في قلب الريف النرويجي حيث تمتد الطبيعة الخلابة بجبالها الشامخة و وديانها الساحرة يقع وادي هيسدالن و هو مكانٌ يبدو للوهلة الأولي كأي وادٍ آخر في النرويج لكنه في واقع الأمر يحتضن سرًا غامضًا ليس له أي تفسير فمنذ نحو قرن من الزمن شهدت المنطقة ظاهرة غامضة عرفت بإسم أضواء هيسدالن و هو وميض يطفو في الهواء يتراوح ألوانه بين الأبيض الساطع و الأصفر و الأحمر و يرجع سبب غرابته إلي أنه يبدو و كأنه يتحرك بإرادته الخاصة إضافة إلي ظهوره في أي وقت من اليوم سواء ليلا أو نهارا كما أنه يتحرك بسرعات متفاوتة و في بعض الأحيان يظل ثابت في مكانه لفترات طويلة ثم يختفي بشكل مفاجئ و لعل ذلك هو ما جذب إنتباه العلماء و المهتمين بدراسة الخوارق و أصبح موضوعًا للعديد من الدراسات و الأبحاث العلمية التي حاولت كشف سره .
و تعود أولي المشاهدات الموثقة لأضواء هيسدالن إلي ثلاثينيات القرن الماضي حين بدأ سكان المنطقة رصد هذه الأضواء الغريبة في سماء الوادي و مع مرور الوقت أصبحت المشاهدات أكثر تكرارًا خاصة في الفترة ما بين أواخر عام 1981 و منتصف 1984 حيث وصلت مشاهداتها الأسبوعية إلي 15-20 مرة و بطبيعة الحال جذب ذلك النشاط الكثيف للظاهرة إنتباه وسائل الإعلام و السياح الذين توافدوا إلي الوادي علي أمل رؤيتها بأنفسهم و مع مرور السنوات و بحلول عام 2010 لوحظ أن نشاط تلك الأضواء قد بدء في الإنخفاض إلي حوالي 10-20 مرة سنويًا إلا أن ذلك لم ينهي الإهتمام بدراستها خاصة مع زيادة التطور التكنولوجي و إهتمام العلماء بها .
و كانت أولي محاولات دراسة أضواء هيسدالن عام 1983 من خلال “مشروع هيسدالن” و هي مبادرة علمية أطلقتها عدد من المنظمات مثل “UFO-Norge” و “UFO-Sverige” بهدف دراسة هذه الأضواء بشكل منهجي و خلال الفترة بين أعوام 1983 و حتي 1985 تم إجراء العديد من الدراسات الميدانية لجمع البيانات عنها و في عام 1998 تم إنشاء محطة قياس تلقائية في الوادي تُعرف بإسم “Hessdalen AMS” لتسجيل ظهور الأضواء بشكل مستمر و لاحقًا تم إطلاق برنامج “إمبلا” (EMBLA) الذي جمع بين علماء مرموقين و طلاب من جامعات مختلفة، بما في ذلك كلية جامعة أوستفولد النرويجية و المجلس الوطني الإيطالي للبحوث لمحاولة تعميق فهم العلماء للظاهرة لكنه و لسوء الحظ لم يقدم إجابة قاطعة عن طبيعتها .
و رغم الجهود الكبيرة التي بذلها العلماء لتفسير ظاهرة أضواء هيسدالن إلا أنه حتي اللحظة لم يستطيعوا الوصول إلي إستنتاج قاطع لها و كل ما هو متاح حاليا مجموعة من الفرضيات المتعددة التي بعضها يعتمد علي تفسيرات علمية معقدة و الأخر ينحصر في إطار من التكهنات و من أبرز تلك الترجيحات أن تلك الظاهرة تحدث نتيجة إحتراق الغبار في الهواء و هي الفرضية الأكثر شيوعا حيث تشير إلي أن الأضواء تنتج عن إحتراق غير مكتمل للغبار الموجود في الهواء و وفقًا لواضعيها فأن الغبار الذي يحتوي علي عناصر مثل الهيدروجين و الأكسجين و التيتانيوم يشتعل في ظروف معينة مما ينتج عنه تلك الأضواء الغريبة و ما يزيد من ترجيح تلك الفرضية هو وجود رواسب كبيرة من عنصر السكانديوم في المنطقة و الذي قد يلعب دورًا مهما في هذه العملية .
و من بين الفرضيات المتاحة أيضا أن أضواء هيسدالين تتكون من بلازما ناتجة عن تأين الهواء و الغبار بسبب جزيئات ألفا المنبعثة من تحلل الرادون في الجو و وفقًا لهذه النظرية فإن البلازما يمكن أن تشكل هياكل بلورية ينتج عنها ذلك الوميض و قد أظهرت بعض الدراسات أنها يمكن أن تتحرك بسرعات عالية و هو ما يفسر الحركة السريعة للأضواء في بعض الأحيان كما توجد فرضية تشير أنها تحدث نتيجة كهرباء إنضغاطية لوجود صخور تحتوي علي الكوارتز التي تولد شحنات كهربائية تنتج أضواء مرئية عند تعرضها لضغط معين لكنها نظرية ضعيفة لأنها لا تفسر جميع جوانب الظاهرة خاصة الأشكال الهندسية التي تظهر أحيانًا في مركز الأضواء و أخيرا توجد فرضية أطلق عليها البطارية الجيولوجية و فيها أقترح الباحثين أن الوادي يعمل مثل البطارية الطبيعية حيث تشكل جوانبه أقطابًا كهربائية بينما النهر المار عبره يعمل كإلكتروليت و هو ما يؤدي إلي تفاعلات كهروكيميائية يمكن أن تنتج فقاعات غاز متأينة تظهر كأضواء في السماء .
أقرأ أيضا : أضواء مِن مِن الغامضة التي تظهر بشكل مفاجئ و تطارد مشاهديها في أستراليا
و علي الرغم من عدم الوصول إلي تفسير جازم لظاهرة أضواء هيسدالن حتي اللحظة إلا أنها تظل واحدة من أكثر الظواهر الطبيعية إثارة للإهتمام و الغموض حيث لا تزال هناك الكثير من الأسئلة التي تحتاج إلي إجابات و تشكل تحديا كبيرا للباحثين رغم التقدم العلمي الكبير و ربما تكمن الإجابة في أحد الفرضيات المطروحة أو ربما تظهر تفسيرات جديدة مع تطور التكنولوجيا و الأبحاث و لكن في كل الأحوال تبقى أضواء هيسدالن مثالًا رائعًا علي كيفية إستمرار الطبيعة في تحدي فهمنا و إثارة فضولنا و بأنه لا يزال هناك الكثير مما لا نعرفه عن عالمنا و بأن أرضنا لديها دائمًا الكثير من الأسرار لنكشفها .