قبو الحضارة .. كنز القرن العشرين المخبأ لآلاف السنين القادمة

في أعماق جامعة أوجليثورب بولاية جورجيا الأمريكية يقبع واحد من أكثر المشاريع الإنسانية طموحًا و هو قبو الحضارة الذي شيد ليكون كبسولة زمنية محصنة تحمل إرث البشرية حتى عام 8113م و في داخله مجموعة مذهلة من الكتب و الأدوات و التسجيلات و المقتنيات اليومية التي تجسد روح القرن العشرين و ما قبله و هي فكرة إستهلمها الدكتور ثورنويل جاكوبس من الحضارات القديمة و قام بتنفيذها لتكون ملاذًا لإحتواء الحضارة البشرية داخل مكان واحد محمي من الزمن و الكوارث من أجل مساعدة الأجيال القادمة في التعرف علي طبيعة الحياة البشرية بكافة تفاصيلها الدقيقة خلال تلك الفترة مجسدا بذلك رسالة حب للحياة و أمل في إستمرارية الحضارة للأبد .

قبو الحضارة داخل جامعة أوجليثورب

بدأت فكرة إنشاء “قبو الحضارة” في أوائل الثلاثينيات عندما كان الدكتور ” ثورنويل جاكوبس ” رئيس جامعة أوجليثورب يجري أبحاثًا عن الحضارات القديمة و لاحظ أن ما نعرفه عن المصريين القدماء أو السومريين أو البابليين كان يعتمد علي آثار متناثرة مثل الكنوز المكتشفة في قبور الفراعنة أو النقوش الصخرية في بلاد ما بين النهرين و كان رأيه أن هذه السجلات القديمة لم تقدم صورة كاملة عن حياة تلك الشعوب لذلك قرر معالجة هذا النقص من خلال إنشاء قبر حضاري و عصري يحوي سجلًا شاملًا لمظاهر الحياة اليومية و الإنجازات الثقافية و العلمية للإنسان حتى تلك اللحظة و ناقش فكرته عام 1935 مع محرر مجلة Scientific American الذي وعده بتسليط الضوء عليها و بالفعل في نوفمبر عام 1936 نُشرت أول مقالة تصف المشروع و هو ما ساهم في جذب إهتمام العلماء و رجال الأعمال ثم بدأ العمل رسميًا في أغسطس عام 1937 بمساعدة العالم ” توماس ك. بيترز ” الذي أشرف علي بناءه و تجهيزه و بحلول يونيو عام 1940 كان فريق المشروع قد جمع كل المواد التي رأى أنها تمثل جوهر الحياة البشرية على الأرض خلال 6000 سنة الماضية.

الدكتور ثورنويل جاكوبس صاحب فكرة قبو الحضارة
ثورنويل جاكوبس

و يقع ” قبو الحضارة ” في قاعة Phoebe Hearst Hall بجامعة أوجليثورب و يرجع سبب الإختيار لإمتلاكها مسبح مهجور أجريت فيه تعديلات هندسية لتحويله إلي غرفة محكمة الإغلاق تم تصميمها لتبقى سليمة لعشرات القرون و كانت بأبعاد 6.1 متر طولًا و 3 أمتار عرضًا و 3 أمتار إرتفاعًا و تمت تغطية جدرانها بألواح من المينا تم تثبيتها بإستخدام مادة عازلة و بعد ذلك تم إغلاق المدخل بباب من الفولاذ المقاوم للصدأ لضمان حفظ المحتويات ثم أُزيل الأكسجين من الغرفة و أستبدل بغاز النيتروجين الخامل و كان العمل يتم من خلال تمويل مالي من رجال الأعمال و الصناعيين و المتبرعين و عقب الإنتهاء منه و تجهيزه تم إهداءه رسميًا لحكومة ” الولايات المتحدة ” لتكون مسؤولة عن حمايته حتى موعد فتحه في العام 8113م .

توماس ك. بيترز

و صُمم ” قبو الحضارة ” ليكون مستودعًا شاملًا للحياة البشرية و ضم العديد من القطع التي توثق مختلف جوانب الحضارة من الأدوات اليومية إلي الأعمال الأدبية و الفنية و شملت محتوياته ما يلي :

الكتب و المخطوطات .. و هي نسخ مصغرة من الكتب السماوية و الكلاسيكية مثل القرآن الكريم و الكتاب المقدس و الإلياذة لهوميروس و الكوميديا الإلهية لدانتي و مخطوطات من أرشيف جمعية AMORC التي توثق فلسفاتها و نسخة من المخطوطة الأصلية لفيلم ” ذهب مع الريح .

الأدوات اليومية .. و تألفت من قلم ميكانيكي و فرشاة أسنان و محمصة خبز و مسجل صوتي و آلة حاسبة يدوية و ألعاب أطفال مثل ” لينكولن لوجز ” و شخصية ” دونالد داك ” البلاستيكية و أدوات منزلية مثل حقيبة نسائية تحتوي علي مستلزمات شخصية.

التسجيلات الصوتية و الفيديو .. و تتكون من خطابات لقادة مثل “فرانكلين روزفلت” و ” أدولف هتلر ” و ” جوزيف ستالين ” و تسجيلات ثقافية مثل أغاني بوباى البحار ومسابقة لتقليد أصوات الخنازير و أفلام وثائقية عن الحياة الصناعية و الزراعية في ولاية أوهايو .

الأدوات العلمية و التقنية .. مثل أجهزة قياس الإرتفاع و مقياس الضغط الجوي و أدوات إلكترونية مثل الراديو و التلفزيون و آلات كاتبة و جهاز “مُدمج اللغة” الذي يساعد الأجيال القادمة علي تعلم اللغة الإنجليزية.

المتعلقات المحفوظة داخل قبو الحضارة
الأدوات الموجودة داخل قبو الحضارة

إقرأ أيضا : ماذا قدمت وكالة ناسا من معلومات عن الأرض و الإنسانية إلي الكائنات الفضائية ؟

و في مايو عام 1940 أُغلق ” قبو الحضارة ” خلال حفل رسمي حضره شخصيات بارزة مثل العمدة ” ويليام هارتسفيلد ” و الصحفي كلارك هويل و قام ” جاكوبس ” بإغلاق الباب الفولاذي للحجرة بلحام محكم و وضعت لوحة معدنية تحمل رسالة للأجيال القادمة تنص على أن القبو يحتوي علي سجل شامل لحياة البشر حتى عام 1939 و يدخل بذلك موسوعة جينيس للأرقام القياسية بإعتباره أول محاولة ناجحة لتوثيق الثقافة البشرية للأجيال القادمة و يصبح مصدر إلهام للكبسولات الزمنية الحديثة مثل كبسولات “ويستنجهاوس” التي أُنشئت في معرض نيويورك العالمي 1939-1940 كما ساهم في في تأسيس المجتمع الدولي للكبسولات الزمنية الذي يهدف إلي تسجيل مواقع هذه الكبسولات و محتوياتها حول العالم و إلي الأن ينظر الكثيرين إلي ” قبو الحضارة ” بإعتباره شهادة علي الطموح البشري في حفظ المعرفة و الثقافة للأبد .

شارك الموضوع

عمرو عادل

فى الحياة الواقعيه مهندس ميكانيكا قوى اما فى الحياه الافتراضيه فباحث و كاتب و مدير الموقع دا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *