في يوليو عام 1976 واجه العشرات من الآباء في بلدة تشوتشيلا الواقعة بولاية كاليفورنيا أسوأ كوابيسهم بعد أن إختطفت حافلة مدرسية تقل 26 طالبًا من أبنائهم أثناء عودتهم من رحلة صيفية علي يد ثلاثة رجال ملثمين و الذين قاموا بنقلهم لشاحنة بضائع و دفنهم أحياء علي عمق يتجاوز أربعة أمتار داخل أحد المحاجر علي بعد 160 كيلومتر عن مكان الإختطاف و لمدة 16 ساعة مرهقة عمل سائق الحافلة و أحد الطلاب الأكبر سنًا علي تحرير أنفسهم و الأطفال الآخرين قبل أن ينفذ الهواء منهم أو ينهار سقف الشاحنة عليهم من ثقل التراب و لحسن الحظ عادوا جميعا إلي منازلهم سالمين بعد 36 ساعة من إختطافهم و حين ألقت الشرطة القبض علي الجناة كانت المفاجأة بأنهم شبان ينحدرون من عائلات ثرية و قد فعلوها للمطالبة بفدية قدرها 5 ملايين دولار أمريكي لسداد ديونهم و يتم تقديمهم للمحاكمة التي عاقبتهم بالسجن مدي الحياة ليسدل بذلك الستار علي حادث تشوتشيلا الذي يعتبره البعض واحد من أشهر حوادث الإختطاف التي شهدتها الولايات المتحدة عبر تاريخها .
بدأت قصة حادث تشوتشيلا في 15 يوليو عام 1976 حين أستقل 26 طفلًا تتراوح أعمارهم ما بين 5 و 14 عامًا حافلة يقودها فرانك ” إدوارد “إد” راي ” البالغ من العمر 55 عامًا في رحلة ميدانية صيفية إلى حمام سباحة محلي و بعد إنتهائهم من اليوم و في تمام الساعة الرابعة عصرا و بينما كان “راي” يقود الطلاب عائدين إلى المنزل توقفت شاحنة بيضاء أمامهم في منتصف الطريق و بشكل مفاجئ إستقل رجلان الحافلة و هم يرتديان جوارب طويلة فوق رأسيهما و يحملان أسلحة نارية و بعد السيطرة علي الحافلة تولى أحدهم قيادتها بينما احتجز الآخر السائق تحت تهديد السلاح ثم تبعهم رجل ثالث كان يستقل الشاحنة التي أغلقت الطريق .
و عقب قيادة الحافلة المدرسية لمسافة قصيرة أوقفها الرجال في مجرى نهر جاف محاط بالخيزران و الأغصان الطويلة حيث كان ينتظرهم في نفس المكان شاحنتين تم تحويلهم ليكونوا مثل مركبات نقل السجن و أمروا “راي” و الأطفال بالصعود إلى الجزء الخلفي من الشاحنتين اللتين تم طلاء نوافذهم باللون الأسود و تغطية الجزء الداخلي بألواح خشبية لمنع الأطفال من الرؤية أو سماع أصواتهم ثم قاد الخاطفين الشاحنتين لمدة 11 ساعة و توقفوا أخيرًا في محجر على بعد 160 كيلومتر في بلدة “ليفرمور” و أجبروا “راي” و جميع الأطفال على النزول منهم و الصعود علي متن شاحنة موضوعة داخل حفرة علي عمق 4.5 متر تحت الأرض .
و بمجرد دخول جميع أعضاء المجموعة البالغ عددهم 27 فردًا إلي المركبة وضع الخاطفين قطعة معدنية ثقيلة و بطاريتين تزن كل منهم 45 كيلوجرام فوق المدخل الوحيد الذي قطعوه في سقف الشاحنة ثم بدأوا في ملء بقية الحفرة بالتراب و بمجرد إنتهائهم غادروا المكان وكان من الملاحظ أن الخاطفين قد قاموا بتجهيز الشاحنة بالمراوح و المراتب كما حفروا مراحيض مؤقتة في آبار العجلات مع وضع خبز و زبدة الفول السوداني و الماء و مع مرور بعض الوقت أدرك “راي” أنه مع الطلاب لن يتمكنوا من البقاء على قيد الحياة لفترة طويلة حال نفاذ الهواء لذلك بدأ هو و “مايكل مارشال” البالغ من العمر 14 عامًا العمل علي محاولة الخروج من ذلك المكان .
و من داخل مكان الإحتجاز عمل “راي” و ” مارشال ” بسرعة لإيجاد طريقة للخروج خاصة بعد توقف المراوح عن العمل و بدء سقف الشاحنة في الإنهيار حيث أكتشف الإثنان أن بإمكانهما الوصول إلى قمة الشاحنة إذا قاما بتكديس المراتب فوق بعضها لذلك عمل الثنائي لساعات طويلة محاولين تثبيت قطعة من الخشب في الفتحة الموجودة في السقف إلي أن تمكنوا في النهاية من إزالة الغطاء المعدني و البطاريات بعيدًا عن الطريق ثم بدأوا في إزاحة الرمال و الأتربة من طريقهم و أخيرا بعد 16 ساعة من دفن الأطفال أحياء تدفق شعاع من الضوء عبر التراب و أخرج “مارشال” رأسه من التراب بحذر للتأكد من أن خاطفيهم لم يكونوا بالقرب منهم ثم قام هو و ” راي ” بمساعدة الأطفال الـ 25 الآخرين على الخروج من الشاحنة و ساروا جميعًا إلى كوخ الأمن التابع للمحجر و أخبروا الموظفين بما حدث و هو ما جعل الحراس يصابون بالذهول و يستدعون الشرطة على الفور.
