243000 صوت و هو ما معناه أن البلاد حققت إقبالاً علي المشاركة بنسبة 1680٪ من الناخبين و ذلك في عام 1927 و أن الفائز حصد نسبة 96% و الخاسر علي 4% فقط و مع إستبعاد أن يكون للسحر دور في ذلك أو أن الدول المجاورة كان لها حق التصويت فلا يوجد أي تفسير أخر سوي أن نتائج تلك الإنتخابات قد تم تزويرها .
و رغم التلاعب الواضح في الإقتراع إلا أن “تشارلز كينج” ذهب إلى فترة رئاسية ثالثة دون الكثير من الجلبة حتي أن منافسه المعارض “فولكنر” لم يبتعد هو الأخر عن الأضواء السياسية بعد تلك الإنتخابات المزورة لأنه كان من الواضح عدم قدرته علي فعل الكثير بشأن ما حدث لكن و لحسن الحظ عادة ما يكون لدى المسؤولين المستعدين لسرقة الانتخابات أن يكون حولهم أنشطة أخرى مشبوهة قد تؤدي إلي نهايتهم لأنه بعد وقت قليل من إجراء أغرب إنتخابات في التاريخ قامت المعارضة بتوجيه الإتهامات إلي كبار أعضاء حزب ” ترو ويج ” و الإدعاء بأنهم يقومون بإستخدام البشر في نظام العمل بالسخرة داخل منازلهم بالإضافة إلي إنتهاجهم أنشطة لبيع العبيد إلى مستعمرة فرناندو الإسبانية .
و في البداية رفضت إدارة “تشارلز كينج ” التحقيق في مزاعم المعارضة و حاولت القضاء على الفضيحة بأكملها في مهدها لكن عصبة الأمم التي كانت تسبق منظمة الأمم المتحدة لم يكن لدي الحكومة الليبيرية قدرات للسيطرة عليها حيث قامت المنظمة الأممية بتشكيل لجنة في النظر لتلك الإتهامات و رغم عدم تمكنهم من العثور على أي دليل ملموس على قيام الحزب الحاكم ببيع العبيد إلا أنه كان من الواضح تمامًا أن العديد من قادة الحزب بما فيهم رئيس الدولة و نائبه ” ألين يانيسي ” قد أستفادوا من السخرة في منازلهم و لذلك في عام 1930 تم رفع دعوى عزل ضد الرئيس داخل البرلمان لكنه قام بإستباق ذلك الإجراء و قرر تقديم إستقالته و هو و نائبه قبل أن يتمكنوا من إسقاطه .
و عقب إستقالة الثنائي خلفهم وزير الخارجية الليبيري “إدوين جيمس باركلي كنج” ليكون في منصب الرئيس و “جيمس سكيفرينج سميث جونيور” كنائب للرئيس و يكون ذلك هو جزاء عادل لجريمة تزوير الإنتخابات بشكل فج و التي وصفها بعد مرور سنوات رئيس لجنة الانتخابات الوطنية الليبيري “فرانسيس جونسون موريس” و الذي لحسن حظه لم يترأس الإشراف عليها بأنها كانت أغرب إنتخابات فى التاريخ و أكثرها تزويرًا على الإطلاق لذلك كان من الطبيعي إدراجها في موسوعة جينيس للأرقام القياسية بإعتبارها أكثر الانتخابات تزويرًا علي مر التاريخ .