رينهارد جيلين .. الظابط النازي الذي مثل كنزا للمخابرات الأمريكية

في منتصف ليل 8 مايو عام 1945 إنتهت الحرب العالمية الثانية رسميا في أوروبا عقب زوال الحكم النازي في ألمانيا بعد هزيمته علي يد الحلفاء و إنتحار الزعيم النازي أدولف هتلر و هو ما فاجئ الكثيرين من المواطنين الألمان الذين تابعوا وسائل الإعلام النازية التي تتحدث عن إنتصارتهم في المعارك علي عكس ما هو موجود علي أرض الواقع لكن كان هناك عدد أخر منهم قاموا بإستعداداتهم الخاصة لضمان أنه بغض النظر عن هوية المنتصر في تلك الحرب فإنه من الضروري نهوض الحكم النازي مرة أخرى و كان من بين هؤلاء خبير للتجسس يدعي رينهارد جيلين الذي قام بوضع خططًا لضمان بقاء الرايخ الثالث من خلال إنشائه شبكة من الجواسيس النازيين السابقين الذين شكلوا مجتمع المخابرات الألمانية الحديثة و ذلك تحت إشراف من وكالة المخابرات المركزية الأمريكية CIA .

رينهارد جيلين .. الظابط النازي الذي مثل كنزا للمخابرات الأمريكية

ولد ” رينهارد جيلين ” في عائلة من العسكريين البروسيين المخلصين في 3 مارس عام 1902 و كان معظم الرجال في عائلته ضباطًا محترفين في الجيش الألماني لذلك كان من الطبيعي أن يتخذ مسارًا مشابهًا لذلك بمجرد إجتيازه للإختبارات تم تكليفه بالإنضمام إلي الرايخسوير أو دفاع الرايخ في ظل جمهورية ” فايمار ” التي سبقت صعود الزعيم النازي ” أدولف هتلر ” و بحسب ما ورد كان ” رينهارد جيلين ” شخص هادئًا بين زملائه الجنود لكنه أثبت أنه يتمتع بذكاء حاد و بشكل إستثنائي فيما يتعلق بالحقائق و الأرقام و التنظيم و في عام 1935 تمت ترقيته إلي رتبة نقيب و تعيينه في هيئة الأركان العامة الألمانية و هنا طور مهاراته في العمل الميداني و في أنشطة التجسس .

و بحلول عام 1942 تمت ترقية الرائد ” رينهارد جيلين ” إلي رتبة قائد في الجيوش الأجنبية الشرقية و هي منظمة إستخباراتية عسكرية مخصصة لإختراق الخطوط الروسية حين سيطر الرايخ الثالث علي أوروبا و ما ساهم في عمله بنجاح في تلك المنظمة هو أنه كان مناهضًا متحمسًا للشيوعية لذلك أعد تقارير إستخباراتية كان لها بالغ الأثر في نجاحات ألمانيا المبكرة في تقهقر القوات السوفيتية علي أراضيهم و عندما بدء ” هتلر ” في التحول بسرعة إلي ديكتاتور بدأ ” رينهارد جيلين ” في التفكير بإحتمالية هزيمة بلاده و مع تغير مجرى الحرب العالمية الثانية و تغلب الحلفاء تدريجياً على النازيين كان قد وضع تقارير كشفت عن أسباب إخفاقات الجيش الألماني و التي إعتمدت علي تحليلات واقعية أثارت غضب ” هتلر ” الذي وصف تلك النتائج بأنها إنهزامية .

رينهارد جيلين .. الظابط النازي الذي مثل كنزا للمخابرات الأمريكية

و بحلول أبريل عام 1945 إنهارت إمبراطورية ” هتلر ” و قام بطرد ” رينهارد جيلين ” الذي كان في ذلك الوقت برتبة جنرال و أحد أكثر جواسيسه كفاءة و لكن رغم قرار إقالته واصل عمله في نسخ كل ورقة تحتوي علي معلومات إستخبارية عن الروس و وفقًا لمذكراته التي صدرت عام 1972 بعنوان “الخدمة” قام هو و ضباطه المخلصين بدفن 52 برميل من الفولاذ مليئين بالميكروفيلم الذي يحتوي على خلاصة ست سنوات من أعمال التجسس ثم أمر رجاله بإنتظار إشارته و سلم نفسه بهدوء للقوات الأمريكية ثم بعد إجراءه لمقابلات مع ضباط أمريكيين رفيعي المستوى توصل ” رينهارد جيلين ” معهم إلي صفقة تحميه من الملاحقة القضائية بتهمة إرتكاب جرائم حرب مقابل جمع معلومات إستخباراتية عن السوفييت لصالح ” الولايات المتحدة ” و بحلول نهاية عام 1946 قام بتزويد الأمريكيين بكل التفاصيل الخاصة بمنظمة جيلين التي كان فيها 350 ضابطًا نازيًا سابقًا أعتبر بعضهم مجرمي حرب .

