مع بدايات القرن العشرين شهد العالم طفرة كبيرة فى علوم الطيران و تطبيقاتها خاصة فى المجالات المتعلقة بنقل الركاب حيث كان منطاد هايدنبرج أحد أبرز تلك الوسائل التى يرتادها ألاف الركاب للسفر عبر المحيط ذهابا و إيابا بين دول أوروبا و الولايات المتحدة على مدار فترة امتدت نحو ثلاثون عاما تقريبا الا أن كل ذلك قد توقف بعد اختتام ذلك المنطاد رحلته الثالثة و الستون التى شهدت حادثا مأساويا فى مايو عام 1937 بعد أحتراقه بالكامل خلال محاولة هبوطه في ليكهورست بمدينة نيوجيرسي الامريكيه و هو يحمل على متنه 97 فردا إثر إنطلاق شرارة تفاعلت مع غاز الهيدروجين الموجود فى خزانه ليحدث انفجار يتبعه حريق ضخم أدى الى مصرع 13 راكبًا و 22 من أفراد الطاقم و واحدا من الأفراد الذين كانوا متواجدين على الأرض ليكون نهاية لعصر النقل بالمناطيد بعد فقدان الجمهور الثقة فى ارتياده بعض أن كان المفضل للركاب على حساب الطائرات .
كان ذلك المنطاد بعامه الثانى فى المجال التجارى و كان معروفا برفاهيته التي لا تستطيع أى وسيلة نقل أخرى منافسته حيث كان يستغرق نصف الوقت الذى تتخذه السفن عبر البحار و خلال انشائه أراد مصممه ” هوجو إيكنر ” إستخدام غاز “الهليوم” نظرا الى أنه غاز رفع يعتبر أقل قابلية للاشتعال عن ” الهيدروجين ” الا أنه كان من الصعب تحقيق ذلك نتيجة ان “الولايات المتحدة” كانت تسيطر على معظم إمدادات “الهيليوم” في العالم و تخشى أن تستخدمه دول أخرى لأغراض عسكرية لذلك كان ليس من السهل الحصول على ذلك الغاز لحظره من التصدير .
و فى يوم الرحلة المشئومة غادر المنطاد مدينة ” فرانكفورت ” فى ألمانيا مساء يوم 3 من مايو عام 1937 و رغم وجود الطائرات كأحد وسائل النقل فى ذلك الوقت بين أوروبا و الولايات المتحدة و تميزها بسرعات أعلى إلا أن الركاب كانوا يفضلون إرتياده بسبب فخامته و توفيره الراحة المنشودة للركاب أثناء الرحله التى حملت نصف عدد ركابها الذي بلغ 36 فردا بدلاً من 70 بسبب حملها عددا أكثر من المعتاد لأفراد طاقمها الذين بلغوا 61 شخصا من بينهم 21 متدربًا لمراقبة كيفية تشغيله و التحكم به و كان كل شئ على ما يرام كما كان مخططا له لدرجة أنه تم حجز جميع أماكن رحلة العودة بالكامل لركاب كان أغلبهم سيحضرون حفل تتويج ملكة إنجلترا ” إليزابيث الثانيه ” , و عند وصوله الى “الولايات المتحدة” فى 6 من مايو و بسبب وجود عواصف رعدية فى فترة الظهيره عند محطة هبوطه فى “ليكهورست” بنيوجيرسى تمنع هبوطه أخذ القبطان “ماكس بروس ” منطاده في جولة ممتعة فوق “مانهاتن” فى “نيويورك” حتى ان سكانها هرعوا خارج منازلهم لمشاهدته و فى تمام الساعة 7:00 مساءً أقترب من محطة وصوله استعدادا للهبوط و فى الساعة 7:11 بدء القبطان فى تقليل سرعته و فى الساعة 7:21 و بينما كان على ارتفاع 90 مترًا بدء فى إسقاط أحبال الهبوط و كابل المرساه ليمسكها الطاقم الأرضى من أجل تثبيتها للرسو و في الساعة 7:25 أفاد شهود للعيان برؤية جزء من النسيج الخارجى للمنطاد و هو يرفرف كما لو كان ناتجًا عن تسرب للغاز مع وجود لهب أزرق ربما بسبب كهرباء ساكنة و التى أدت الى حدوث انفجارًا مكتومًا و بدأه فى الاشتعال و السقوط .