و فور وصول الشرطة أصبح من الواضح لديها أن شخصًا ما كان لديه حق الوصول غير المحدود إلي ذلك المحجر و هو وحده القادر على دفن الشاحنة و إحضار الأطفال ليلا دون أن يراه أحد لذلك ركزوا تحقيقاتهم في حادث تشوتشيلا على “فريدريك نيوهال وودز” الرابع إبن صاحب المحجر و تأكدوا من شكوكهم بعد أن عثر المحققين أثناء تنفيذهم أمر تفتيش في ملكية “وودز” علي أحد الأسلحة التي أستخدمت في عملية الإختطاف و مسودة مذكرة تطلب فدية و وثيقة بعنوان “الخطة” لكن لم يتم العثور على “وودز” و شريكيه المشتبه بهم و هم الأخوين ” جيمس و ريتشارد شونفيلد ” و بعد أسبوعين تم إعتقال الرجال الثلاثة حيث سلم “ريتشارد شونفيلد” نفسه للسلطات بعد ثمانية أيام من الإختطاف و تم القبض على شقيقه في “مينلو بارك” بكاليفورنيا على مسافة ليست بعيدة عن المحجر كما تم الوصول إلي ” فريدريك نيوهال وودز ” بمدينة “فانكوفر” في “كندا” بعد فراره من البلاد.
و سرعان ما بدأت القصة تتكشف حيث كان خاطفي حادث تشوتشيلا قد قاموا بإختطاف الأطفال لأنهم كانوا مثقلين بالديون لذلك كانوا يخططون لطلب فدية كبيرة لأن الأطفال بحسب إعترفاتهم ثمينون و ستكون الدولة مستعدة لدفع الثمن لتجنب تعريضهم لأي نوع من المخاطر لذلك خططوا للقيام بحادث تشوتشيلا لأكثر من عام قاموا فيه بتتبع مسار الحافلة و تهيئة الشاحنات و إنشاء مخبأ تحت الأرض و حتى بناء صندوق رصاص لوضع أموال الفدية في حالة قيام الشرطة بوضع أجهزة تتبع وسط النقود و رغم أن الجزء الأول من خطتهم سار دون أي عوائق إلا أن كل شيء سار بشكل خاطئ عندما حاولوا الإتصال هاتفيًا للحصول على الفدية حيث كانت خطوط الهاتف المؤدية إلى مركز الشرطة مكتظة بمكالمات الآباء المذعورين الذين يطالبون بإجابات بشأن أطفالهم المفقودين لذلك قرر ” وودز ” و الأخوة ” شوينفيلد ” أخذ قيلولة و المحاولة مرة أخرى لاحقًا و لكن عندما أستيقظوا و شاهدوا الأخبار رأوا أن الأطفال قد هربوا بالفعل .
و في المحاكمة أعترف الرجال الثلاثة بالذنب في تهم الإختطاف للحصول على فدية و السرقة و حُكم عليهم بالسجن مدى الحياة مع إمكانية الإفراج المشروط و بحلول عام 2012 تم إطلاق سراح “ريتشارد شونفيلد” بعد أن قضى 36 عامًا و بعدها في عام 2015 تم إطلاق سراح أخيه ” جيمس شونفيلد” المشروط بينما لم يحقق ” فريدريك نيوهال وودز ” نفس النجاح مع مجلس الإفراج المشروط بسبب التقليل من شأن الجريمة و سلوكه في السجن و حيازته مواد محظورة مثل المواد الإباحية و الهواتف المحمولة كما تم إكتشاف أنه كان يدير شركة لتعدين الذهب وتجارة سيارات من خلف القضبان دون إخبار السجن و لم تكتشف السلطات هذه الشركات إلا عندما تم رفع دعوى تعويض ضده و قد ورث ” وودز ” أيضًا صندوقًا إئتمانيًا يقال أن قيمته تبلغ 100 مليون دولار لأنه ينحدر من عائلتين ثريتين للغاية كما أنه أشترى قصرًا على بعد مسافة قصيرة من السجن.
أقرأ أيضا : جوليا توفانا الإيطالية التي قتلت بسمومها 600 ضحية من الأزواج
و أخيرًا في أغسطس عام 2022 أطلق سراح ” فريدريك وودز ” آخر خاطف في حادث تشوتشيلا و رغم محاولة حاكم الولاية منع إطلاق سراحه إلا أن مجلس الإفراج المشروط قرر منح الرجل حريته و رغم إطلاق سراح خاطفي حادث تشوتشيلا الثلاثة جميعاً إلا أن ضحاياهم ما زالوا يعانون من الصدمة التي لحقت بهم منذ أكثر من 40 عاماً حيث عانى بعض الأطفال من الاكتئاب و تعاطي المخدرات و كانوا يصابوا بنوبات ذعر و كوابيس حول الإختطاف و الموت و قالت ” جودي هيفينجتون ميدرانو ” التي كانت في العاشرة من عمرها وقت الإختطاف بأن هؤلاء الخاطفين سرقوا شبابهم بالكامل بعد أن تسببوا في إنقلاب طفولتهم رأساً على عقب .