و سُمح لـ ” رينهارد جيلين ” و رفاقه بمتابعة أنشطتهم علي جانبي حدود ألمانيا الغربية تحت إشراف إستخبارات الجيش الأمريكي و في عام 1949 إستوعبت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية CIA رسميًا مجموعة جيلين و أعطتهم 5 ملايين دولار سنويًا لمشاريعهم الإستخباراتية الخاصة و علي الرغم من أن المنظمة كانت قيمة بالنسبة لمجتمع الإستخبارات الأمريكية إلا أن الجيش الأمريكي كان يريد التخلص منها لتخوفاته من إحتوائها علي عملاء سوفييت بالإضافة إلي حذرهم في التعامل بشكل أساسي مع المحاربين القدامى في الجيش الألماني و قوات الأمن الخاصة و لكن إنتصرت الرؤية الإستخبارية لذلك إستمر عمل المجموعة و يقال أن وكالة المخابرات المركزية تواصلت مع 23 نازيًا آخرين لضمهم لتلك المنظمة و أن ما لا يقل عن 100 ضابط فيها كانوا من ضباط الجستابو السابقين .

رينهارد جيلين .. الظابط النازي الذي مثل كنزا للمخابرات الأمريكية

و خلال عمل منظمة ” رينهارد جيلين ” تحت الإشراف الأمريكي قاموا بمساعدة مجرمي الحرب النازيين الآخرين علي الفرار من أوروبا عبر شبكات هروب تضمنت معسكرات عبور و موانئ وهمية قدمتها وكالة المخابرات المركزية حيث ساعد المشروع الجانبي الممول من الوكالة أكثر من 5000 نازي علي الفرار من أوروبا إلي أمريكا الجنوبية و الوسطى و رغم عدم ثقة الأمريكيين الكبيرة في ” جيلين ” إلا أن إغراء توجيه ضربة للإتحاد السوفيتي هو ما زاد تمسكهم به و علي مدار ثماني سنوات جمع ” رينهارد جيلين ” العديد من المعلومات الإستخبارية الموثوقة من أوروبا الشرقية كما حقق بعض النجاح في التسلل إلى ألمانيا الشرقية و جمع معلومات قيمة عن الوحدات العسكرية السوفيتية و لكن بشكل عام إضطرت منظمته في كثير من الأحيان إلي اللجوء للخيال لإبقاء الأمريكيين علي عملهم حيث إختلقوا قصصاً عن تكنولوجيا عسكرية متقدمة و برنامج نووي يفوق بكثير برامج الغرب حيث كان في إعتقادهم أنه في حالة وضع الإتحاد السوفييتي في صورة قوية للغاية سوف يشعر الأمريكيين أنه ليس لديهم خيار سوى التمسك بجواسيسهم الألمان علي الرغم من أي تحفظات قد تكون لديهم بشأن الرجال الذين كانوا في صفوفها .

أقرأ أيضا : قصة جزار ليون كلاوس باربي ظابط الأمن النازي الذي أصبح واحدا من أهم عملاء المخابرات الأمريكية

و بحلول عام 1956 تم إضفاء الشرعية على منظمة ” جيلين ” بإعتبارها ” جهاز المخابرات الفيدرالية” الذي كان و لا يزال المعادل الألماني لوكالة المخابرات المركزية لكن الإنتصار لم يدوم لأنه بحلول عام 1968 تم الكشف عن العديد من الجواسيس السوفييت داخل المجموعة و يُزعم أن العديد منهم عملوا مع ” رينهارد جيلين ” لعقود من الزمن منهم نائبه ” هاينز فيلف ” و هو ما أدي إلي إقالة ” جيلين ” و بينما تم سجن النازيين السابقين الآخرين في المجموعة و محاكمتهم على جرائمهم نجح ” رينهارد جيلين ” في تجنب القبض عليه أو محاكمته علي الرغم من أنه كان معروفًا في دوائر المخابرات إلا أنه لم يلاحظه أحد و توفي بهدوء عام 1979 .

شارك الموضوع

عمرو عادل

فى الحياة الواقعيه مهندس ميكانيكا قوى اما فى الحياه الافتراضيه فباحث و كاتب و مدير الموقع دا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *