رغم التقدم العلمي و التكنولوجي الذي تعيش فيه أوروبا حاليا إلا أن الوضع كان مختلف تماما في الماضي حيث كانت تسيطر علي العقول الكثير من الخرافات و لذلك شهدت تلك القارة العجوز بداية من القرن التاسع و حتي الثامن عشر العديد من الأفعال المشينة و الهمجية التي يصعب علي العقول في الوقت الحالي إستيعابها مثل توجيه الإتهامات للبشر بممارسة السحر و هو ما أدي إلي حرق الكثير من النساء ظلما و محاكمة الحيوانات التي لم تسلم هي الأخري من تلك الخرافات بعد أن خضعت لنفس المعايير الأخلاقية مثل البشر و كان مصيرها إما بالإعدام أو السجن لسنوات أو حتي النفي من المدينة إن كانوا محظوظين .
و من أبرز الجرائم التي أرتكبت و أودت بأصحابها إلي محاكمة الحيوانات ما حدث في 5 سبتمبر عام 1379 حين ثار قطيعان من الخنازير في دير فرنسي و قتلوا رجلاً يُدعى ” بيرينو مويت ” و كما جرت العادة في ذلك الوقت تم إلقاء القبض علي القتلة الفعليين و أولئك الذين شاهدوا الجريمة و حكم عليهم جميعا بالإعدام حيث بدا للقاضي أن المشاهدين كانوا موافقين علي ذلك الإعتداء لذلك لا يجب السماح لهم أيضا بالإفلات من العدالة لكن رئيس الدير الراهب ” همبرت دي بوتييه ” لم يستطع تحمل خسارة كل تلك الخنازير و كتب إلى دوق بورجوندي يتوسل إليه للعفو عن المشاهدين و إستجاب الدوق إلي مناشداته و أمر بإسقاط العقوبة عنهم و إطلاق سراحهم و للأسف لا تظهر السجلات كيفية إعدام الخنازير المتورطة على الرغم من أنه كان من الشائع شنق الحيوانات المخالفة أو حرقها حية بسبب جرائمها في ذلك الوقت .
و كان من الواضح أن أسوأ المجرمين في أوروبا كانوا من الخنازير و لعل تكرار تقديمهم لمحاكمة الحيوانات و الحكم عليهم بالإعدام يرجع إلى حد كبير للحرية التي كان يعامل بها البشر الخنازير في ذلك الوقت حيث كان يسُمح لهم بالركض في الشوارع و بأعداد هائلة و هو ما يجعلها تقوم بمهاجمة الأطفال و أكل أذانهم و أنوفهم و حتي قتلهم لدرجة أن واحد منهم قد قام بأكل أحد الأطفال لذلك كان من الضروري تقديمهم للمحاكمة و الحكم عليهم بالإعدام نظير جرائمهم و تشير الوثائق إلي أنه بجانب الخنازير أجريت 200 حالة إعدام لحيوانات أخري من بينها ثيران و خيول و ثعابين بحر و كلاب و أغنام و ربما الأكثر إثارة للفضول هي الدلافين التي لم يقدم أي معلومات عن طبيعة جرائمهم بخلاف محاكمتهم و إعدامهم في مرسيليا عام 1596.
و عادة ما يتم شنق الحيوانات المخالفة بسبب جرائمها لكن عقوبة الإعدام كثيراً ما كانت تذهب إلى ما هو أبعد من وحشية الشنق فعندما أهدى عالم الطبيعة ” ليونارد ثورنيسر ” غزالة لبلدة سويسرية في أواخر القرن السادس عشر نظر سكانها إلى الحيوان الغريب بالنسبة إليهم بشك و ريبه و بدأوا في إعتباره كائن شيطاني و أخيراً قامت امرأة عجوز تقية بتخليص المدينة من الوحش المخيف عن طريق إطعامه تفاحة مليئة بالإبر المكسورة و رغم أنه كان هناك حيوانات ضحايا لجرائم قام بها أخرين إلا أنهم لم يسلموا أيضا من محاكمة الحيوانات و تصدره من عقوبات مع إنسانها المسيء ففي إحدى الحالات حكم علي أحد البغال بالحرق حيًا مع رجل مذنب باللواط و قبل حرقه قام الجلاد بقطع قدميه قبل إشعال النار فيه.
