موسوعة ويكيبيديا هي موسوعة مجانية علي شبكة الإنترنت و من أكثر المواقع زيارة عالميا و يرجع تاريخ ظهورها لأول مرة عام 2001 و هي تعمل وفق أسلوب إدارة مفتوح المصدر تحت إشراف مؤسسة ويكيميديا الغير ربحية و هي تحتوي علي عدد هائل من المقالات في جميع المجالات و التي يتم تسهيل كتابتها و تحديثها أول بأول من خلال برنامج تعاوني يُعرف بإسم ويكي و طوال فترة وجودها علي الشبكة العنكبوتية تعرضت موسوعة ويكيبيديا لعدد من المشكلات المتعلقة بعملية التحرير و مدي دقة المعلومات الموجودة داخل المقالات و هو ما أدي إلي توجيه إنتقادات لها خاصة و أن محاولاتها للحد من تلك المشكلات لا تزال غير كافية .
بدأت قصة موسوعة ويكيبيديا عام 1996 حين إنتقل ” جيمي ويلز ” و هو تاجر سندات ناجح إلى مدينة “سان دييجو ” بولاية ” كاليفورنيا ” الأمريكية لتأسيس شركة ” بوميس ” و هي بوابة إلكترونية علي شبكة الإنترنت و في مارس عام 2000 أسس موسوعة مجانية حملت إسم ” نيوبيديا ” و كانت برئاسة ” لاري سانجر ” و تم تنظيمها مثل الموسوعات الاخري من خلال مجلس إستشاري من الخبراء و بحلول يناير عام 2001 تم الانتهاء بأقل من عشرين مقالة و دعا ” سانجر ” إلى إستكمال نيوبيديا بموسوعة مفتوحة المصدر تعتمد على برنامج ويكي و في 15 يناير عام 2001 تم إطلاق موسوعة ويكيبيديا كمنصة فرعية داخل موقع Nupedia.com و لكن بعد إعتراضات من المجلس الإستشاري تم إعادة إطلاقها بعد بضعة أيام كموقع ويب مستقل ثم توسعت ويكيبيديا في عامها الأول لتشمل حوالي 20.000 مقالة مكتوبة ب 18 لغة أبرزها الإنجليزية و الفرنسية و الألمانية و البولندية و الهولندية و العبرية و الصينية و الإسبرانتو و في عام 2003 تم إنهاء نيوبيديا و نقل مقالاتها إلى موسوعة ويكيبيديا .
و بحلول عام 2006 إمتلكت النسخة الإنجليزية من موسوعة ويكيبيديا أكثر من مليون مقال و بحلول الذكرى السنوية العاشرة لتأسيسها عام 2011 تجاوز عدد مقالاتها 3.5 مليون مقال و في حين إستمرت الموسوعة في التوسع بمعدل ملايين الكلمات شهريا إنخفض عدد المقالات الجديدة التي يتم إنشاؤها كل عام تدريجيا من ذروة بلغت 665 ألف كلمة عام 2007 إلي 374 ألف في عام 2010 و ردا على هذا التباطؤ قامت مؤسسة ويكيميديا في البدء بتركيز جهودها التوسعية على النسخ الغير إنجليزية و التي بلغ عددها أكثر من 250 نسخة بحلول عام 2011 و نجحت الخطة بعد أن إحتوت بعض الإصدارات علي مئات الآلاف من المقالات و ضمت النسختان الفرنسية و الألمانية أكثر من مليون مقالة كما تم البدء بالإهتمام بلغات العالم النامي مثل السواحلية و التاميلية في محاولة للوصول إلى السكان الذين يعانون من نقص خدمات الإنترنت و مع ذلك كان أحد العوائق أمام قدرة موسوعة ويكيبيديا على الوصول إلى جمهور عالمي حقيقي هو القيود الدورية التي فرضتها الحكومة الصينية على الوصول إلى بعض أو كل محتوى الموقع داخل ” الصين ” .
