مارجريت تاتشر هي سيدة دولة بريطانية و سياسية محافظة كانت تلقب بالمرأة الحديدية بعد أن شغلت منصب زعيمة حزب المحافظين و دخولها التاريخ بإعتبارها أول إمرأة تتولي منصب رئيسة وزراء المملكة المتحدة و أطول من تقلد الحكم في القرن العشرين و خلال قيادتها قامت بتنفيذ عدد من السياسات الإقتصادية التي عرفت بإسم التاتشرية و هدفت إلي كبح جماح التضخم المرتفع في البلاد عبر خصخصة الشركات المملوكة للدولة و الحد من قوة و نفوذ النقابات العمالية و رغم تضائل شعبيتها في السنوات الأولي لقيادتها بسبب الركود و إرتفاع معدلات البطالة إلا أنها إزدادت بعد إنتصار المملكة المتحدة علي الأرجنتين خلال حرب الفوكلاند عام 1982 مع حدوث إنتعاشة إقتصادية بالبلاد و هو ما أدي إلى عودة الدعم لها و إعادة إنتخابها بأغلبية ساحقة و خلال توليها المنصب نجت من محاولة إغتيال في تفجير فندق برايتون عام 1984 و التي قام بها الجيش الجمهوري الأيرلندي و حين تقاعدت عن العمل الحكومي تم تكريمها بمنحها حياة النبلاء و حازت علي لقب بارونة و هو ما أهلها للجلوس في مجلس اللوردات و رغم كونها شخصية مستقطبة في السياسة البريطانية إلا أن المؤرخين ينظرون إلي مارجريت تاتشر بإعتبارها واحدة من أعظم رؤساء الوزراء في التاريخ البريطاني بعد أن شكلت فترة ولايتها إعادة إصطفاف نحو السياسات النيوليبرالية في البلاد .
حياة مارجريت تاتشر المبكرة
ولدت ” مارجريت تاتشر ” بإسم ” مارجريت هيلدا روبرتس ” في 13 أكتوبر عام 1925 في جرانثام بإنجلترا و كانت إبنة لرجل أعمال محلي يدير محل بقالة و يعيش مع زوجته و أبناءه في شقة فوق المتجر و خلال سنواتها الأولى تعرفت علي السياسة المحافظة من قبل والدها الذي كان عضوا في مجلس المدينة و بعد تخرجها من مدرسة جرانثام الثانوية تم قبولها في جامعة أكسفورد و درست الكيمياء بكلية سومرفيل و كانت أحد معلميها “دوروثي هودجكين ” الحائزة علي جائزة نوبل بذلك المجال و خلال دراستها الجامعية نشطت ” مارجريت تاتشر ” سياسيًا و عملت رئيسة لجمعية المحافظين داخل الجامعة إلي أن حصلت على شهادة في الكيمياء عام 1947 و بعدها واصلت العمل كباحثة كيميائية في كولشيستر ثم عملت لاحقًا في دارتفورد .
حياتها السياسية
عقب تخرج ” مارجريت تاتشر ” بعامين قدمت أول محاولة لها لتولي منصب عام حين ترشحت كمرشحة محافظة لمقعد دارتفورد البرلماني في إنتخابات عام 1950 و أدركت منذ البداية أنه سيكون من المستحيل تقريباً الفوز بالمنصب بعيداً عن حزب العمال الليبرالي و مع ذلك إكتسبت إحترام أقرانها في الحزب السياسي من خلال خطاباتها و بعد هزيمتها لم تيأس و حاولت مرة أخرى في العام التالي لكن جهودها باءت بالفشل مرة أخرى و بعد شهرين من خسارتها تزوجت من ” دينيس تاتشر ” و بحلول عام 1952 وضعت السياسة جانبًا لبعض من الوقت من أجل التفرغ لدراسة القانون و في العام التالي أنجبت التوأم ” كارول و مارك ” و بعد الإنتهاء من دراستها القانون تأهلت لتكون محامية عام 1953 و لكنها لم تبتعد عن الساحة السياسية لفترة طويلة حيث فازت بمقعد في مجلس العموم عام 1959 و كان من الواضح أن طموحها أبعد من ذلك بعد أن تم تعيينها عام 1961 كوكيلة برلمانية لوزير المعاشات و التأمين الوطني و عندما تولى حزب العمال السيطرة على الحكومة أصبحت عضوا في ما يسمى ” حكومة الظل ” و هي مجموعة من القادة السياسيين الذين سيتولون السلطة إذا كان حزبهم هو من سيحكم فرضيا .
و عندما عاد المحافظين إلى السلطة في يونيو عام 1970 تم تعيين ” مارجريت تاتشر ” كوزيرة للتعليم و العلوم و خلال وجودها بالمنصب أطلق عليها لقب “تاتشر خاطفة الحليب” بعد إلغائها خطة الحليب المدرسية المجانية الشاملة و هو ما أكسبها إنتقادات حادة لدي الصحافة و وسائل الإعلام و خلال عملها أيضا واجهت صعوبة في إقناع رئيس الوزراء ” إدوارد هيث ” بالإستماع إلى أفكارها و قد نُقل عنها أنها غير متفائلة لمستقبل المرأة في السياسة و أبدت عدم إعتقادها بأنه سيكون هناك امرأة كرئيسة للوزراء و لكن سرعان ما ثبت خطأ توقعها لاحقا فعلي الرغم من خسارة حزب المحافظين للسلطة عام 1974 إلا أنها أصبحت قوة مهيمنة في حزبها السياسي و تم إنتخابها زعيمة لحزب المحافظين عام 1975 متغلبة علي ” هيث ” لهذا المنصب و بهذا الإنتصار أصبحت ” مارجريت تاتشر ” أول امرأة تتولي منصب زعيمة المعارضة في مجلس العموم في فترة كانت ” إنجلترا ” تمر بفترة من الإضطراب الإقتصادي و السياسي بعد أن أصبحت الحكومة علي وشك الإفلاس و معدلات البطالة في إرتفاع و الصراعات مع النقابات العمالية علي أشده و قد ساعد عدم الإستقرار هذا علي عودة المحافظين إلى السلطة عام 1979 و بإعتبارها زعيمة للحزب دخلت ” مارجريت تاتشر ” التاريخ في مايو عام 1979 عندما تم تعيينها كأول رئيسة وزراء لبريطانيا .
قيادة مارجريت تاتشر للمملكة المتحدة
كرئيسة للوزراء كافحت ” مارجريت تاتشر ” الركود في البلاد من خلال رفع أسعار الفائدة في البداية للسيطرة علي التضخم و إشتهرت بتدمير الصناعات التقليدية في ” بريطانيا ” من خلال هجماتها على المنظمات العمالية مثل نقابة عمال المناجم و قامت بعمل خصخصة واسعة للإسكان الإجتماعي و النقل العام و كان أحد أقوى حلفائها هو الرئيس الأمريكي ” رونالد ريجان ” الذي كان محافظ هو الأخر و يشتركان سويا في فلسفات سياسية يمينية متماثلة و مؤيدة للشركات و خلال فترة ولايتها الأولي أيضا واجهت تحديًا عسكريًا حين غزت ” الأرجنتين ” جزر فوكلاند في أبريل عام 1982 و التي تعتبر أراضي بريطانية منذ فترة طويلة و كانت مصدرا للصراع بين البلدين بسبب وقوعها قبالة السواحل الأرجنتينية و للرد علي تلك الخطوة إتخذت ” مارجريت تاتشر ” إجراءات سريعة تمثلت في إرسال القوات البريطانية إلي المنطقة لإستعادة الجزر فيما أصبح يعرف بإسم ” حرب الفوكلاند ” و التي إنتهت بإستسلام الأرجنتين في يونيو عام 1982.
و خلال فترة ولايتها الثانية بداية من عام 1983و حتي 1987 تعاملت ” مارجريت تاتشر ” مع عدد من الصراعات و الأزمات كان أكثرها إثارة للقلق محاولة إغتيالها في أكتوبر عام 1984 في مؤامرة دبرها الجيش الجمهوري الأيرلندي بتفجيرها عبر قنبلة تم زرعها في مؤتمر المحافظين في برايتون و لحسن حظها لم تصاب بأذي و أصرت بشجاعة علي إستمرار المؤتمر و ألقت كلمة في اليوم التالي أما بالنسبة للسياسة الخارجية فقد إلتقت مع الزعيم السوفيتي ” ميخائيل جورباتشوف ” عام 1984 و في العام نفسه وقعت إتفاقية مع ” الصين ” بشأن مستقبل ” هونج كونج ” و بشكل علني أعربت ” مارجريت تاتشر ” عن دعمها للغارات الجوية التي شنتها ” الولايات المتحدة ” علي ” ليبيا ” عام 1986 و سمحت للقوات الأمريكية بإستخدام القواعد البريطانية للمساعدة في تنفيذ الهجوم .
إستقالتها و حياتها بعد السياسة
بعد عودة ” مارجريت تاتشر ” إلي الحكم لولاية ثالثة عام 1987 سعت إلي تنفيذ منهج تعليمي قياسي في جميع أنحاء البلاد و إجراء تغييرات على النظام الطبي الإجتماعي و مع ذلك فقدت الكثير من الدعم بسبب جهودها لتطبيق ضريبة محلية ذات معدل ثابت و التي أطلق عليها الكثيرين إسم ضريبة الإقتراع لأنها سعت إلى حرمان أولئك الذين لم يدفعوها من حقهم فى التصويت و أدت هذه السياسة التي لا تحظي بشعبية كبيرة إلي احتجاجات عامة و تسببت في إنشقاق داخل حزبها و رغم رغبتها في الإستمرار بقيادة الحزب إلا أنه و نتيجة الضغوط إستسلمت في النهاية و أعلنت عزمها على الإستقالة في 22 نوفمبر عام 1990 و قالت في بيان لها: “بعد التشاور على نطاق واسع مع زملائي خلصت إلى أن إحتمالات الفوز في الإنتخابات العامة سوف تتحقق بشكل أفضل إذا تنحيت لتمكين زملائي من دخول صناديق الإقتراع لمنصب القيادة و أود أن أشكر جميع أعضاء مجلس الوزراء و خارجه الذين قدموا لي مثل هذا الدعم المتفاني. ” و في 28 نوفمبر عام 1990 غادرت “تاتشر ” للمرة الأخيرة 10 داونينج ستريت المقر الرسمي لرئيسة الوزراء .
و بعد فترة وجيزة من ترك منصبها تم تعيين ” مارجريت تاتشر ” عام 1992 في مجلس اللوردات بصفتها البارونة ” تاتشر من كيستيفن ” و كتبت عن تجاربها كزعيمة عالمية و إمرأة رائدة في مجال السياسة كتابين بعنوان “سنوات داونينج ستريت” (1993) و ” الطريق إلي السلطة ” (1995) و في عام 2002 نشرت كتاب “فن الحكم” الذي عرضت فيه وجهات نظرها حول السياسة الدولية و في هذا الوقت تقريبًا مرت ” مارجريت تاتشر ” بسلسلة من السكتات الدماغية الصغيرة ثم عانت من خسارة شخصية كبيرة لها عام 2003 حين توفي زوجها ” دينيس ” بعد أكثر من 50 عامًا من الزواج و في العام التالي إضطرت إلي توديع صديقها و حليفها القديم ” رونالد ريجان ” حيث ألقت تأبينا له و هي في حالة صحية هشة أشادت فيه بالرئيس الأمريكي بإعتباره رجلاً “سعى إلى إصلاح روح أمريكا الجريحة و إستعادة قوة العالم الحر و وتحريره من الشيوعية”.
و في عام 2005 إحتفلت ” مارجريت تاتشر ” بعيد ميلادها الثمانين و أقيم حفل ضخم على شرفها حضرته الملكة ” إليزابيث الثانية ” و ” توني بلير ” و ما يقرب من 600 من الأصدقاء و أفراد الأسرة و الزملاء السابقين و بعد ذلك بعامين تم الكشف عن تمثال للزعيمة المحافظة القوية في مجلس العموم .
سنوات مارجريت تاتشر الأخيرة و وفاتها
في عام 2010 تصدرت صحة ” مارجريت تاتشر ” عناوين الأخبار عندما فاتتها إحتفال في 10 داونينج ستريت أقيم علي شرف عيد ميلادها الخامس و الثمانين من قبل ” ديفيد كاميرون ” و في وقت لاحق في نوفمبر 2010 أمضت أسبوعين في المستشفى بسبب حالة تبين لاحقا أنها تسبب التهابا مؤلما في العضلات و في عام 2011 شاركت في عدد من الأحداث الكبرى بما في ذلك حفل زفاف الأمير ” ويليام ” و إزاحة الستار عن تمثال ” رونالد ريجان ” في ” لندن” و في يوليو 2011 تم إغلاق مكتب ” تاتشر ” في مجلس اللوردات بشكل دائم و أعتبر البعض أن الإغلاق يمثل نهاية لحياتها العامة .
و نتيجة معاناتها من مشاكل في الذاكرة خلال سنواتها الأخيرة بسبب السكتات الدماغية تراجعت ” مارجريت تاتشر ” عن الأضواء و عاشت في عزلة شبه تامة في منزلها بحي بلجرافيا في ” لندن ” حتي توفيت في 8 أبريل عام 2013 عن عمر يناهز 87 عامًا و قد تركت خلفها طفليها إبنتها ” كارول ” و إبنها السير ” مارك ” .
مقتطفات من حياة مارجريت تاتشر
- عملت ” مارجريت تاتشر ” كعالمة أغذية و كانت جزءًا من فريق وجد طريقة لزيادة كمية الهواء المحقون في الآيس كريم بحيث يمكن أن يتم تصنيعها بمكونات و تكلفة أقل و أدى هذا الإنجاز إلى إنتاج الآيس كريم الناعم والذي تم توزيعه من الشاحنات عبر بريطانيا العظمى .
- تحتفل جزر فوكلاند في العاشر من يناير من كل عام بيوم “مارجريت تاتشر ” لإحياء ذكرى زيارتها المظفرة للمستعمرة عام 1983.
- يرجع تلقيبها بالمرأة الحديدية إلي الصحافة السوفيتية و قد سعدت جدا بذلك اللقب .
- خلال إستطلاع رأي اختارها 21% من المشاركين كأعظم زعيمة في ” المملكة المتحدة ” منذ عام 1945 أما بالنسبة لتصنيفات المؤرخين و الأكاديميين فقد إحتلت المرتبة الرابعة بين رؤساء الوزراء العشرين الأكثر نجاحًا في القرن العشرين .