و مع اندلاع النيران بالكامل في المنطاد و بدء مرحلة سقوطه كان يوجد مجموعة من المراسلين على الأرض انتظارا لحدث هبوطه المعتاد لأنه كان أمرا جديرا بالنشر و كان الصحفي الإذاعي “هربرت موريسون” برفقة مهندس الصوت “تشارلي نيلسن” متواجدين لتغطية وصوله لصالح محطة إذاعية بشيكاغو و الذى أصبح وصفه لاحقا أسطوريا بعد ذلك و متداول حتى وقتنا الحالى رغم انه لم يكن بثا مباشرا بل تسجيل له تم بثه فى اليوم التالى بجميع أنحاء البلاد حيث قال :
إنه عمليا لا يزال فى الأعلى .. لقد أسقطوا الحبال من المنطاد و أخذه عدد من الرجال في الاسفل و بدأ المطر يهطل مرة أخرى .. لقد تباطأ المطر قليلاً .. لقد اشتعلت فيه النيران! . احصل على هذا يا تشارلي .. إنها نار … انه يتحطم بشكل مروع .. يا إلهي .. ابتعد عن الطريق من فضلك .. إنه يحترق و يشتعل فيه النيران .. وهو يسقط على سارية الإرساء و جميع الأشخاص بينه … هذا فظيع … هذه واحدة من أسوأ الكوارث في العالم .. ألسنة اللهب تتصاعد الى السماء سيداتي وسادتي . هناك دخان و هناك ألسنة اللهب .. الآن .. الإطار يتحطم على الأرض و جميع الركاب يصرخون هنا .. لا أستطيع حتى التحدث إلى الناس .. أنا لا أستطيع التحدث .. الجميع يتنفسون بصعوبة … أنا آسف … بالكاد أستطيع التنفس … هذا فظيع. … يا رفاق أنا سأضطر إلى التوقف لمدة دقيقة لأنني فقدت صوتي هذا أسوأ شيء رأيته في حياتي .
و هذا عن الخارج اما فى الداخل فقد قفز العديد من الناجين عبر النوافذ و ركضوا للهروب من النار أبرزهم كان “فيرنر فرانز” و هو صبي يبلغ من العمر 14 عامًا يعمل ضمن افراد الطاقم و بمجرد إشتعال المنطاد قفز من خلال فتحة كانت تستخدم لتحميل المؤن و سقط على الأرض و لحسن حظه كانت خالية من الحطام و هو الامر الذى ساهم فى نجاته و عندما توفي عام 2014 عن عمر يناهز 92 عامًا كان يعتبر آخر أعضاء طاقمه الذين كانوا على قيد الحياة.
و بعد الكارثة فتحت التحقيقات لمعرفة أسباب ذلك الحادث و رغم عدم الوصول الى الحقيقة بشكل قاطع الا أن الغالبية تجزم انه بسبب الهيدروجين الذى اشتعل بواسطة شرارة ثابتة , و أى كان حقيقة ما حدث الا أن ذلك الحادث حطم إيمان الجمهور و وضع علامة على نهاية المناطيد العملاقة حيث سرعان ما تم استخدام السفر عبر المحيط بواسطة الطائرات الأثقل من الهواء و التى لا تزال مستخدمة فى وقتنا الحالى و الى الان تتواجد علامة تذكارية على الأرض فى مكان السقوط من أجل تكريم ضحايا ذلك الحادث .
و نستعرض معا بعضا من المعلومات السريعة حول “منطاد هايدنبرج”
كان به غرفة للتدخين
كان يتمتع ذلك المنطاد برفاهية ليس لها حدود من حسن الضيافة و رقى الوجبات المقدمه وصل الى درجة توفير غرفة للتدخين أسفل غرفة التخزين المليئة بسبعة مليون قدم مكعب من غاز الهيدروجين القابل للاشتعال حيث فيها يمكن للمسافرين شراء السجائر خاصة السيجار الكوبي على اعتبار ان ذلك الغاز خفيف الوزن و يرتفع الى أعلى فمن الصعب تواجده فى تلك الغرفة المضغوطة و المصممة بشكل خاص لمنع دخول أى غاز للهيدروجين مع وضع حرس على مدخل الباب للتأكد من إطفاء جميع مواد التدخين قبل أن يترك الراكب الغرفة.
به بيانو خفيف الوزن صنع خصيصا للمنطاد
تعاقدت شركة زبلن للنقل المالكة لمنطاد هايدنبرج مع احدى الشركات المتخصصه فى صناعة البيانو لصناعة واحدا ذات مواصفات خاصة يكون فيه خفيف للوزن لسهولة استيعابه فى ذلك المنطاد الطائر حيث كان وزنه 180 كيلوجراما و عمل فى السنة الأولى من دخول المنطاد الى الخدمه و من حسن حظه انه لم يكن موجودا على متنه خلال ذلك الحادث المأساوى .
نجاة البريد الموجود فى المنطاد و تسليمه لأصحابه
أنشأت الشركة المالكة للمنطاد خدمة بريدية عبر المحيط حيث كان يحمل ما يقرب من سبعة عشر ألف خطابا و طردا للشحن خلال رحلته الأخيرة و رغم الحادث و الحريق الهائل الذى ضرب المنطاد الا انه نجا أكثر من مائة و خمسين مادة بريدية كانت محفوظة في صندوق واقي خلال الحادث حيث تم ختمها بعد أربعة أيام و تسليمها الى أصحابها و بيعت لاحقا بأسعار ضخمة نتيجة صلتها بذلك الحادث .
أراد جوبلز تسميته على إسم أدولف هتلر
نتيجة فخامة ذلك الصرح أراد وزير الدعاية النازى ” جوبلز ” تسميته على اسم الزعيم النازى “أدولف هتلر ” لكن مصممه “هوجو إيكنر” و الذى لم يكن مؤيدا للنازيه رفض ذلك و فضل إطلاق إسم الرئيس الألماني الراحل “بول فون هايدنبرج” و فى النهاية كان هتلر مسرورا لأن السفينة الذى أنتهى مصيرها بتلك الكارثه لم تحمل اسمه.
أقرأ أيضا : كارل تانزلر الرجل الذى وقع فى حب مريضته ثم عاش مع جثتها بعد وفاتها
رغم كارثية الحادث الا انه كان الثالث من حيث دمويته
فين حين أن حادث منطاد هايدنبرج هو الأكثر شهرة إلا أنه كانت هناك حوادث سابقة مع معدلات وفيات أعلى بكثير ففى 4 من أبريل عام 1933 تحطم المنطاد البحري الأمريكي المليء بالهيليوم “أكرون” فى الولايات المتحدة الأمريكية أثناء عاصفة قبالة ساحل نيو جيرسي و من بين ستة و سبعون شخصا كانوا على متنه الطائرة قتلوا جميعا و لما ينجى سوى ثلاثه و فى 5 من أكتوبر عام 1930 تحطم منطاد تابع للجيش البريطانى فى فرنسا حيث لقى 48 شخصا مصرعهم من 54 راكبا كانوا على متنه من بينهم وزير الطيران اللورد “طومسون” مؤسس برنامج المناطيد فى بريطانيا و كثير من مصممي تلك السفينة .