و يعتبر نموذج الإنتاج مفتوح المصدر الذي تتبناه موسوعة ويكيبيديا مثالا لما يسمى الويب 2.0 و الذي فيه يتواجد المستخدمين بكثافة علي شبكات التواصل الإجتماعي و يعتمد مجتمع ويكيبيديا على عدد من المبادئ القياسية أهمها هو الحياد و الآخر هو الإيمان بأن زوار الموقع هم أساس الموسوعة حيث يمكن للقراء تصحيح ما يعتبرونه أخطاء و يتم إجراء المناقشات حول الحقائق و التحيز المحتمل كما توجد ثلاثة مبادئ توجيهية أخرى و هي الإلتزام بالمعايير المحددة للموسوعة و إحترام قوانين حقوق النشر مع إعتبار أن أي قواعد أخرى يجب أن تكون مرنة و يعزز المبدأ الأخير الإعتقاد بأن عملية المصدر المفتوح ستجعل من ويكيبيديا أفضل منتج متاح نظرا لمجتمع مستخدميها و لعل أحد النتائج الثانوية لهذه العملية هو أن موسوعة ويكيبيديا إحتوت على عدد من الصفحات التي يمكن الوصول إليها بشكل عام و التي لا يمكن تصنيفها بالضرورة كمقالات و يتضمن ذلك البذرة و هي المقالات القصيرة جدًا المخصصة للتوسيع إضافة إلي صفحات الحديث التي تحتوي على المناقشات بين المساهمين .
و تتمثل السياسة المركزية بموسوعة ويكيبيديا في دعوة القراء للعمل كمؤلفين أو محررين و هو ما يخلق إحتمالية حدوث مشكلات في أنه ليس كل المستخدمين حريصين على تقديم معلومات دقيقة حيث من الممكن أن يقومون عمدًا بتشويه مقالات معينة أو نشر بيانات مضللة أو كاذبة أو إضافة مواد فاحشة لذلك تحاول موسوعة ويكيبيديا قدر الإمكان حل تلك المشكلة من خلال الإعتماد على مستخدميها لمراقبة مقالاتها و تنقيتها حيث يمكن للمساهمين الموثوقين أيضًا الحصول على إمتيازات المسؤول التي توفر الوصول إلى مجموعة من الأدوات البرمجية لإصلاح الكتابة و معالجة مشكلات أخري خطيرة .
و تعتبر من أشهر المشكلات التي واجهتها موسوعة ويكيبيديا ما حدث عام 2005 حين اكتشف الصحفي الأمريكي ” جون إل سيجنثالر الابن ” أن سيرته الذاتية الموجودة عليها حددته بشكل خاطئ على أنه متآمر محتمل في إغتيال كل من الرئيس الأمريكي الأسبق ” جون كينيدي ” و أخيه ” روبرت كينيدي ” و أن هذه الادعاءات الخبيثة مرت من الرقابة المجتمعية في الموسوعة و طوال 132 يوما لم يتم التعرف علي مؤلف هذه المعلومات بسهولة لأن كل ما هو معروف عن المساهمين غير المسجلين هو عناوين الـ IP الخاصة بأجهزة الكمبيوتر الخاصة بهم و حين تم التعرف علي هويته اعتذر قائلاً إنه كتب تلك المعلومات الكاذبة على سبيل المزاح لذلك دفعت تلك القضية موسوعة ويكيبيديا إلى منع المستخدمين الغير مسجلين من تحرير مقالات معينة كما أدت حالات التخريب المماثلة في وقت لاحق إلى قيام مسؤولي الموقع بصياغة إجراء تمثل في مراجعة بعض التعديلات من قبل المحررين ذوي الخبرة قبل أن تظهر التغييرات على الإنترنت علي الرغم من أن ذلك الإجراء قد واجه إحتجاجات من بعض المساهمين .
