نتيجة التطور التكنولوجي الذى إجتاح العالم فى العقود الأخيرة و خاصة بعد إنتشار شبكة الإنترنت أصبح سكانه أكثر ترابطا و تواصلا فيما بينهم فالشخص الذى يعيش فى الولايات المتحدة بأقصى الغرب يستطيع التواصل بشكل يومي مع شخص فى اليابان بأقصى الشرق من دون أى مشكلات و أصبح نادرا وجود أى بقعة على كوكب الأرض تعيش فى عزلة الا استثنائات بسيطة تتمثل فى مجموعات من القبائل التى تعيش فى جزر معزوله و التى لم تستطيع حتى اللحظة مواكبة التغيرات العالمية و تطوراتها واحدة منها هى قبيلة سينتلينس التى يعيش سكانها فى جزيرة معزولة منذ ما يقرب من 60 ألف عام و يرفضون تماما أى محاولات للتواصل مع الأخرين و على مدار الـ 200 عام الماضية زار العديد من الغرباء تلك الجزيرة عدة مرات لمحاولة لقاء أهلها و التعرف عليهم لكن غالبًا ما أنتهت تلك الزيارات بشكل سيء و أحيانا مأساوي لكلا الجانبين .
و تعيش قبيلة سينتلينس فى جزيرة معزولة تقع قبالة الطرف الشمالي الغربي من “إندونيسيا” التى تحتوى على سلسلة صغيرة من الجزر يقدر أعدادها بأكثر من 570 جزيرة عبر المياه الزرقاء العميقة لخليج البنغال و يعتبرون جزء من الأرخبيل الهندي و رغم أن معظم تلك الجزر مفتوحة للسياحة و مأهولة بالسكان منذ قرون الا ان تلك الجزيرة تحديدا و التى يطلق عليها إسم ” شمال سينتنيل ” إستثناء و يتم تحذير السائحين بعدم الإقتراب منها لتجنب تعرضهم لأى أعمال عدوانية من قبل سكانها حتى سكان جزر أندامان القريبة منها يتجنبون الإبحار فى المياه المحيطة بها لتجنب حدوث أى نزاعات لأن التعامل مع قبائل سنتلينس من الصعب أن يكون بالحلول الديبلوماسية حيث فرضت العزلة الذاتية على هؤلاء السكان بأنه لا أحد خارج شواطئهم يتحدث لغتهم و بالمثل هم لا يتحدثون بلغة أي شخص آخر لذلك فالترجمة و التواصل بين الطرفين تعد من الأمور المستحيلة .
و تروى بعض القصص عدوانية قبيلة سينتلينس و التى بدأت حين جنحت سفينة تجارية هندية تسمى “نينوى” على الشعاب المرجانية و تمكن 86 راكبا و 20 من أفراد الطاقم من السباحة و شق طريقهم إلى الشاطئ و مكثوا بها لمدة ثلاثة أيام قبل أن يقرر سكان قبيلة سينتلينس بوضوح أنهم قد تجاوزوا مدة الترحيب بهم و يتم التعامل معهم بالأقواس و السهام لحثهم على المغادرة و رد ركاب “نينوى” و طاقمها بالعصي والحجارة حتى وصلت سفينة تابعة للبحرية الملكية لإنقاذ الناجين من حطام السفينة و في عام 1896 حاول مُدان هارب الفرار من مستعمرة جزيرة “جريت أندامان” المجاورة على زورق و وصل الى جزيرة “نورث سينتينيل” و بعدها بايام قليله عثر فريق بحث استعماري على رفاته و هى مليئة بجروح السهام و مقطوعة حنجرته و مؤخرا فى عام 2006 كان يوجد اثنان من الصيادين الهنود و هم “سوندر راج” و “بانديت تيواري ” يقومون بصيد الكابوريا و رغم معرفتهم بخطورة الإقتراب من محيط تلك الجزيرة الا انهم سمعوا أن المياه قبالة ساحل جزيرة ” شمال سينتنيل ” كانت مثالية للصيد لذلك قرروا المخاطرة و أقتربوا منها رغم مخالفة ذلك للقانون الذى وضعته السلطات فى الهند و وضعوا سلالهم و استقروا و عندما ناموا كان قارب الصيد الصغير الخاص بهم على بعد مسافة آمنة من الجزيرة و لكن في الليل خذلتهم المرساة و دفعهم التيار بالقرب من الشواطئ المحرمة و سرعان ما هاجمتهم قبيلة سينتلينس دون سابق إنذار و قتلت الرجلين في قاربهم و لم يسمحوا حتى لخفر السواحل الهندي بالهبوط لاستعادة الجثث و بدلاً من ذلك أطلقوا دفعات لا نهاية لها من السهام على مروحيتهم و في النهاية تم التخلي عن محاولات استعادتهم و تركت القبيلة بمفردها مرة أخرى و على مدى السنوات ال 12 المقبلة لم يتم إجراء أي محاولات أخرى للاتصال .
و بطبيعة الحال تعتبر تصرفات قبيلة سينتلينس متوقعه فهى أمضت ما يقرب من 60 ألف عام في تجنب الغرباء و تحاشى التعامل معهم و كما لو كانت الأرض تعلم أنهم أرادوا أن يُتركوا و شأنهم لذلك فتعتبر تضاريس تلك الجزيرة مناسبة للحفاظ على عزلتهم نظرا لأنها لا تحتوي على موانئ طبيعية و تحيط بها شعاب مرجانية حادة و مغطاة بالكامل تقريبًا بغابة كثيفة مما يجعل أي رحلة إلى الجزيرة صعبة لذلك فلا يُعرف الكثير عنها حتى أن الحساب التقديرى لحجم سكانها ثبت أنه صعب و لكن يعتقد الخبراء أن القبيلة تضم ما بين 50 الى 500 عضو كما لاحظوا أن منازلهم التي شاهدوها من مسافات بعيدة مكونة بأكواخ مثل المأوى مصنوعة من سعف النخيل و بمثابة مساكن جماعية مقسمة و مبنية في مواجهة بعضها البعض مع وجود نيران مدروسة بعناية خارج كل منها و يبنون زوارق صغيرة و ضيقة ذات أذرع ممتدة للمناورة بها في المياه الضحلة و الهادئة نسبيًا داخل الشعاب المرجانية و لا يعرف الخبراء كيفية بقائهم على قيد الحياة كل تلك السنوات خاصة تلك التي أعقبت موجات التسونامي عام 2004 و دمرت ساحل خليج البنغال بأكمله و رغم من أنه يبدو أن سكان قبيلة سينتلينس ليس لديهم أدوات تأتى من خارج الجزيرة إلا أن الباحثين رأوهم يستخدمون الأجسام المعدنية التي جرفتها الأمواج لحطام السفن أو الناقلات المارة على شواطئهم حتى سهامهم التى أطلقت على جوانب المروحيات غير المحظوظة التي حاولت الهبوط على الجزيرة النائية لتحذير الباحثين من الأقتراب فقد لوحظ أن رؤوسها مصنوعة من أشكال متنوعة لأغراض مختلفة مثل الصيد الحيوانات و صيد الأسماك و الدفاع عن النفس .
و رغم عزلة ذلك المكان الا أن قبيلة سينتلينس جذبت الاهتمام على مر القرون لمحاولة التواصل معها حيث كانت أولى هذه المحاولات المسجلة عام 1880 عندما اختطف البريطاني “موريس بورتمان” البالغ من العمر 20 عامًا زوجين مسنين و أربعة أطفال من جزيرة “شمال سينتينيل” حيث كان ينوي الذهاب بهم الى ” المملكة المتحدة ” و معاملتهم معاملة حسنة و دراسة عاداتهم ثم إغداقهم بالهدايا و إعادتهم إلى الجزيرة مرة أخرى و لكن عند وصولهم إلى “بورت بلير” عاصمة جزر أندامان مرض الزوجان المسنان نتيجة أن أجهزتهما المناعية ضعيفة لمواجهة أمراض العالم الخارجي و خوفًا من موت الأطفال أيضًا أعادهم “بورتمان” و رجاله إلى الجزيرة مرة أخرى ثم استمرت عزلة قبيلة سينتلينس لما يقرب من 100 عام تقريبا حتى عام 1967 عندما حاولت الحكومة الهندية الاتصال بالقبيلة مرة أخرى الا أنها كانت غير مستعدة للتعاون و تتراجع إلى الغابة في كل مرة يحاول علماء الأنثروبولوجيا الهنود التفاعل معهم و في النهاية قرر الباحثين ترك الهدايا على الشاطئ و التراجع و استمرت محاولات الاتصال أعوام 1974 و 1981 و 1990 و 2004 و 2006 من قبل مجموعات متنوعة من العلماء بما في ذلك قناة ” ناشونال جيوجرافيك ” التى جاء فريقها من خلال سفينة شراعية تابعة للبحرية و الحكومة الهندية الا أنهم قوبلوا جميعها بستارة لا هوادة من السهام و منذ عام 2006 و بعد الجهود المبذولة لاستعادة جثث الصيادين الهنود تم إجراء محاولة واحدة فقط للاتصال و انتهت بمأساة هى الأخرى .