و لم تكن الأحكام التي تصدرها محكمة الحيوانات جميعها بالإعدام بل كانت هناك عقوبات أخري فعلى سبيل المثال غالبًا ما كان يتم إرسال “خطاب نصيحة ودود” إلى الفئران لحثها على ترك أي منزل يعتبر وجودها فيه غير مرغوب كما أنه في إحدى الحالات حُكم على خنزيرة بالشنق و عند الإستئناف تم تخفيف العقوبة و حُكم عليها بالضرب على رأسها كما كان الأوربيين قادرين علي التعاطف مع الحيوانات التي يعتمدون عليها كثيرًا في الحصول على الغذاء و العمل فعلى سبيل المثال في إحدى قضايا البهيمية التي تم النظر إليها عام 1750 تمت تبرئة حمار على أساس أنه كان ضحية للعنف و كان سبب التبرئة هو توقيع رئيس دير لشهادة تفيد بأنه يعرف ذلك الحمار منذ أربع سنوات و أنه دائما ما كان يظهر أنه فاضل و حسن التصرف مع الناس في الداخل و الخارج .
و لعل أكثر جلسات محاكمة الحيوانات سخافة و كوميدية هي تلك المتعلقة بالفئران و الحشرات مثل الجراد و السوس ففي القرن السادس عشر كان أشهر مدافع عام عن الفئران و الحشرات هو ” بارثولوميو تشاسيني ” من مقاطعة أوتون في ” فرنسا ” و الذي أظهر لأول مرة براعته في الدفاع عن الفئران التي أكلت بشكل إجرامي محصول الشعير حيث قال إنه من المستحيل إستدعاء جميع موكليه ذوي الفراء إلى المحكمة و عليه يجب إعفائهم لأنه حال حضورهم سوف يواجهون طوال طريقهم مصاعب و مخاطر تحاصرهم من قبل أعدائهم اللدودين و هم القطط التي كانت تراقب كل تحركاتهم و تتربص لهم في كل زاوية و ممر أما بالنسبة إلي الحشرات فقد عانت مدن فرنسية خلال القرن السادس عشر من السوس و على الرغم من أنه لم يتم تقديمها للمحاكمة أبدًا إلا أن الشكوى الأولي ضدها قدمت من قبل مزارعي العنب عام 1545 مما أدى إلى إعلان صلاة عامة لمغفرة الخطايا و بالتالي التخلص من السوس الذي إختفي بالفعل و لكن بعد 30 عامًا عاد مجددا و إضطرت مدينة ” سان جوليان ” إلى مقاضاتهم و بدأت المحاكمة في 13 أبريل عام 1587 و تم تعيين محامٍ يُدعى ” أنطوان فيليول ” كمدافع عام عن السوس و الذي قال إن موكليه قد وضعهم الله على الأرض و لم يكن ليضعهم هنا أبدًا بدون القوت الذي يسمح لهم بالبقاء على قيد الحياة و لكن كان من المؤسف بعض الشيء أن هذا الغذاء من محاصيل المدينة .
أقرأ أيضا : وباء الرقص .. قصة جائحة غامضه أجبرت المصابين بها على الرقص و أدت الى وفاة الكثير منهم
و أثناء إنعقاد تلك المحاكمة سعي مواطني بلدة ” سانت جوليان ” إلى التوصل لحل وسط من خلال توفير قطعة أرض بالقرب من المدينة حيث يمكن للسوس أن يتجمعوا فيها بحرية بعيدا عن محاصيلهم و بالفعل تم إختيار مكان مناسب و إعتباره رسميًا منطقة لعيش السوس و يحق لهم الإستفادة من ينابيع الماء شريطة عدم المساس بمراعيهم لكن بالعودة إلى محكمة الحيوانات لم يستطع محامي السوس أن يقبل بضمير حي عرض تلك الأرض من سكان البلدة لأن المكان كان معقمًا و لم يتم تزويده بالطعام بشكل كافٍ أو مناسب لدعمهم أما رأي الإدعاء فكان مخالف للدفاع بعد رأي أنه مكان مثالي لتكاثر السوس نظرا لأنه مليئ بالأشجار و الشجيرات على إختلاف أنواعها و بعد 8 أشهر مذهلة من بدء تلك المحاكمة أصدر القاضي قرارًا ضائعًا للأسف لأنه تم تدمير الصفحة الأخيرة حتي أن البعض سخر من ذلك و قال أنه ربما لم يكن الحكم في صالح السوس الذي أراد طمسه و عليه قام بإرسال مجموعة منهم لأكل الورقة الأخير و إبطال حكم المحكمة و لكن بناءً على محاكمات أخرى مماثلة كان من المرجح أنه إذا ثبتت إدانتهم فمن المحتمل أن يُؤمر السوس بمغادرة المدينة بحلول تاريخ و وقت معينين .