و على الرغم من أن موسوعة ويكيبيديا تتعرض في بعض الأحيان لإنتقادات بسبب تضمينها معلومات لا يقصد نشرها على نطاق واسع إلا أنها قامت أيضًا بتكييف فلسفتها للإنفتاح في حالات معينة كما حدث بعد إختطاف مراسل صحيفة نيويورك تايمز ” ديفيد رود ” على يد مقاتلي طالبان في ” أفغانستان ” عام 2008 حيث إتفق القائمين علي الجريدة مع الموسوعة علي حجب أخبار الحادث داخل الموقع على أساس أنها قد تعرض حياة الصحفي للخطر و امتثل مسؤولو الموقع الذين قاموا بمواجهة المحاولات المتكررة من قبل المستخدمين لإضافة المعلومات عن الحادث حتى بعد هروب ” رود ” في نهاية المطاف كما أنه في عام 2010 تم الكشف عن وجود مخبأ للصور الإباحية بما في ذلك التصوير غير القانوني لأفعال جنسية تتعلق بالأطفال على ويكيميديا كومنز و هو موقع تديره مؤسسة ويكيميديا و الذي كان بمثابة مستودع لملفات الوسائط لإستخدامها في جميع منتجات ويكيميديا و على الرغم من عدم وجود مثل هذه الصور غير القانونية على ويكيبيديا نفسها إلا أن الفضيحة التي تلت ذلك دفعت “جيمي ويلز ” الذي قام شخصيًا بحذف العديد من ملفات العموم إلى تشجيع المسؤولين على إزالة أي محتوى مثير للغرائز من مواقع ويكيميديا .
و يمتلك مديري موسوعة ويكيبيديا القدرة على حظر عناوين IP معينة و هي السلطة التي إستخدموها عام 2006 بعد أن تبين أن بعض الموظفين التابعين لنواب في الكونجرس الأمريكي يقومون بتعديل المقالات لإزالة التفاصيل غير المواتية التي تخص النواب أو مهاجمة المنافسين و هو ما معناه أن تحرير المقالات قد يتدخل فيها المصالح الشخصية و لعل ذلك هو ما دفع طالب دراسات عليا في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا يدعي ” فيرجيل جريفيث ” عام 2007 لإنشاء ويكي سكانر أو ماسح ويكيبيديا من خلال ربط عناوين IP المرفقة بكل تحرير في الموسوعة و أنشأ قاعدة بيانات أتاحها على الويب لأي شخص للبحث فيها و سرعان ما أكتشف هو و باحثين آخرين أن تحرير المحتوي من أجهزة الكمبيوتر الموجودة داخل الشركات و المكاتب الحكومية كان واسع الإنتشار من أجل تحقيق مصالح لها داخل المقالات كما أنتشرت المناقشات حول فائدة ويكيبيديا بين العلماء و المعلمين الذين كانت موثوقية المواد المرجعية فيها مصدر قلق خاص لهم حيث قامت العديد المؤسسات التعليمية في تثبيط و منع الطلاب من إستخدامها كأداة بحث لذلك في عام 2010 قامت مؤسسة ويكيميديا بتوظيف العديد من أساتذة السياسة العامة في ” الولايات المتحدة ” لتطوير الدورات التدريبية حيث يساهم الطلاب بالمحتوى في موقع ويكيبيديا .
و بلغ عدد المحررين النشطين أي أولئك الذين يحررون أكثر من 100 مقال شهريًا ذروته في عام 2007 و إعتبارًا من عام 2017 إنخفض بنحو الثلث و قد تم إلقاء اللوم على عوامل مختلفة في هذا الإنخفاض حيث يرجع البعض السبب في ذلك إلي الثقافة البيروقراطية داخل موسوعة ويكيبيديا بأعرافها المعقدة و إعتمادها على الإجراءات الآلية التي تميل إلي رفض التعديلات الجديدة على أنها مثبطة للمحررين الجدد كما يتطلب تحرير المقالات معرفة لغة ترميزية متخصصة يصعب تحريرها على الهواتف الذكية و الأجهزة اللوحية و كشفت الدراسات الإستقصائية لمحرري ويكيبيديا عن وجود فجوة مستمرة بين الجنسين حيث لا تمثل النساء سوي من 10 إلي 20 بالمائة من المحررين لذلك و إستجابةً للمخاوف بشأن هذه الفجوة بين الجنسين و كيفية إنعكاسها في الموسوعة بدأت عام 2012 تقريبًا في تشجيع “مجموعات التحرير” حيث يجتمع المحررين معًا في أحداث مخصصة لزيادة تغطية الموقع لموضوعات مثل النسوية و المساواة بين الجنسين و تاريخ المرأة .