بدأت تلك المأساة ببطلها الأمريكي “جون ألين تشاو” البالغ من العمر ستة و عشرين عامًا و كان دائمًا مغامرًا لكن لم يكن من غير المعتاد أن تضعه مغامراته في ورطة لكنه و لسوء حظه لم تكن فى أماكن خطرة مثل جزيرة “نورث سينتينيل” حيث أنجذب إلى الشواطئ المعزولة بحماسة شديدة و رغم علمه أن قبيلة سينتلينس قد رفضت بعنف محاولات الاتصال السابقة لكنه شعر بأنه مضطر لبذل جهد أكبر للتواصل معهم و فى خريف عام 2018 سافر إلى جزر أندامان و أقنع اثنين من الصيادين لمساعدته على الإفلات من زوارق الدورية و شق طريقه إلى المياه المحظورة و عندما رفض مرشديه الذهاب الى أبعد من ذلك سبح إلى الشاطئ بمفرده و وجد بعض من أفراد تلك القبيلة لكن لم يكن استقباله مشجعا و تحدثت نساء القبيلة فيما بينهن بقلق و عندما ظهر الرجال كانوا مسلحين و معادين لذلك عاد بسرعة إلى الصيادين المنتظرين قبالة الشاطئ ثم قام برحلة ثانية في اليوم التالي و هذه المرة حاملاً هدايا من بينها كرة قدم و سمكة و كان الرد أن أطلق أحد أفراد القبيلة المراهق سهمًا في وجهه و أصاب هدية كان يحملها تحت ذراعه ليتراجع مرة أخرى و فى تلك الليلة أدرك أنه قد لا ينجو من زيارته الثالثة للجزيرة و كتب في يومياته “مشاهدة غروب الشمس جميل و أتساءل عما إذا كان ذلك سيكون آخر غروب أراه ” و كان محقا فعندما عاد الصيادون لاصطحابه من رحلته إلى الشاطئ في اليوم التالي رأوا العديد من رجال قبيلة سينتلينس يجرون جسده بعيدًا لدفنه و لم يتم استرداد رفاته مطلقًا و تم اعتقال الصيادين الذين ساعدوه في رحلته الخطرة .
أقرأ أيضا : تعرف على جزيرة الأفاعى السامة المحظور على الإنسان التواجد فيها
و أثارت تصرفات “تشاو” جدلاً دوليًا ساخنًا حول قيمة و مخاطر فعلته فضلاً عن الوضع المحمي لجزيرة ” شمال سينتينيل ” حيث أشار البعض إلى أنه في حين أن “تشاو” كان يهدف إلى مساعدة القبيلة لكنه عرّضهم في الواقع للخطر من خلال نقل الجراثيم التي يحتمل أن تكون ضارة إلى السكان بينما أشاد آخرون بشجاعته و لكنهم احبطوا من فشله في إدراك أن فرص نجاحه كانت شبه معدومة بينما انتقد البعض تلك الزيارة و اعتبروها مزعجة حيث أعادوا التأكيد على حق القبيلة في متابعة معتقداتهم الخاصة و ممارسة ثقافتهم بسلام و هو حق فقدته كل جزيرة أخرى تقريبًا في الأرخبيل بسبب الغزو الأوروبى .