في عالم مليء بالتحديات العلمية و التكنولوجية يظل الفضاء الخارجي واحد من أكثر المناطق غموضًا و إثارة للإهتمام و منذ بداية عصر غزو الفضاء سعى العلماء إلي محاولة فهم كيفية تفاعل الكائنات الحية وسط الأشعات الكونية و في بيئة بدون جاذبية و من بين هذه الجهود كانت محاولات لزراعة النباتات في الفضاء كخطوة مهمة نحو تحقيق الإكتفاء الذاتي للبعثات الفضائية الطويلة مثل تلك التي ستوجه يوما إلي كوكب المريخ و في هذا السياق تم الإعلان عن نجاح إزهار أول زهرة في الفضاء و هي زهرة الزينيا علي متن محطة الفضاء الدولية (ISS) و هو حدث تاريخي بإعتباره خطوة علمية كبيرة لفهم كيفية نمو النباتات في بيئة الفضاء القاسية بالإضافة إلي تسليط الضوء علي الجوانب النفسية التي يمكن أن توفرها تلك النباتات لرواد الفضاء الذين يعيشون في عزلة عن الأرض لفترات طويلة .

كان الحدث في يناير عام 2016 حين أعلن رائد الفضاء الأمريكي ” سكوت كيلي ” عبر حسابه علي موقع إكس عن نجاحهم في إزهار أول زهرة في الفضاء و هي زهرة الزينيا علي متن محطة الفضاء الدولية ISS حيث كانت تلك الزهرة ليست مجرد رمز للجمال و الزينة في الفضاء بل هي أيضًا جزء من تجربة علمية تهدف إلي فهم كيفية نمو النباتات في بيئة غريبة و غير مألوفة و كان قد تم زراعة الزينيا في مختبر “فيجي” المخصص لزراعة النباتات في المحطة الفضائية و هو نفس المختبر الذي نجح سابقًا في زراعة الخس .

و وقع الإختيار علي زهرة الزينيا تحديدا لهذه التجربة بسبب حساسيتها العالية للظروف البيئية إضافة إلي طول فترة نموها مقارنة بالخس و هذه الخصائص جعلت منها نباتًا مثاليًا لإختبار قدرة النباتات علي الإزهار في الفضاء و مع ذلك لم تكن الرحلة سهلة حيث واجهت النباتات بعض التحديات تمثل في ظهور العفن علي أوراقها في ديسمبر عام 2015 و هو ما أثار مخاوف حول نجاح التجربة لكنه في النهاية قدم فرصة قيمة للعلماء لدراسة كيفية تعامل النباتات مع الظروف القاسية في الفضاء .

و وفقًا لوكالة ناسا فإن هذه التجربة حتى مع وجود بعض المشاكل كانت ناجحة من الناحية العلمية حيث أوضحت البروفسيرة ” جيوفيا ماسا ” قائدة فريق علوم مختبر “فيجي” أن الفريق تعلم الكثير عن كيفية نمو النباتات في الفضاء و كيفية إدارة العمليات بين الأرض و المحطة الفضائية و هذه المعرفة ستكون حاسمة في المستقبل خاصة مع التخطيط لبعثات فضائية طويلة الأمد مثل تلك المتوجهة إلي المريخ .
و بالإضافة إلي الجوانب العلمية فإن زراعة النباتات في الفضاء لها فوائد نفسية كبيرة لرواد الفضاء حيث تقول ” ألكسندرا وايتماير ” و هي عالمة في قسم الصحة السلوكية و الأداء ببرنامج أبحاث الإنسان التابع لناسا إلي أن النباتات يمكن أن توفر شعورًا بالراحة و الإتصال بالأرض خاصة في البيئات المعزولة مثل المحطة الفضائية حيث أشارت الدراسات التي أجريت في محطات القارة القطبية الجنوبية أن وجود النباتات الطازجة يمكن أن يحسن الحالة النفسية للأفراد الذين يعيشون في ظروف عزلة طويلة .

أقرأ أيضا : هل توجد حياة علي كوكب المريخ ؟
و في الوقت الراهن تخطط وكالة ناسا لزراعة نباتات أكثر تعقيدًا مثل الطماطم كجزء من جهودها لتوفير مصادر غذائية مستدامة لرواد الفضاء و هذه الخطوات ليست فقط مهمة من الناحية الغذائية بل أيضًا من الناحية النفسية حيث ستساعد في تحسين جودة الحياة للبشر الذين يعيشون بعيدًا عن الأرض .